أكد السفير في وزارة الخارجية الصينية جييان ليو أن حكومة بلاده وخلال ترؤسها لمجلس الأمن الدولي الشهر القادم، ستعمل ما في وسعها لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية عبر الحوار والمفاوضات السياسية، رافضاً مبدأ العنف مقابل العنف، بخلاف السياسة الأميركية القائمة على التصعيد وصب الزيت فوق النار.
وقال ليو خلال جلسة نقاش مع نخبة من الصحفيين والكتاب والمحللين من 14 دولة عربية في مبنى وزارة الخارجية الصينية في بكين: نتابع بقلق، وقد حاولنا عبر مجلس الامن والمجموعة العربية وقف الحرب على غزة.
واشار الى أنه منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، انتشرت تقارير وصور مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الصينية تتفاعل وتتضامن مع أبناء الشعب الفلسطيني، وصدرت الكثير من المواقف من كبار الباحثين والدبلوماسيين الذين عبروا بصراحة عن دعمهم للحقوق الوطنية الفلسطينية ودعم حل الدولتين، واحلال السلام في المنطقة بانهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
وأشار السفير الصيني الى أن بلاده ستترأس مجلس الأمن الشهر القادم، وستبذل ما في وسعها وستعمل مع العرب ودول البريكس وباقي دول العالم لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وقال: قدمنا مساعدات إنسانية عاجلة عبر قنوات مختلفة، عندما كان البعض يطرح علينا مطالب غير عقلانية لصالح إسرائيل، من قبيل الطلب منا مع بداية التوتر، التنديد بحركة حماس وتحميلها مسؤولية قتل المدنيين، لكننا أكدنا أن الصين ترفض جميع الأعمال التي تستهدف المدنيين، وقد طلبت إسرائيل ودول غربية منا إدانة حماس، ولكن وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فإن ما قامت به حماس كان نتيجة للظلم التاريخي الذي يتعرض له الفلسطينيون، وإسرائيل قامت بقصف واسع النطاق أدى إلى كارثة إنسانية، وبالتالي فإننا نرفض التنديد بحماس بشكل خاص، ونحن مع إدانة جميع الأعمال التي تستهدف المدنيين، وذلك يمثل العدالة والانصاف، ولابد من الحوار لتحقيق حل الدولتين.
وأشار السفير ليو إلى أن أميركا والغرب قدمت الدعم العسكري الشامل لإسرائيل، وواشنطن لم تسعَ لوقف التصعيد في المنطقة وإنما عمدت إلى صب الزيت على النار، ونحن من جهتنا لن نقدّم بالمقابل الدعم العسكري لحماس، لأن ذلك سيؤدي إلى زيادة حدة الأزمة والصراع في المنطقة.
وعن موقف الصين ازاء قضايا المنطقة وخصوصا ما يتعلق بالملف الفلسطيني، قال جييان ليو: إن مواقفنا تجاه قضايا المنطقة واضحة، فنحن ندعو الجميع لتسوية خلافاتهم عن طريق الحوار والتشاور، واستطعنا تيسير التوصل لاتفاق بين السعودية وإيران وتحقيق تسوية جيدة، انعكست إيجابا على كامل المنطقة، وأدت أيضا الى عودة سورية إلى الجامعة العربية.
وتابع: نتمسك بموقفنا الداعي لإيجاد الحلول عبر المفاوضات السياسية، ونرفض مبدأ العنف ضد العنف، ونؤيد مبدأ الدولتين وقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي إشارة منه إلى الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية قال ليو: هناك دول أخرى تتجاهل الخلفية التاريخية في المنطقة وتدعم طرفاً على حساب طرف آخر بما يؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة، والسياسة الخارجية الصينية مختلفة تماما عن السياسة الأميركية فنحن ندعو لبناء مستقبل وتنمية مشتركة وندعم تقديم المساعدات ونرفض التدخل في شؤون الآخرين، وواثقون أننا نقف في الجانب الصحيح لتحقيق التنمية المستدامة، على خلاف المنطق الغربي عموما والأميركي خصوصا القائم على تحقيق المصلحة الذاتية والنظر للآخرين كخصوم.
