نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لفيفيان نيريم ورجا عبد الرحيم حول انتهاء عزلة النظام السوري الطويلة. فقد تم تجاهل رئيس النظام بشار الأسد بعد ارتكابه جرائم في الحرب الأهلية لكنه أصبح يوم الجمعة مشاركا في القمة العربية في السعودية.
وعندما ضربت الهزة الأرضية في شباط/فبراير، وجد الأسد فرصة في الكارثة ودعا لإنهاء العقوبات الدولية على بلده، وخلال أيام تم تعليق بعضها. وأرسلت دول أخرى في الشرق الأوسط طائرات محملة بالمساعدات تبعها زيارات على مستويات عالية. وبعد ثلاثة أشهر حقق الأسد تقدما مثيرا للدهشة وخرج من عزلة شبه دولية بسبب الجرائم التي ارتكبها إلى رئيس عاد ورحب به في الحظيرة العربية وبدون شروط. ومشاركته في القمة العربية هي الأولى منذ 13 عاما وهي إشارة مهمة عن عودته للمنطقة وتبنيها له.
وتم رفض الأسد بعد قمعه الانتفاضة عام 2011 والتي تحولت إلى حرب أهلية ثم وصلت إلى طريق مسدود مع أنها لم تنته بعد. وتتهم حكومته بارتكاب جرائم حرب وتعذيب واستخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه وإجبارها على رحيل السكان في نزاع خلف آلاف القتلى.
وتقول دارين خليفة من مجموعة الأزمات الدولية “حقيقة عودة الأسد قوية بدون أن يصاب بأذى ترسل رسالة للقادة العرب” و”في نهاية الأمر، فلها أثر كبير، فجولة الأسد المنتصرة في المنطقة تعطي الديكتاتوريين صورة أنك تستطيع الإفلات” من العقاب. وقال المحللون إن الحرب في سوريا عبدت الطريق لما يراه العالم في أوكرانيا. فقد شاهدنا قمع الحكومة الشرس لمواطنيها وبدعم مكثف من روسيا. لكن فلاديمير بوتين ونظامه لم يحاسبا على الهجمات التي شنت في سوريا بما فيها استهداف المستشفيات. ومنذ الطلقة الأولى لروسيا في أوكرانيا فقد كان إرث بوتين في سوريا يحوم وبشكل واضح فوق أوكرانيا. فقد استخدم الروس نفس الأساليب التي استخدموها في سوريا، مثل الحصار والتجويع.
وقدمت الحرب السورية دروسا محتملة لبوتين، حيث عززت لديه فكرة خرق الأعراف الدولية بدون أي تداعيات كبيرة. وأرسلت إدارة بايدن رسائل مزيجة حول التطبيع العربي مع الأسد، حيث أكدت معارضتها للجهود واستمرار موقفها من النظام السوري كما هو. وفي الأسبوع الماضي تقدمت مجموعة من أعضاء الكونغرس بمشروع قانون “ضد التطبيع مع الأسد” وهي محاولة من أجل محاسبة حكومة الأسد وداعميه.
وقال النائب الجمهوري عن أركنساس فرينتش هيل إن “إعادة الأسد إلى الجامعة العربية أعطت إشارة له أن تصرفه البربري مقبول”. وفي شباط/فبراير حثت منظمة هيومان رايتس ووتش الدول العربية المتعجلة للتطبيع مع الأسد على الدفع على الأقل باتجاه المحاسبة والإصلاحات، وبدون هذا حذرت المنظمة الحقوقية الدول العربية بأنها توافق على انتهاكات الأسد الواسعة.
