بسبب الدعم اللامحدود من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاحتلال الإسرائيلي؛ افتتح السفير الأمريكي لدى “إسرائيل” ديفيد فريدمان والمبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، الأحد، نفقا جنوب المسجد الأقصى في مدينة القدس المحتلة.
وتأتي هذه الخطوة الأمريكية العلنية، للتأكيد على “سيادة إسرائيل” على مدينة القدس، وهي المرة الأولى التي يفتتح فيها نفقا استيطانيا عبر البث المباشر وعلى الملأ، وكذلك باختيار التوقيت “المناسب” بعد مؤتمر البحرين الاقتصادي، في سبيل تعزيز الإجراءات الإسرائيلي في مدينة القدس.
ويصل النفق الذي تم افتتاحه، بين بركة سلوان التاريخية وأسفل المسجد الأقصى وباحة حائط البراق (الحائط الغربي للمسجد)، وهو جزء من خطة تسمى “شلم”، أقرتها حكومة الاحتلال “لتعزيز وجودها في منطقة المسجد الأقصى والبلدة القديمة في القدس”، من خلال تنفيذ عشرات المشاريع السياحية والحفريات الأثرية في سلوان والبلدة القديمة؛ بهدف محو هوية القدس وتهويدها.
تاريخيا، تعود أول حفرية تمت في القدس إلى ما قبل الاحتلال أي في سنة 1863م من قبل بعثة فرنسية برئاسة عالم الآثار (ديسولسي) الذي اكتشف مقابر الملوك خارج بلدة القدس القديمة، وزعم أنها ترجع إلى عصر الملك داوود. مدعيا وجود مخطط باللغة الآرامية نقله ديسولسي إلى متحف اللوفر في باريس. إضافة إلى الحفريات التي قامت بها بعثة بريطانية باسم الصندوق البريطاني سنة (١٨٦٧-١٨٧٠) لاكتشاف آثار فلسطين برئاسة المهندس الكولونيل (تشارلز وارين)، وكان هدفه منصباً على منطقة المسجد الأقصى.
أما في عهد الاحتلال البريطاني لفلسطين؛ تأسست بعض معاهد الآثار، وكان أولها (المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية) برئاسة (أولبرايت) ثم جاء (الصندوق البريطاني لاكتشاف آثار فلسطين)، وتمت أهم حفرياتها الأثرية خلال الفترة (١٩٢٣-١٩٢٨) في مناطق ملاصقة لبلدة القدس القديمة، وحول ما تم كشفه أصبح هدفهم ينصب في الوصول إلى مفاهيم أفضل حول تاريخ القدس.
وبعد احتلال العصابات الصهيونية لـ78% من أرض فلسطين عام 1948؛ دخلت مدينة القدس تحت الإدارة الأردنية لعدم تمكن تلك العصابات من احتلالها، فجاءت عالمة الآثار البريطانية (كاثلين كنيون) وترأست المدرسة البريطانية للآثار ومارست عملها في بلدة القدس، وبعد الاكتشافات التي حصلت عليها، نقضت عدداً من الأفكار والمعتقدات التي نشرت سابقا من قبل عدد من العلماء في كتابها الذي نشرته في عام ١٩٦٧ بعنوان (القدس/ حفريات ٣٠٠٠ سنة)، كما أنها لم تقدم شيئاً يدعم الإسرائيليين في دراستهم لآثار المنطقة.
إلا أن كل الحفريات التي سبقت عام 1967 كانت تهدف لكشف آثار المدينة، والبحث عن معالمها وتاريخها، ولكن التحول الذي حدث بعد الاحتلال الإسرائيلي للمدينة وتنفيذه للعديد من الحفريات، وإقامة أنفاق أسفل المسجد الأقصى؛ كان بهدف الوصول إلى مكان الهيكل المزعوم وذلك وفقا للرواية التوراتية، رغم إدعاء علماء الآثـار الإسرائيليين بأن مهمتهم علمية بحتة وأنهم يريدون اكتشاف التاريخ فقط.
إضافة إلى ما بينته المسؤولة عن الحفريات جنوبي المسجد الأقصى الإسرائيلية إيلات مازار، فإن هناك تقليداً بأن مكـان الهيكل هو في تلك المنطقة ولم تزد على ذلك، كما أنها قالت: لا أحـد يعرف المكان الذي كان عليه الهيكل بالتحديد.
وفي أعقاب احتلال مدينة القدس بتاريخ 7/6/1967 بأربعة أيام؛ شرعت الجرافات الإسرائيلية بهدم المباني في الحي الإسلامي والمباني في ساحة حائط البراق وحارة المغاربة من أجل البدء فـي حفريـات حـول وأسفل المسجد الأقصى.
وقال الخبير في شؤون مدينة القدس، د. جمال عمرو، إن النفق الذي تم افتتاحه مؤخرا هو الحفرية رقم 57 في باطن القدس ومحيط المسجد الأقصى. موضحا أن هذا النفق تم بدء العمل فيه عام 2010، وهو مكان قناة القدس المائية اليبوسية والتي يتجاوز عمرها الـ3 آلاف عام، حيث قام الاحتلال بتدميرها، وحفر نفق ضخم يعد أكبر نفق استيطاني يمتد من عين سلوان إلى القصور الأموية وصولا إلى حائط البراق، ويتداخل مع شبكة أنفاق تلتقي في هذا الحائط وتفرعاتها غربا وشمالا، مشيرا إلى أن النفق الشمالي هو الذي تم اكتشافه عام 1996 وعلى إثره حصلت هبة البراق.
