قُتل 85 شخصا على الأقل وأصيب مئات بجروح خلال حادثة تدافع أثناء توزيع مساعدات مالية في صنعاء، في مأساة جديدة أتت بعد تفاؤل بقرب وضع النزاع في اليمن على طريق الحل.
ووقعت الحادثة قبيل حلول عيد الفطر، خلال فترة غالبا ما تُوزّع خلالها مبالغ ماليّة على الفقراء في بلد يعتمد فيه نحو ثلثي السكان وعددهم 30 مليونا على المساعدات للاستمرار.
وأظهرت تسجيلات مصوّرة تجمع مئات الأشخاص في مكان ضيق ومكتظ للحصول على المساعدة المالية التي قدّرت بحوالى ثمانية دولارات للفرد في مدرسة في المنطقة القديمة في صنعاء، قبل أن يبدأ التدافع.
وظهر في تسجيل نشرته قناة “المسيرة” التابعة للحوثيّين عشرات الأشخاص يتدافعون في مكان ضيّق، فيما يتعالى صراخ بعضهم وسط صيحات “عودوا للوراء، عودوا للوراء”.
وقال مسؤول أمني حوثي لوكالة فرانس برس “قُتل 85 شخصا وأصيب أكثر من 322 بجروح بينهم 50 في حالة حرجة” في حادثة التدافع، فيما ذكرت سلطات الحوثيين ان 78 توفوا و77 أصيبوا بجروح.
وأكّد مسؤول طبّي الحصيلة التي أفاد بها المسؤول الأمني لوكالة فراس برس، قائلا إن الضحايا توزعوا على ثلاثة مستشفيات.
وذكر المسؤول الأمني مشترطا عدم كشف هويّته أنّ “بين القتلى نساءً وأطفالًا”.
وهذه واحدة من أكبر الحوادث الجماعية في اليمن، أفقر دول شبه الجزيرة العربية والذي يشهد منذ 2014 حرباً بين المتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران والذين يسيطرون على صنعاء، والقوات الموالية للحكومة والتي يدعمها تحالف عسكري تقوده السعودية.
وتسبّبت الحرب بمقتل مئات الآلاف بشكل مباشر أو بسبب تداعياتها، فيما يهدّد خطر المجاعة ملايين السكّان، ويحتاج آلاف إلى علاج طبّي عاجل غير متوافر في البلد الذي تعرّضت بنيته التحتيّة للتدمير.
وقعت الحادثة في وقت يسود تفاؤل بإمكانية وضع النزاع على طريق الحل بعد محادثات أجرتها السعودية مع الحوثيين في صنعاء مؤخرا وعملية تبادل أسرى بين الحكومة والمتمردين شملت نحو 900 سجين.
وقال مراسل لوكالة فرانس برس إنّ الحادثة وقعت داخل مدرسة معين. وأظهرت صور نشرتها وسائل إعلام تابعة للحوثيين عشرات الأحذية وقطع الملابس وقد تكدست فوق بعضها البعض مداخل المدرسة.
وبحسب روايات شهود عيان، فإنّ إطلاق نار أدى إلى التدافع، لكن لم تتمكن وكالة فرانس برس من تأكيد هذه المعلومة.
ولم يكشف الحوثيّون سبب التدافع. لكنّ وكالة أنباء الحوثيّين “سبأ” نقلت عن المتحدّث باسم “وزارة” الداخليّة في الحكومة غير المعترف بها دوليا العميد عبد الخالق العجري أنّ الحادثة وقعت “بسبب تدافع مواطنين أثناء التوزيع العشوائي لمبالغ ماليّة من قبل بعض التجّار”.
وأضاف “الحادث المأسوي المؤلم (…) راح ضحيّته العشرات”، مشيرا إلى أنه “تمّ نقل الوفيات والمصابين إلى المستشفيات وضبط اثنين من التجّار القائمين على الموضوع”.
من جهته كتب عضو “المجلس السياسي الأعلى” محمد علي الحوثي على تويتر أنّ التدافع حصل بسبب الاكتظاظ وضيق الشارع الذي تجمّعت فيه الحشود.
وأمام مستشفى الثورة، تجمّع عدد كبير من أهالي الضحايا محاولين الدخول، لكنّ رجال الأمن كانوا يمنعونهم من ذلك، في وقتٍ زار مسؤولون المستشفى، حسب مراسل فرانس برس.
وامتلأت أسرّة المستشفيات بالجرحى وبينهم أطفال بحسب لقطات مصورة بثتها وسائل الإعلام الحوثية.
وفرضت قوّات الأمن التابعة للحوثيّين طوقا أمنيا حول مدرسة معين عند باب اليمن في صنعاء القديمة حيث وقعت الحادثة، ومنعت الدخول إلى المكان وتصويره.
في هذا السياق، أعلن رئيس المجلس السياسي الأعلى لدى الحوثيين مهدي المشاط “تشكيل لجنة من الداخليّة والأمن والمخابرات والقضاء والنيابة للتحقيق في حادثة التدافع”، حسبما نقلت “سبأ”.
وقال مسؤول أمني في صنعاء إنّ السلطات “اعتقلت ثلاثة تجّار على خلفيّة الحادثة”.
وتعتبر هذه واحدة من أكبر حوادث التدافع في العالم خلال السنوات العشر الأخيرة، حسب حصيلة لهذا النوع من الحوادث أعدّتها فرانس برس.
يعاني كثير من الموظّفين الحكوميّين في المناطق الخاضعة لسلطة الحوثيّين جرّاء عدم تلقّيهم رواتب منذ سنوات.
وتقول الأمم المتحدة إنّ أكثر من 21,7 مليون شخص (ثلثا السكان) يحتاجون إلى مساعدات إنسانيّة في اليمن هذا العام.
وانتهت أوائل تشرين الأوّل/أكتوبر هدنة توسّطت فيها الأمم المتحدة في نيسان/أبريل 2022، بدون أن يتوصّل أطراف النزاع إلى اتّفاق لتمديدها. لكنّ الوضع ظلّ هادئا نسبيا على الأرض.
واعتبر مبعوث الأمم المتّحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ الاثنين أنّ البلد الغارق في الحرب لم يشهد منذ ثماني سنوات “فرصة جادّة” كهذه لإحلال السلام، مؤكداً في الوقت نفسه أنّه ما زال هناك عمل كثير يجب فعله على هذا الصعيد.
والاثنين، نقلت ثلاث طائرات نحو مئة أسير كان يحتجزهم التحالف الذي تقوده الرياض، إلى اليمن، في إطار عمليّة تبادل سجناء واسعة استمرّت ثلاثة أيّام وشملت نحو 900 أسير من طرفَي النزاع اليمني، ما يحيي الآمال بهدنة قريبة.
وتزامنت عمليّة التبادل الأخيرة مع جهود دبلوماسيّة نتجت من التقارب السعودي الإيراني، وترمي إلى ترسيخ وقف إطلاق نار طويل الأمد ووضع الحرب الدامية في البلد الفقير على طريق الحلّ.
وتعليقا على حادثة التدافع، قال وزير الإعلام في الحكومة اليمنيّة معمر الارياني على تويتر “نحمّل القتلة المجرمين (…) الذين أوصلوا الأوضاع لهذه النقطة المأسويّة، وأحالوا حياة الملايين من اليمنيّين إلى جحيم، المسؤوليّة الكاملة عن هذه الجريمة”، في إشارة منه إلى الحوثيين.