عندما ينعدم الحضور الاجتماعي أو العاطفي لكلا الزوجين، فإن أحدهما أو كلاهما ينطلق نحو العالم الافتراضي ليُشبع ذلك الحضور، متجاوزين، بالتالي، قواعد العلاقة الزوجية القائمة على أسسٍ من الود، والثقة، والاحترام.
غياب هذا الحضور يؤدي إلى استحضار الزوج أو الزوجة رغباتهما العاطفية والجنسية بطريقةٍ غير شرعية من خلال بعض وسائط التواصل الاجتماعي، لا سيما الفيس بوك؛ تلك الأداة الإلكترونية التي دفعت بالعديد من الأزواج إلى “شباكها” لتُغرق عائلات بأكملها في أتُون الشك والخصام الموصلين إلى أبغض الحلال عند الله وهو الطلاق.
هذه الشباك استطاعت أن تقبض بخيوطها على نفوس تاهت في صحراء المشاكل؛ ملقية بها على هامش المجتمع؛ لتعيش حياة الفضيحة والازدراء والتفكك والندم. هذه الشباك الالكترونية لم تسلم منها أزواج وعائلات فلسطينية، إذ أن التيه والغرق في هذه العوالم الافتراضية بشكلٍ غير مسؤول ومحسوب كان سبباً رئيساً في تشظي النفوس، وتفريق القلوب، ومن ثم هدم البيوت وتشتت أفرادها.
في هذا التقرير، سنسلط الضوء، بالتناول والتحليل على قضية تأثير الفيس بوك في النزاعات العائلية المؤدية في بعض الأحيان إلى الطلاق، لنطرح جملة من الأسئلة في هذا الخصوص، من قبيل: ما أثر الفيس بوك في التواصل الاجتماعي عموماً؟ وما تأثيره في النزاعات العائلية التي قد توصل إلى حالات الطلاق؟ وما مدى اتساع هذه الحالات؟ وما هي الارشادات التي من شأنها التقليل أو الحد من هذا الأمر؟.
آلة من منجل!!
وقبل التطرق إلى الواقع الفلسطيني، سنورد بعض ما جاء في هذا الشأن من دراسات أو احصاءات علمية. لقد أجمع كثير من علماء النفس والاجتماع على أن خطورة مواقع التواصل الاجتماعي امتدت إلى مؤسسة الزواج، وتسببت في وقوع عشرات من حالات الطلاق؛ نتيجة انشغال أحد الطرفين بمواقع التواصل الاجتماعي، أو غيرة الزوجة من صديقات زوجها على تلك المواقع.
كما أن استخدام الزوجة لهذه المواقع لوقت طويل غالباً ما يؤدي إلى كثير من الخلافات الزوجية، خاصة لو صاحبها تقصير أو إهمال للبيت أو للزوج والأبناء, ونفس الشيء ينطبق علي الزوج الذي قد يقضي أوقاتا طويلة في استخدام هذه الوسائل دون تواصل أو اهتمام بزوجته أو أبنائه. إضافة إلى أن بعض الزوجات يجعلن حياتهن الشخصية كتابا مفتوحا علي تلك المواقع من خلال الصور والتعليقات وغيرها من وسائل التواصل، مما يتسبب في نشوب الخلافات الزوجية، وتزداد تلك الخلافات لو حدث لبعض البيانات والصور قرصنة، وتم استخدامها في أغراض سيئة .
كذلك، فإن الفيس بوك وراء فتور العلاقات الزوجية والتفكك الأسري أحياناً، وذلك بسبب توجه أحد الأطراف نحو غرف المحادثة والدردشات، وأنه أصبح كل طرف يراقب تعليقات الطرف الآخر على المنشورات، فتنشأ علاقة عدم ثقة، وعدم الشعور بالأمان والراحة، فتقع بينهم المشاكل على أتفه الأسباب أحيانًا، وقد تُسبب حدوثَ حالات من الطلاق والخلافات الزوجية . ولقد أشارت دراسة أمريكية حديثة إلى أن 32 % من مستخدمي موقع فيس بوك يفكرون جديا في هجر شريك حياتهم ، وأن مواقع التواصل تلك تسببت في زيادة نسبة الطلاق والمشاكل الزوجية .
حالات وتخوف!
إلى ذلك، يقول القاضي الشرعي فاروق عديلي أن الهدف من استخدام وسائط التواصل الاجتماعي، خصوصاً الفيس بوك هو تحقيق المنافع الخاصة والعامة للإنسان والمجتمع؛ بعيداً عن ما يُغضب الله، أو يلحق الأذى بالناس. ويضيف” رغم أن هنالك فئة من مجتمعنا تتعامل مع الفيس بوك بالشكل السليم والنافع إلا أنه مقابل ذلك نرى مجموعة أخرى تسلك طريقاً خارجاً عن المبادئ السامية، والذي تكون نهايته الولوج في المشاكل والنزاعات الشخصية والعائلية، وحتى المجتمعية. ويبين القاضي عديلي أن نسبة الطلاق في فلسطين، والتي سببها الفيس بوك لا تخرج عن كونها مجرد حالات، محذراً في الوقت ذاته من تمدد ذلك في ظل انتشار هذه الوسيطة الالكترونية، وتأثير الأبعاد المعيشية والاجتماعية على الحياة العائلية.