وأشار عمرو لـ”الحدث”، أن هناك شبكة أنفاق يطلق عليها الاحتلال شبكة “عين ديفيد” أي مدينة داود،و تحتوي على أنفاق مكتشفه وأخرى سرية تمتد إلى داخل المسجد الأقصى. وأكد على أن مدينة القدس تشهد دمارا شاملا سواء تحت الأرض عبر الحفريات أو فوقها عبر التهجير الممنهج لبعض العائلات ومصادرة شققهم السكنية.
وبين أن الاحتلال تمكن من تقليص قوة الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى، والآن لا يستطيع أي موظف فعل شيء دون العودة للحارس الإسرائيلي.
أبرز الحفريات التي نفذها الاحتلال منذ عام 1967:
حفريات جنوب المسجد الأقصى المبارك: بدأ الاحتلال بالعمل فيها أواخر سنة ١٩٦٧ على امتداد 70 متراً أسفل الحائط الجنوبي للمسجد الأقصى، أي خلف الأقصى ومسجد النساء والمتحف الإسلامي والمئذنة الفخرية. وقد وصل عمق هذه الحفريات إلى (١٤مترا)، وتكمن مخاطر هذه الحفريات في تصدع الجدار الجنوبي ومبنى المسجد الأقصى المبارك الملاصق له. وقد مولت الجامعة العبرية هذه الحفريات التي ترأس فريقها البروفيسور بنيامين مزار ومساعده مئير بن دوف.
حفريات جنوب غرب الأقصى المبارك: تعود هذه الحفريات إلى سنة ١٩٦٩وهي على امتداد 80 متراً مبتدئة من حيث انتهت الحفريات الجنوبية الأولى، ومتجهة شمالاً حتى باب المغاربة وتمر تحت مجموعة من الأبنية الإسلامية التابعة للزاوية الفخرية وعددها 14 مبنى، وبسبب التصدع الذي حصل عليها قامت “السلطات الإسرائيلية” بإجلاء سكانها.
حفريات جنوب شرق الأقصى المبارك: استمرت هذه الحفريات عاما كاملا من سنة 1973- 1974، وامتدت على طول ثمانين متراً للشرق مخترقة الحائط الجنوبي للحرم القدسي ودخلت إلى الأروقة السفلية للمسجد الأقصى في أربعة مواقع هي: أسفل محراب المسجد الأقصى المبارك وبطول (٢٠م) إلى الداخل، وأسفل جامع عمر (الجناح الجنوبي الشرقي للمسجد الأقصى)، وأسفل الأبواب الثلاثة للأروقة الواقعة أسفل المسجد الأقصى المبارك، وأسفل الأروقة الجنوبية الشرقية للمسجد الأقصى المبارك. وقد وصلت أعماق هذه الحفريات إلى أكثر من (١٣م)، حيث عرضت هذه الحفريات جدار الأقصى المبارك الجنوبي إلى خطر التصدع والانهيار.
حفريات النفق الغربي: تعد هذه الحفريات هي الأكبر حيث تتصل مع الأنفاق الأخرى، وعلى إثرها حدثت هبة النفق عام 1996، حيث بدأت الحفريات فيها سنة ١٩٧٠ وتوقفت سنة ١٩٧٤ ثم استؤنفت ثانية سنة ١٩٧٥ واستمرت حتى أواخر عام ١٩٨٨ رغم قرارات اليونسكو، وامتد النفق من أسفل المحكمة الشرعية (وهي من أقدم الأبنية التاريخية في القدس) ومر أسفل خمسة أبواب من أبواب الحرم الشريف هي: باب السلسلة، وباب المطهرة، وباب القطانين، وباب الحديد، وباب علاء الدين البصيري (المسمى باب المجلس الإسلامي)، ومر كذلك تحت مجموعة من الأبنية التاريخية الدينية والحضارية ومنها أربعة مساجد، ومئذنة قايتباي الأثرية، وسوق القطانين، بعمق يتراوح بين (١١-١٤م) تحت منسوب الأرض وطول حوالي (٤٥٠م) وارتفاع ٥٠ متراً.
وقامت قوات الاحتلال في 1988 بحفر فتحة رأسية ليدخلوا منها إلى القناة الرومانية وإلى النفق، ولكن تصدى لهم المواطنون في القدس ومنعوهم من الاستمرار، فاضطرت السلطات الإسرائيلية إلى إقفال الفتحة وإعادة الوضع السابق، وكان الهدف من تنفيذ هذه الفتحة هو تهوية القناة والنفق من جهة ثانية غير المدخل، وإنشاء نقطة حراسة إسرائيلية جديدة، والوصول إلى البرك الرومانية بسهولة. وفي عهد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عام 1996 نجح “الإسرائيليون” بفتح باب آخر للنفق، مما دفع الفلسطينيين للتصدي، وانطلقت هبة النفق التي ارتقى فيها 84 شهيدا.
وعلى الرغم من هذه الحفريات، إلا أن الاحتلال استمر في القيام بأعمال الحفر والتهويد، وصولا إلى ما تم افتتاحه مؤخرا، كما ويعمل الاحتلال على بناء جسر جوي ” تلفريك” يستطيع نقل 3000 يهودي إلى حائط البراق، وذلك بحجة نقل الحجاج اليهود إلى الحائط وتسهيل مهام الاقتحامات إلى المسجد الأقصى.