نجيب فراج -تنطق عيون الوزير زياد البندك رئيس اللجنة الرئاسية لترميم كنيسة المهد بالفرح والانتشاء والفخر بما حقق من انجازات على هذا الصعيد قبل ان يبوح فمه ولسانه باسرار وتفاصيل هذا الانجاز الذي يصفه بانه نصر من نوع اخر لتحافظ الكنيسة على كيانها ووجودها خمسة قرون قادمة على الاقل.
بداية الفكرة
ويعتبر الوزير البندك ان ترميم كنيسة المهد لم تبدا منذ عشر سنوات او تسع وانما حين جرى التفكير بذلك في العام 1999 عشية التخطيط للاحتفال بالالفية الثانية لميلاد السيد المسيح له المجد فطرح الوزير نبيل قسيس وزير مشروع بيت لحم 2000 الفكرة على الرئيس ياسر عرفات الذي بدوره اوعز بالحديث مع رؤساء الكنائس الثلاثة المشرفة على الكنيسة لترميمها واستقبلت الفكر بترحاب كبير رغم عدم وجود اتفاق بين رؤساء الكنائس الثلاثة لاسباب مختلفة رغم ما بذله الدكتور قسيس والمرحوم الدكتور اميل جرجوعي من جهد في ذلك الوقت، صحيح ان الفكرة لم تنفذ ولكنها في ذات الوقت لم توؤد وبقيت تقفز في الفكر والعقل والوجدان بين حين واخر الى قدوم فصل الشتاء في عام 2008 وقد تسربت امطار كثيرة من السقف الى داخل الكنيسة وبدا القلق يساور الناس والمسؤولين وما كان امامنا الا ان نطرح الفكرة على الرئيس ابو مازن الذي زار الكنيسة في اعياد الميلاد واستمع مباشرة الى ذلك القلق وشاهد بام عينه ما تحتاجه الكنيسة من اعمال ترميم بناء عليه تم الاجتماع مع رؤساء الكنائس الثلاثة في مقر المقاطعة في شهر تموز من عام 2008 وابلغوه بعدم وجود اتفاق فيما بينهم ومع ذلك ابلغوه انهم سوف يباركون ما تقرره دولة فلسطين صاحبة السيادة على الارض التي تنتصب عليها هذه الكنيسة، فاصدر الرئيس مرسوما تضمن تشكيل لجنة رئاسية لترميم الكنيسة من عدد من الشخصيات المهنية والاعتبارية وانشاء صندوق للترميم بداته السلطة الفلسطينية بالتبرع بمليون دولار وقد بدات اللجنة بعملها لمعرفة اولا وضع الكنيسة ، فطرح عطاء دولي اشترك فيه 13 مكتبا هندسيا غالبيتهم اجانب وبعد 13 شهرا تسلمت اللجنة التقرير المكون من الف صفحة والذي خلص الى ان وضع الكنيسة ليس خطير جدا ، لكن من الضرورة إجراء الترميم، حيث يوجد مناطق غير منظورة قد يكون فيها واقع سيئ أكثر مما يظهر، فتحدث انهيارات معينة، في أماكن معينة، وأوصى التقرير، الذي أعده 11 أخصائيا وخبيرا دوليًا وفلسطينيًا، بترميم السقف، والخشب والشبابيك العلوية وعددها 48 شباكا، كنوع من عملية إنقاذ سريعة”.
عملية الترميم الاهم
وتعتبر عملية الترميم بين عمليات الترميم الهامة لهذا الموقع المقدس والاثري في قلب مدينة بيت لحم والتي تعتبر عاصمة العالم المسيحي،ومكان ميلاد المسيحية
وقال الوزير زياد البندك ان اعمال الترميم بدأت في العام 2009 وقد جرى تجنيد كافة الامكانيات من اجل الشروع بهذه العملية الدقيقة والحساسة وكان القرار من قبل الرئيس محمود عباس وباشرافه بمثابة البدء في البحث عما يخفيه الدهر من مقتنيات واثار مهمة تدل على قيمة وعظمة هذا المكان ولربما معجزته، وقد بدأت عمليات الترميم بتجميع الدراسات والابحاث المهمة تمهيدا للعمل على المباشرة في التنفيذ الذي تم بعد اربعة اعوام وبالتحديد عام 2013.