وأكد السفير ليو أن الحكومة الصينية لن تقدم دعماً عسكرياً لأي من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لأن ذلك سيؤدي إلى زيادة الأزمة وارتفاع حدة الصراع.
وشدد على الأهمية الكبيرة التي توليها وزارة الخارجية الصينية لزيارة الوفد وتبادل وجهات النظر، وذلك على خلفية الاهتمام البالغ بالعلاقات الصينية العربية لصنع وتشكيل مستقبل مشترك، وخصوصا عبر ما استخلصه الرئيس الصيني شي جين بينغ عن روح الصداقة المبنية على التسامح والتعاون المتبادل عبر استراتيجية طويلة الأمد، ليس لتحقيق هيمنة الصين على المنطقة العربية وإنما لبناء علاقات ثقة متبادلة وشراكة تنموية قائمة على القيم المشتركة، بديلا عن التحالفات وتشكيل الدوائر الضيقة والمواجهات وتكريس التنافس، وما تحمله من تاثيرات سلبية على التجارة الحرة العالمية.
وبين السفير جييان أن بكين وقعت على وثائق في إطار مبادرة “الحزام والطريق” مع 21 دولة عربية، لتحتل بذلك المجموعة العربية ضمن المبادرة المركز المتقدم على باقي الدول، الأمر الذي انعكس إيجابا على حجم التبادل التجاري المشترك ليصل إلى 430 مليار دولارا العام الماضي.
واعتبر المسؤول الصيني، أن أهم عوامل نجاح العلاقات الثنائية هي أن تقوم على التشاور والتعاون والمصلحة المتبادلة، من دون فرض أي طرف شروطاً سياسية على الطرف الآخر، كما سعت إليه الولايات المتحدة الأميركية صراحة عندما أعلنت أنها بصدد تغيير الشرق الأوسط، وشرعت بزرع الفتن والخلافات ودعم الاحتلال الإسرائيلي في تماديه في لبنان وسوريا وتغوله في الضفة الغربية والقدس المحتلة والحرب على غزة التي مازالت تحصد أرواح المئات يومياً .
وقال ليو: إن لدى الصين والدول العربية حضارة عريقة، ولابد من عقد ندوات منتظمة لتكريس روح الاستفادة المتبادلة، ورفض نظرية صراع الحضارات أو “الإسلامفوبيا”، مشيراً إلى أن “السياسية العرقية” في الصين ناجحة، فلدينيا 56 قومية داخل البلاد، ونطبق الحكم الذاتي على جميع المواطنين المتساويين في الحقوق والواجبات، وبالتالي فإن النسبة متدنية للمتطرفين الذي يشكلون خطراً على استقرار البلاد، ولمحاربة هؤلاء نهدف إلى التعاون مع الدول العربية والإسلامية.
وأشار ليو إلى سرعة انتشار المعلومة عبر الانترنت وقال: نشهد اليوم تطورا سريعاً للأنترنت الأمر الذي يسهل كثيرا من عمليات التواصل ونقل الأخبار، لكن وفي ذات الوقت يتم نشر أخبار مزيفة من قبل البعض، ما يؤدي إلى صعوبة التعرف على الحقيقة مع تعمد بعض وسائل الإعلام الغربية تضليل الرأي العام، وهنا فنحن نحتاجكم لنقل الصورة الحقيقية إلى الناس.
وقال: ان واحد من كل خمسة من مستخدمي الإنترنت في جميع أنحاء العالم هو صيني. واليوم، يقومون بنقل وإطلاق المحتوى الداعم للحوار والسلام والاستقرار وضرورة احقاق الحقوق الفلسطينية ورافض لجرائم الاحتلال في غزة.
