في فلسطين.. مصابون بـ”الإيدز” لم يقترفوا ذنبا!!

8 مارس 2019آخر تحديث :
في فلسطين.. مصابون بـ”الإيدز” لم يقترفوا ذنبا!!

لهجة المحتسب وبصوته الحزين ، تحدث محمد “اسم وهمي” إلينا وفي قلبه غصة تلتصق به أينما حل أو ارتحل.
محمد الذي حاورناه ،عبر الهاتف لأسباب تتعلق بخصوصية مرضه، ولأسباب مهنية تتعلق بنا، يدخل عامه الثلاثين خلال أيام، يروي قصته المريره والتي بدأت من خلال والده المتوفى، والذي أصيب بمرض نقص المناعة المكتسبة “الإيدز” من خلال انتقال “دم ملوث” إليه، وبالتالي انتقل المرض إلى والدته ثم استقر عند محمد الذي اعتبره تمحيصا له .
يقول محمد إنه يعيش حياة طبيعية وهادئة كأي شاب سليم، يأكل ويشرب ويعمل وينام، وله أصدقاء وزملاء يعلمون بمرضه ويتعاملون معه بكل حب ومودة. عندما يُحرّم الحلال .. ويضيف محمد، أنه عندما يتقدم لخطبة فتاة ، يخبرها ويخبر أهلها بحقيقة مرضه، ويجاهر بذلك لأنه لم يقترف أي ذنب أو يجرم بحق أحد، حسب قوله.
ويكمل محمد و الألم يعتصر قلبه: أحلم بمستقبل جميل مثلي مثل أي شاب في مقتبل عمره، نعم أنا اعرف بأنني لن أنجب أطفالا، وهذا قدر الله لي، وأنا أحتسب ذلك عند ربي، لكني أتفاجأ بردة الفعل التي أراها على وجوههم ، ثم يتم رفضي بشكل نهائي ، رغم أن الفتاة تتقبلني وتتقبل مرضي ، وتتقبل عدم إنجابنا الأطفال في المستقبل.. لكن لأهلها رأي آخر، لجهلهم بحقيقة المرض وأسبابه”.
واستشهد محمد بأخر فتاة تقدم لها ، حيث قالت والدتها وهي تبكي ، إنها ستهبه ابنتها بدون مهر أو تكاليف مادية لأنها تعتبره إنسانا مهذبا ومتدينا وسيخاف على ابنتها ، ولكن والد الفتاة رفضه بشكل مطلق! ويذكر محمد أنه تقدم أيضا للزواج من سيدات مطلقات، ولكنه أيضا قوبل بالرفض، مبينا أنه يتسلح بالصبر في محاولاته العديدة للوصول لشريكة حياته، لأن مرضه علمه الصبر والثبات” بحسب تعبيره.
86 حالة بفلسطين
الدكتور “نضال غنيم”، مسؤول ملف “الإيدز” في وزارة الصحة بقطاع غزة، أوضح أن عدد الحالات المصابة والمسجلة هي 12 في القطاع “وحسب الفئات فإن هناك 7 رجال و5 سيدات مصابون بالمرض ، وهؤلاء مازالوا على قيد الحياة من أصل 33 حالة اكتشفت منذ انتشار “الإيدز” عام 1987″.
ويقول د.غنيم : بالتأكيد هناك أشخاص آخرون مصابون بمرض نقص المناعة المكتسبة “الايدز”، ويرفض هؤلاء الإفصاح عن أنفسهم لأسباب تتعلق بهم”.
واستند غنيم لمنظمة الصحة العالمية التي تقول إن كل حالتين يتم اكتشافهم هناك 5 حالات مختفية مصابة بالايدز. ويرجع غنيم أسباب عدم ظهور الحالات المختفية لعدم معرفة المصاب بأنه يعاني من الايدز ، ولسبب آخر وهو خشية المريض من البوح بمرضه ، نتيجة نبذ المجتمع له وخوفه على حياته وسيرته ومستقبل أسرته ، نتيجة الفهم الخاطئ لأعراض المرض وأسبابه.