وتعد قمة الجامعة العربية في جدة التي تستضيفها الحكومة السعودية المرة الأولى التي يشارك فيها الأسد باجتماع عربي ومنذ عقد. وفي الوقت الذي تواصل الولايات المتحدة وأوروبا عقوباتها على الأسد إلا أن تقبله مرة جديدة في النادي العربي تم بدون فرض أية عقوبات عليه. وربما لقي الأسد الذي وصل إلى جدة مساء الخميس استقبالا فاترا حيث تنقسم الدول الأعضاء في الجامعة حول التطبيع مع النظام السوري، إلا أن حضوره يظل رمزا قويا. فقد قطعت معظم الدول العربية علاقاتها مع النظام السوري عندما بدأ يحاصر البلدات والمدن ويجوع سكانها وأجبر الملايين على الفرار، وبدأت بعض الدول العربية بدعم المعارضة المسلحة بتنسيق سري مع الولايات المتحدة.
وغير قادة المنطقة موقفهم بعدما تشبث الأسد بالسلطة واستعاد معظم ما خسره في البداية. ويتعامل الكثيرون معه علانية ويناقشون أن رفضه لم يحقق أي شيء. وبهذه الطريق يقول قادة إنهم يستطيعون التأثير عليه ومنع تطورات جديدة، مثل تهريب مادة كبتاغون المنشطة والمساعدة على عودة ملايين اللاجئين السوريين في دول الجوار، حيث يقول المسؤولون في هذه البلدان إنهم أضافوا أعباء على مواردهم وأثاروا السخط.
ويقول الصحافي السوري إبراهيم حميدي “خلال السنوات الـ 11 أو 12 كان أقصى ضغط وعزلة من أجل الحصول على تنازلات” إلا أن “النهج الجديد هو العكس: دعونا نقدم مزيدا من المحفزات للنظام، مثل الشرعية والتطبيع السياسي مقابل تحرك النظام على هذه الجبهات”. وفي اجتماع عقد بالأردن في 1 أيار/مايو تعهد وزراء خارجية دول عربية بعقد لقاءات من أجل التحرك وحل الكثير من المشاكل النابعة من الحرب السورية، وبعد أسبوع صوتت الجامعة العربية على “عودة سوريا”.
وذكر القرار أهمية حل “الأعباء” التي يفرضها اللاجئون ومخاطر تهريب المخدرات، لكن معالجة المشاكل لم تكن شرطا لعودة سوريا، حيث سرى القرار حالا. وقالت خليفة “لا أعتقد أن هناك أسئلة أو شروطا”. ووافق وزير خارجية النظام السوري الذي حضر اجتماع عمان على التعاون في تسهيل عودة اللاجئين والتنسيق مع الأردن والعراق لمنع تدفق المخدرات وتحديد أماكن إنتاجها في سوريا، حسب بيان اللقاء.
ولا يظهر أن الدول العربية لديها آلية لفرض التأكد من التزام سوريا بوعودها. وتعتبر مواجهة المخدرات مصدر قلق للسعودية التي أعلنت الشهر الماضي حربا على المخدرات وتعتبر أهم سوق للكبتاغون في المنطقة. إلا أن تحقيقا أجرته “نيويورك تايمز” في 2020 وجد أن معظم إنتاج وتهريب المخدرات تشرف وتسيطر عليه الفرقة الرابعة والتي يقودها شقيق بشار، ماهر الأسد.
وترغب السعودية والإمارات برؤية تغير في العلاقة السورية مع إيران والحد من تأثيرها، لكن لا يوجد ما يشي أن حكومة النظام السوري مجبرة على فعل هذا. وفي الوقت الذي باتت فيه تركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة القوى الأجنبية المؤثرة بسوريا، فإن استعادة التأثير العربي على سوريا تظل محل امتحان. وفي ظل التواصل مع النظام السوري إلا أن البعض في الخليج غير مرتاح للتطبيع، ففي مقال بجريدة “القبس” الكويتية جاء “نأمل أن نتذكر عذاب الشعب السوري عندما نقابل الأسد”.
وكانت قطر هي الدولة الوحيدة التي عبرت علنا عن معارضتها للتطبيع مع الأسد. وقال رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني “لا يزال الشعب السوري مشردا والأبرياء في السجن” و”قرار قطر كبلد، وبشكل فردي هو عدم اتخاذ خطوات إلا حالة حصل تقدم سياسي”.