لايزال فيروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”، أحد الأمراض التي يُعتبر مجرد ذكر اسمها، يُصيب سامعها بالخوف، نظرًا لارتباطه بعدة عوامل لربما جزء منها غير واقعي، وليس موجوداً، لا سيما وأن السيطرة على المرض أصبحت مرتفعة، مقارنة بالأعوام الماضية، ومقارنة بالأمراض الفيروسية الأخرى.
وأثناء، إعداد هذا التقرير، تبين أن هذا الملف يَحُدّه الكثير من السرية، بسبب نظرة المجتمع للمصاب بالمرض تارة، وبسبب رفض بعض المصابين عرض أنفسهم على الدوائر الوبائية المُختصة للعلاج.
حالات مُصابة بالإيدز.. كيف انتقل إليها الفيروس؟
وبعيدًا عن كل ذلك، فقد أكد طبيب مُعالج، أن أحد المرضى، وهو عامل، كان ذاهبًا إلى أحد البيوت في تل أبيب، لمرة واحدة، وانتقل له المرض، حيث تبين أن هنالك بعض الأماكن في إسرائيل، تعتبر مصدراً لهذا المرض، فقد أقام هذا الشاب علاقة كاملة مع إحدى الفتيات هنالك، وكانت تحمل المرض، وانتقل إليه بعد ذلك.
وعلاوة على ذلك، فقد قال أحد الأطباء: إنه في بعض الشوارع بإسرائيل، يتم إغراء الشباب العرب، من أجل قضاء ليلة مع فتيات الليل هنالك، واللواتي غالبًا، ما يكُن مصابات بالإيدز، أو أمراض جنسية أخرى.
وذكر طبيب آخر، أن أحد الشبان، والده كان مُصابًا بالإيدز، وأنجب أطفالاً كُثُر، عدد قليل منهم كان مُصابًا بالمرض، موضحًا أن والده عاش عيشة طويلة، وتوفي بعمر 68 عامًا، كأي موتة عادية، ولم يكن الإيدز السبب في الوفاة.
أيضًا، قال أحد الأطباء، إن هنالك أحد المرضى، مصاب بالإيدز، منذ العام 1993، ولا يزال حي يُرزق إلى اليوم، أي يعني أنه طوال 26 عامًا حافظ على حياته، واتبع الإجراءات اللازمة للبقاء على قيد الحياة، وتزوج وأنجب أطفالًا.
حالة أخرى، أصيبت بالإيدز، توفت قبل شهر تقريبًا، عن عمر ناهز 80 عامًا، وحامل للفيروس من 25 عامًا، ويُعالج منذ 15 عاماً، وهذه الحالة توفت نتيجة أمراض أخرى، لم يكن الإيدز سببها الرئيس.
شاب آخر، تم اكتشاف حالته العام الماضي، كان قادمًا من إحدى الدول، وانتقل إليه المرض عبر إقامة علاقة جنسية.
الشذوذ والعلاقات الجنسية المُسبب الأول
وللحديث أكثر عن واقع المرض في فلسطين، وعن آخر الإحصائيات التي تم رصدها، استضفنا الدكتور ضياء حجيجة، مدير دائرة الطب الوقائي في وزارة الصحة الفلسطينية، الذي أكد أن فيروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”، لا يزال موجودًا في فلسطين، وأول حالة تم تسجيلها كان في العام 1988، لافتًا إلى أنه سنوياً ما يزال يُسجل حالات، ويتم اكتشاف مصابين بالمرض، لكن رغم ذلك، تعتبر فلسطين من أقل الدول التي يُسجل فيها حالات، مقارنة بدول الجوار، وإسرائيل.
وأوضح حجيجة، أن للمرض طرق انتقال كأي مرض آخر مُعدٍ، ووزارة الصحة تعمل جاهدة للحد من انتشاره، وحاليًا بفلسطين يتوفر للمرض علاج، يستطيع المريض أن يتناوله وفق خطوات موضوعة له من قبل وزارة الصحة، ومنظمة الصحة العالمية.
وأضاف، أنه سنويًا يتم تسجيل 3- 5 حالات مصابة بالإيدز، فيما العام الماضي 2018، سُجل به 4 حالات فقط، وهذا العدد يؤكد أن المرض مُسيطر عليه، ولكن عوامل انتقال المرض مُقتصرة حاليًا، على عدة نقاط، أهمها العلاقات الجنسية المُتعددة، سواءً الشذوذ الجنسي، أو تعدد قرناء المريض، أو من خلال نقل الفيروس من الأم للطفل، أو تعاطي المخدرات.
وأوضح، أن نقل الفيروس، عبر الدم، أصبح نادر جدًا، لأن بنوك الدم تفحص بشكل دوري الدم، قبل نقله لأي شخص آخر.