ويوضح أن بعض الأزواج لا يودون ذكر أن الفيس بوك هو السبب في حالة الفراق والطلاق بينهما، منوهاً إلى أن النظرة الإسلامية إلى هذه الأدوات التواصلية تقوم على الإباحة ما لم تُستخدم في الحرام. وذكر أنه يتعذر تحديد نسبة أو عدد حالات الطلاق التي يُسببها الفيس بوك في فلسطين نظراً لعدم افصاح الزوجين عن ذلك. ويوصي القاضي عديلي كل من يستخدم هذه الأداة مخافة الله وتقواه، وأن يحذر استخدامها في الحرام لما لذلك من تبعات وخيمة على العائلة والمجتمع عموماً.
وفي السياق ذاته، يقول استاذ الشريعة د. عدنان دحدولان أن الفيس بوك وسيلة من الوسائل الحديثة التي فيها خيرٌ كثير وشرٌ كثير، ولذا فهذه الوسيلة يجب أن تُستخدم في الأمور التي تضفي الفائدة للإنسان بما يقربه إلى الله جل جلاله، منوهاً إلى أن هذه المواقع لها فوائد جمة، ومحاسن عظيمة، وفي نفس الوقت لها أضرار جسيمة، وأخطار مدمرة مهددة لتماسك المجتمع، بقطع أواصر الاتصال بين أفراده، والقضاء على كثير من السمات الاجتماعية التي تُميز الإنسان عن غيره.
ويؤكد د. دحدولان أنه يوجد حالات طلاق عديدة وقعت بسبب الاستخدام الخاطئ للفيس بوك في فلسطين، وأن معظم هذه الحالات تم الطلاق فيها بعد الكتاب، مطالباً في الوقت ذاته بأن نكون وسطيين معتدلين في استخدام تلك المواقع، فلا نُفْرِط في استخدامها في كل ما ينفع ويضر، ولا نبتعد عنها ونحجر على أنفسنا استخدامها؛ لأن هذا محال بعد أن دخلت في صلب الحياة العصرية.
كبت وتفرقة!!
من جانبه يقول الاعلامي مراد السبع: أن الفيس بوك يُعتبر من العوامل الرئيسة للتسويق الالكتروني، وهو السبب الرئيس الذي نشأ من أجله بغض النظر عن نظرية المؤامرة وما تلاها من تحليلات لتأسيسه، مضيفاً” لكن في مجتمعنا الفلسطيني قد انحرفت أنظارنا عن الاستخدام الفعال للفيس بوك وعملنا على استغلاله في بناء مجتمع افتراضي، وبناء علاقات منها المحببة وغير المحببة.
ويشير السبع إلى أنه بخصوص العلاقة الزوجية، فإننا نلاحظ أن نسب كبيرة من الطلاق أو الزواج حدثت بسبب الفيس بوك نظراً لعدم رغبة الزوج في أن تستخدم زوجته للفيس بوك أو العكس، وذلك لأسبابٍ متعددة، منها الشك، ومنها عدم الثقة بالطرف الآخر في السيطرة على هذا المجال الاليكتروني الواسع؛ لذا يتسبب الفيس بوك في حالات كثيرة، وقد حدثت بالفعل في إنهاء العلاقة الزوجية.
ويوضح السبع أن الرجل الشرقي منشغل في معظم الأحيان في العمل لترتيب أموره الاقتصادية الداخلية؛ لذا تجد بعض النساء ملاذاً من مجتمعها الواقعي إلى عالم افتراضي يسد وحدتها، وكذلك الرجل، أحياناً، يلجأ إلى مثل هذه الوقائع لفقدانه للرعاية النفسية والجنسية. ويرى أن الفيس بوك فتح مجالاً واسعاً للخروج بشكلٍ متخف إلى العالم عبر التمترس خلف شاشة صغيرة تتعرف على العالم الأخر، كما أن الموروث الاجتماعي والقيم التي ترفض الاختلاط جعلت من الجنسين وليمة شهية للولوج بصورةٍ متخفية في هذا العالم.
أطفال الشاشة!
من جانبها ترى حنان حرز الله أن الفيس بوك تعتبر وسيلة اتصال ناجحة وسريعة في عصر التكنولوجيا الحديثة، إذ تختصر المسافات وتقرب البعيد، موضحة أنه مع مرور الوقت أصبح الفيس بوك الشغل الشاغل لأغلب العائلات الفلسطينية بشكلٍ خاص والمجتمع العربي عموماً؛ ما ساهم في تصاعد الخلافات العائلية بين الأزواج ، فالزوج أصبح لديه العديد من الصديقات على الفيس بوك، يتحادث معهن معظم الوقت ويهمل زوجته وأبنائه، ما أدى لحدوث حالات من الطلاق في بعض العائلات.