واستشهد غنيم بثلاث سيدات أصيبوا بالمرض وهن داخل بيوتهن آمنين، حيث انتقل لهن الايدز من خلال أزواجهن الحاملين للفيروس بطرق مختلفة، حيث تعتبر هؤلاء النسوة ضحايا لهذا المرض وضحايا نظرة المجتمع لهن. ويضيف غنيم، أن علاج الإيدز يستمر طوال فترة حياة الشخص، فكلما زاد اهتمامه بذاته واستجاب أكثر للعلاج زادت فرصة نجاة المناعة من الهتك “وكل ذلك بيد الله”، مشيرا إلى أنه يتم التعامل مع مرضى “الايدز” بسرية تامة لضمان الحفاظ على خصوصيتهم، والتعامل معهم كرموز وليس كأسماء، ويتم متابعتهم كمراجعي الأمراض العادية الأخرى.
نصائح للتعامل مع مريض الايدز
ووجه د.غنيم بعض النصائح الهامة لكل أسرة في بيتها مصاب بالإيدز، حيث قال إن الإيدز مرض حساس ويجب التعامل معه بدقة شديدة، لذلك يجب إعطاء المريض المساحة للحوار والتبرير والمناقشة، وضرورة احتوائه من قبل المحيطين به وعدم إشعاره بالعزلة والتعالي عليه. وحول العلاقة الزوجية لمصاب الايدز، أوضح غنيم أن هذه المسألة خطيرة، حيث أضاف: يجب استخدام “الواقي الذكري” أو “الواقي الأنثوي”، أثناء العلاقة بين الزوجين إن كان أحدهما أو كلاهما مصابا بالإيدز، ويمنع ترك استخدام الواقي لأي سبب مع مراعاة التخلص منه بعد كل اتصال جنسي.
لكن ماذا لو تم تمزيق الواقي أثناء العلاقة؟
يجيب د.غنيم: في هذه الحالة يجب التوجه للمراكز المعالجة للمرض”. وشدد على ضرورة عدم إنجاب الأطفال حتى لا يتم نقل المرض للطفل من خلال الأم عبر المشيمة أثناء الحمل ومن خلال الرضاعة، مستدركا: لكن في حالات قليلة وعبر تقنيات حديثة يسمح بالإنجاب، وهذه التقنيات غير متوفرة في فلسطين، وأيضا يتم استبدال الرضاعة الطبيعية بالرضاعة الصناعية لأطفال الأم المصابة”.
ويكمل غنيم: يجب الحذر عند استخدام المريض للأدوات الحادة (كالسكين وماكينة الحلاقة وأدوات العمل)، ولو جرح المريض نفسه يجب نقل المريض لأقرب مستشفى على وجه السرعة وعدم لمس دم المصاب نهائيا، ورمي الآلة الحادة المنتقل إليها الدم، وفي أسوأ الحالات يتم تطهيرها بالكلور لمدة 15 دقيقة، كما يمنع استخدام المتعلقات الشخصية للمصاب (كفرشاة الأسنان) .
العلاج .. لا يوجد حاليًا لقاح مضاد لفيروس نقص المناعة البشرية أو علاج شافٍ لفيروس نقص المناعة البشرية.
وتعتمد وسائل الوقاية المعروفة حتى الآن على تجنب التعرض للإصابة بالفيروس ، أو في حالة عدم التمكن من القيام بذلك – العلاج بدواء مضاد للفيروسات الارتدادية مباشرةً بعد التعرض للفيروس بشكل مؤثر وفعال ، وهذا يعرف باسم العلاج الوقائي الذي يعقب التعرض للإصابة بالمرض مباشرةً ، ويستلزم هذا النوع من العلاج تناول جرعات منتظمة لمدة أربعة أسابيع.
ولهذا العلاج آثارًا جانبية غير مريحة تشتمل على: الإسهال والتوعك والغثيان والإرهاق . ألسنة المجتمع اشد فتكاً أما رئيس وحدة الصحة النفسية والاجتماعية في مجمع الشفاء الطبي ، د. “فتحي مكي”، فيرى أن نظرة المجتمع للمصاب بالإيدز مازالت نظرة خاطئة وسلبية، كما في جميع البلدان العربية . وقال مكي : إن مريض الايدز يمر بمراحل نفسية عدة ، تبدأ بمرحلة “الإنكار” والصدمة، وهي أن ينكر المريض إصابته وعدم تصديقه للتشخيص وللطبيب المعالج له بل وحتى لأقاربه.