وعن أعداد الحالات رسمياً، قال حجيجة: إن الإحصائية تبدأ من العام 1988، ولغالية اليوم، ويبلغ عددها 102 حالة مُسجلة لدى وزارة الصحة الفلسطينية.
وذكر أن الـ 102 حالة، الأحياء عددهم 39 حالة، والمتوفون يبلغ عددهم 55 شخصًا، والذين هاجروا خارج الوطن 8 حالات، ولا يُعرف مصيرهم، ما إذا كانوا على قيد الحياة أم لا، وجاءت أغلب الإصابات بسبب العلاقات الجنسية.
وجاء التوزيع الجغرافي للحالات وفق المحافظات الفلسطينية كالتالي:
قطاع غزة، سُجل به 39 حالة، من أصل 102، منذ العام 1988، وفي القدس 6 حالات، وطولكرم 3 حالات، وجنين 3، فيما نابلس سُجل فيها 11 حالة.
وعن مدينة رام الله، فقد تم اكتشاف 17 حالة، وبيت لحم 10، والخليل 9 حالات، كما أكد حجيجة، أنه سُجل في أريحا 3 حالات، وفي قلقيلية حالة واحدة، وسلفيت لم يُسجل بها حالات.
وفي توزيع الحالات على الأعوام الستة الماضية، قال الدكتور حجيجة: إن العام 2018، سجل 4 حالات، ومثلهم في 2017، بينما في العام 2016، تم رصد 7 حالات، وفي 2015، 3 حالات، وفي العام 2014 حالتين، وفي 2013، 5 حالات.
وفرق مدير دائرة الطب الوقائي بوزارة الصحة، بين مصطلحي “حامل الفيروس”، و”مريض الإيدز”، فقال: إن المصطلح الأول يعني أنه قد يكون هذا الشخص حاملًا للفيروس، ولكن ليس عنده أعراض المرض، فيما مريض الإيدز هو المصاب الذي يعاني من أعراض مرضية مرتبطة بالإيدز، أو الذي يتلقى العلاج من مرض الإيدز في مؤسسة صحية للعلاج.
زواج مصاب الإيدز وانجاب الأم
وعن زواج مريض الإيدز، قال ضياء حجيجة: إن هنالك قصصاً ناجحة للزواج، ولا يشُوبها أي شائبة، بالعكس كان الزواج هادئاً، ولم يعلم بالمرض سوى الطرفين والأطباء المُعالجين، بل تم إنجاب أطفال “ساليمن” جراء هذا الزواج، مستدركًا: “لكن حتى يتم ذلك لا بد من اتباع عدة إرشادات”.
وأوضح، أنه يُفضل أن يتزوج حامل المرض من أنثى تحمل المرض، لأن كلا الطرفين سيكونا حريصين كل الحرص على بعضهمها، وهنا إمكانية حدوث حمل ممكنة، رغم التكلفة المالية، متابعًا: “لكن في حال تزوج حامل المرض من أنثى سليمة، فستزيد أعداد حالات الإصابة بالايدز”.
واعتبر حجيجة، أن المرض أخطر ما فيه هو الصدمة النفسية والعصبية، التي قد تحدث عند إعلام الشخص بأنه أصبح مصابًا بالايدز، وهذا يتطلب من أطباء المرض أن يكونوا حريصين على إبلاغ المريض بالمرض، دون إخافته، وإنما لا بد من التهيئة النفسية قبل إبلاغ المريض بإصابته، لا سيما وأنه يمكن للمصاب أن يعيش حياة طويلة، ويتم السيطرة على المرض.
وعن إمكانية تمييز شكل المُصاب بالايدز، عن أي شخص آخر، شدد الدكتور حجيجة، أنه لا يمكن لأي أحد أن يُميز مصاب الإيدز، فمثله كأي إنسان طبيعي، غير مريض، وإنما فقط يمكن لطبيب ما، أن يشُك ببعض فحوصات المريض، أو الأعراض التي قد تظهر، ويعلم بأنه مصاب بالإيدز، ولكن وزارة الصحة وأطباءها، دائمًا يتحلون بالسرية التامة، عند اكتشاف هكذا أمراض.
وحول أعمار الحالات المُصابة بالايدز، ولا يزالون يتعالجون إلى اليوم، أشار حجيجة، إلى أن هنالك شبانًا، وكذلك هنالك أعمار تجاوزت الخمسين والستين، إضافة لأطفال حملوا المرض من أحد الوالدين، داعيًا في ختام حديثه، لضرورة، العمل على اعادة تعريف المواطنين بالمرض، حتى يتجنبوا الإصابة به، ويتم تكوين جدار واقٍ في المجتمع للقضاء على الأمراض الفيروسية، وأولها الإيدز.