وأشارت حرز الله إلى أن الزوج يريد زوجة متفهمة، وصديقة وأخت وأم في نفس الوقت، تحادثه وتستمع لكل ما يُتعبه ويُؤلمه ويُفرحه، وإذا لم يجد ذلك، فإنه قد يتجه نحو العالم الافتراضي ليشبك من خلاله علاقات غير شرعية على أرض الواقع، وهذا ما قد يتسبب في حالات الطلاق في حال عرفت الزوجة بذلك.
وتحذر حرز الله من سوء ومخاطر تفاقم مثل هذه الحالة على البنية العائلة والمجتمعية عموماً، مبينة أن أفراد العائلة الواحدة أصبحوا لا يرون بعضهم إلا على مائدة الطعام، والآباء لا يعرفون أي شيء عن أبنائهم، وهذا ما تسبب في وجود تفكك الروابط الأسرية في المجتمع الفلسطيني.
يقول المحاضر في كلية القانون بجامعة الاستقلال اسلام البياري : تختلف الخيانة الزوجية في الواقع الاجتماعي عنها في الفيس بوك، بحيث تتأرجح اختلافاً بين الشرع والقانون من حيث أركان ثبوتها وعقوبتها. ويضيف” أما جريمة الخيانة عن طريق الفيس بوك، فإنها تختلف في أركان الجريمة من حيث الأدوات والوسائل، بحيث لا يمكن لنا نتصور مثلا أن تتم عملية وقوع الزنا عن طريق الفيس بوك، ولكن ممكن أن يتم التخطيط وتوفير أدوات والتسهيل لهذه الجريمة من خلال الفيس بوك.
من يخون أكثر؟!
ويتابع البياري قائلاً: أصبح الفيس بوك وسيلة اجتماعية تسهل لبعض الأفراد ممارسة هذه الأفعال الخارجة عن المجتمع . ويبين أنه من خلال القضايا والواقع الاجتماعي يظهر أن الزوج هو بالطبع الأكثر خيانة من الزوجة، بحكم العادات والتقاليد والأعراف التي تحد من حجم الحرية الممنوحة للمرأة الشرقية العربية التي بحكم طبيعتها تكون الخيانة هي آخر ما يمكن أن تفكر فيه كزوجة وذلك كقاعدة عامة ولكل قاعدة شواذ.
أما الاختصاصية الاجتماعية ختام عثمان، والتي تعمل في دائرة الإرشاد الأسري في المحكمة الشرعية في رام الله، فتقول: هنالك حالات طلاق بسبب الفيس بوك، إذ أنه مثلا تكون الزوجة على معرفة برجل قبل زوجها، وتعاود الاتصال به عبر الفيس بوك. ولم نستطع أن نصلح ما بين الأزواج في هذا الأمر، لأن الزوج يقول أنا لا أستطيع أن أصدقها بعد اليوم. وهناك حالة أخرى كان الزوج يتحدث فيها مع نساء على الفيس بوك والزوجة تتحدث مع رجال عبر الفيس بوك، وعندما قلت للزوج هل هذا الأمر محلّل لك ومحرّم عليها، فردّ علي الزوج بأسلوب التفافي أي انه غير مقتنع بما تفعله.
قصص
· عندما ذهب زوجها لجلب بعض الأشياء من سيارته الواقفة في كراج العمارة قامت بالاطلاع على جهاز صفحته االفيسبوك ـ التي نسي أن يغلقها ـ لتكتشف أنه يتبادل برسائل الحب والغرام مع فتاة لا يتجاوز عمرها 20، في حين يبلغ عمره 52 عاماً.. بدأت المشاكل بين الزوجين طيلة بضعة أشهر لينجم عنها الطلاق لتكون الضحية الزوجة وثلاثة أبناء.
· في غضون ستة أشهر عقد القران على فتاتين، ليقوم بتطليقهن بعدما اكتشف أن لهن علاقات غرامية عبر الفيس بوك.
· يتبادل رسائل الغرام مع زميلته في العمل، فأسرعت زميلة أخرى لتخبر مديرها، الأمر الذي أدى إلى طرد العاشقين، ومنع استخدام الفيس بوك في العمل.
· عثرت على رسائل عشق وغرام بعدما استطاعت أن تخترق صفحة زوجها. ثارت المشاكل وغابت الثقة بينهما. تدخل البعض لتخفيف لهيب العلاقة؛ لينجحوا في ترميمها جزئياً مع بقاءها متخمة بعدم الثقة وفقدان الاحترام المتبادل.
المصدر : دنيا الوطن