ويضيف: ينتقل بعد ذلك إلى مرحلة “التقبل” وهي مرحلة الاستسلام الكامل لفكرة إصابته بالمرض، وسبب تقبله للوضع الجديد هو أمله في العلاج وتخفيف الضرر الذي لحق به . وشرح مكي أبرز الأحداث النفسية المضطربة التي يمر بها المصاب بالإيدز، حيث قال إن المريض يشعر بالغضب بسرعة رهيبة من أي موقف، ويختفي عن الأنظار لفترات طويلة ، ويبدأ يلوم ذاته طوال ساعات اليوم ، بينما أهم هاجس يمر به المريض هو إحساسه بالعار تجاه نفسه ومستقبله وأسرته والمجتمع، لأنه يعرف بأن البيئة المحيطة به لن ترحمه مهما برر موقفه، لأنه من وجهة نظرهم صاحب فضيحة كبرى. ويكمل: أصعب حاله يمر بها المصاب هي خوفه من اقتراب نهايته، خصوصا أصحاب الفئات العمرية الشابة، حيث يصبح المريض في حالة هيستيرية سيئة، قد يقدم من خلالها على الانتحار، وهذا أسوأ سيناريو لنهاية مسلسل الإيدز”.
ورد د. مكي على تساؤل مهم ، وهو كيفية دمج المصاب بالايدز بمجتمعه وتقبل مجتمعه له ، حيث قال: لا بد من حملات ارشادية وتوعوية لكل اطياف المجتمع لشرح المرض وكيفية انتقاله ،ولا بد أن ننهي مفهوم ربط الإيدز فقط بممارسة الجنس بطريقة غير شرعية كما يظن معظم الناس”.
وطالب مكي بضرورة عقد ورشات عمل للمصابين بالمرض تحثهم من خلالها على تقبل هذا الوضع والتكيف معه، وشرح أهمية استمرارية العلاج دون توقف وإبعادهم عن الانطوائية والقلق والتفكير بالنهاية وإبادة فكرة الانتحار عنهم. ومن الجدير ذكره، فإن ما يسمي متلازمة نقص المناعة المكتسبة والمعروف اختصارا باسم “ايدز” “AIDS” هو مرض يصيب الجهاز المناعي البشري ويسببه فيروس نقص المناعة البشرية فيروس أتش أي في(HIV) .
ولكن هذا لا يمنع من انتشار المفاهيم “الخاطئة” التي يتداولها العامة ، وهي أن نقل المرض يتم “فقط” عبر الجنس غير الشرعي أو الشذوذ الجنسي ، وما يدحض هذا التصور الخاطئ أن هناك أشخاصا مصابون بالمرض رغم أنهم متزوجون بشرع الله.
ومن المفاهيم الخاطئة أيضا، وهو ما يقال أن مصاب الايدز لابد أن يختلي بنفسه وان لا يخرج من غرفته بتاتا، لان المرض ينتقل عبر السلام أو القبلات أو استخدام مقعد المرحاض بعد المريض وهذا محض افتراء.
و يعتبر العالم العربي ثاني أسرع المناطق في العالم ارتفعت بها معدلات انتشار المرض، أما في باقي المناطق فقد وصل عدد المستفيدين من توافر علاجات فيروس الإيدز إلى 15 مليون شخص ، فيما انخفضت أعداد المصابين الجدد بنسبة 35% منذ عام 2000، وانخفضت أعداد الوفيات المرتبطة بالإيدز بنسبة 42% منذ أن بلغت ذروتها في العام 2004.
وحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة ووكالة “اليونيسيف”، وبرنامج الأمم المتحدة ، فإنه على الصعيد العالمي هناك حوالي 37 مليون شخص يعانون من فيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز” بما في ذلك 2.6 مليون طفل. وخلال عام 2014 فقط ، أصيب بالمرض 2 مليون شخص ، و توفي 34 مليون مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز”، بما في ذلك 1.2 مليون في عام 2014.
و تضاعف عدد وفيات المراهقين من الإيدز ثلاث مرات على مدى السنوات الـ 15 الماضية. فيما يعتبر الإيدز هو السبب الأول للوفاة بين المراهقين في إفريقيا والثاني بين المراهقين عالمياً. و مع بداية عام 2015 فإن ، 15 مليون شخص يتلقون العلاج المضاد للفيروسات مقارنة مع مليون شخص فقط في عام 2001.