وأضاف: القيادات الرسمية في الصين تلعب دوراً فعالاً في ترسيخ مفاهيم التعاون والحوار والخطاب الداعم للتسامح وحل الخلافات بالحوار والمفاوضات وهو المدخل لحل الصراع الفلسطيني والقضية الفلسطينية واحلال السلام الشامل في المنطقة، تمهيداً لدفع عجلة الاقتصاد والتنمية لمصلحة الجميع.
واشار الى ان ما يميز الدعم الصيني لفلسطين والقضية الفلسطينية وتأييد تطلعات الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وبناء الدولة الفلسطينية، هو النقد المشروع لإسرائيل في تجاوزاتها للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وانتهاكها للقيم والمعايير والمواثيق الدولية المرعية والبديهية وفي مقدمتها اتفاقيات جنيف.
وأصدرت الصين الرسائل الداعية للهدوء “على الجانبين”، وإدانة عامة للأذى الذي يلحق بالمدنيين، والعودة إلى المفاوضات على أساس حل الدولتين، واكدت دعمها للفلسطينيين واستهجنت الصين الدور الامريكي الدعم للاحتلال والعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وقدمت العديد من المبادرات للسلام بعيداً عن الهيمنة الأمريكية التي تثير الفتنة والخلافات بدعم إسرائيل، وانتقاد عملية حماس، وإرسال حاملتي طائرات إلى المنطقة، ونقل المعدات العسكرية جواً، وما لا يقل أهمية عن ذلك – سلسلة من الزيارات من الرئيس الأمريكي بايدن ووزير خارجيته، وعدد من كبار المسؤولين الأمريكيين إلى دول المنطقة، مما يحمل رسالة مفادها أن الولايات المتحدة موجودة في المنطقة بكل قوتها وسوف تدافع عن حلفائها، حتى لو كانوا معتدين.
واكد ليو ان وزارة الخارجية الصينية ثابته على نهج ومواقفها الداعمة للحقوق الفلسطينية، وقد أرسلت الرسائل التي تعبر عن الموقف الصيني المتسق مع موقف الدول العربية، وقالت بأن “المجتمع الدولي- وخاصة الدول العربية العديدة- يشيد بموقف الصين العادل والدور الذي لعبته كدولة كبرى مسؤولة”. وأن “رؤية بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية التي يدعو إليها الرئيس شي جين بينغ يساعد في تحديد الاتجاه لحل القضية الفلسطينية.
وانضمت الصين إلى إعلان الأردن الداعي إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، وقال المبعوث الصيني الخاص تشاي جون خلال جولته في المنطقة، لا يجوز تهميش القضية الفلسطينية، وأنه من المهم التوصل إلى حل “شامل وعادل وطويل الأمد” يقوم على حل الدولتين – إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقلة. وأضاف أن “الصين ستواصل العمل مع جميع الأطراف المعنية في المجتمع الدولي لبذل جهود متواصلة لإنهاء الحرب في غزة”.
وقال ليو إن الصين تشعر بالحزن الشديد إزاء وقوع العدد الكبير من الضحايا المدنيين والتدهور الحاد في الوضع الإنساني، وتدعو إلى وقف مبكر لإطلاق النار لوقف القتال وتنفيذ المساعدات الإنسانية لمنع الكوارث الإنسانية، مؤكدا أن الصين تعتقد أن القوة ليست هي السبيل لحل المشكلة، وأن مواجهة العنف بالعنف لن تؤدي إلا إلى حلقة مفرغة من الانتقام من الظلم وتخلق عقبات أمام التسوية السياسية للقضية الفلسطينية.
واضاف إن السبب الجذري للقضية الفلسطينية يكمن في التأخير في تحقيق الرغبة التي طال انتظارها في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، مشيرا الى أن استئناف محادثات السلام على أساس “حل الدولتين” هو السبيل الوحيد لكسر الحلقة المفرغة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لافتا الى أن موقف الصين يتقارب مع موقف الدول العربية وجامعة الدول العربية.