واستهدفت عملية الترميم بالتعاون والتنسيق مع الطوائف المسيحية الثلاث المشاركة بالاشراف على هذه الكنيسة وهي الروم الارثوذكس واللاتين الكاثوليك والارمن الارثوذكس سقف الكنيسة الذي اصابه العديد من التصدعات اثر عوامل الزمن الطويل وكذلك معالجة واجهات الكنيسة الكاملة والخشب داخلها والفسيفساء العليا وفسيفساء الكنيسة الاولى.
دراسات علمية مهنية
وقال البندك “انه عند الشروع بترميم مكان مقدس وتاريخي مثل كنيسة المهد التي بنيت في القرن السادس للميلاد بعد هدمها من قبل الفرس فلا بد من تجنيد كل الطاقات لاجلها واجريت الدراسات العلمية وبعد ذلك بدات عملية الترميم بعد اربع سنوات أي في العام 2013 وذلك تحت رعاية الرئيس ابو مازن ودعم حقيقي من الخزينة الفلسطينية اذ ان عملية الترميم كلفت حتى الان نحو 15 مليون دولار امريكي دفعت السلطة الفلسطينية خمسة ملايين من خزينتها فيما دفع رجال اعمال من القطاع الخاص الفلسطيني مليونان بينما البقية من عدد من الدول المانحة مشيرا الى ان الافتتاح لهذا الترميم واعلان الانتهاء منه سيكون في شهر حزيران القادم بعد الانتهاء من عيد القيامة وتزامنا مع احتفالية بيت لحم عاصة للثقافة العربية وسيكون الاحتفال كبيرا وبرعاية الرئيس وحضور العديد من زعماء العالم وممثلي الدول المختلفة وخاصة تلك التي شاركت في عملية الترميم التي طالت ترميم سقف الكنيسة والواجهات الكاملة والخشب والفسيفساء العليا وفسيفساء الكنيسة الاولى.
ما كشفته عمليات الترميم
وكشفت أعمال الترميم عن رسومات جديدة على أعمدة الكنيسة، كانت قد اختفت عنها لأسباب مختلفة وافيد “إن هناك أربعة وأربعين عموداً مقسّمة لأربعة صفوف على جهتي ممر الكنيسة، وقد وُجدت الرسومات الجديدة على بعضها، وهي تعود للقرن السادس ، أما طبيعتها فهي تحمل طابع الرسومات الدينية وهي مشابهة للرسومات التي وجدت في الفسيفساء على الجدران .” مع الزمن تعرضت هذه الأعمدة لدخان البخور والنيران وبالتالي أصبحت جميعها سوداء ، بعد ترميم الكنيسة تم تنظيف الأعمدة وبالتالي انكشفت هذه الرسومات ، عادة في هذه الفترة كان الفنان الذي يرسم أو يعمل الفسيفساء يضع اسمه أو توقيعه الذي يكون مكون من أحرف من اسمه وهذه جميعها معروفة وموجودة في الوثائق الأثرية ومن الممكن أن يتم مشاهدة رسومات للملاك المجنح أو للعذراء مريم وتكون حاملة لتوقيع الفنان الذي قام برسمها .” وقد تم الكشف عن فسيفساء في الجناحين الشمالي والجنوبي ومؤخرا تم الكشف عن الرسومات على الأعمدة.
من أهم المفاجآت التي كشف عنها الترميم رسومات الغرافيتي على الأعمدة الحمراء في صحن الكنيسة، وهي من الحجارة الحمراء المحلية، التي استخرجت من محاجر إصليب، الجبل الذي أقيمت عليه لاحقا مستوطنة جيلو.
الاعمدة ورسوماتها
على هذه الأعمدة رسومات بالفريسكو لقديسين مشرقيين، ولكن في فترة حروب الفرنجة اختلف الأمر. يقول البندك: “وضع قادة حملات الفرنجة المحتلين، شعارات عسكرية إضافة إلى تواقيعهم، على الأعمدة، حتى أصبح لدى زوار الكنيسة، من مختلف الجنسيات، عادة الكتابة على الأعمدة بلغات مختلفة كالعربية واليونانية، عندما بدأ المقاول بتنظيف العمدان، عثر على الغرافيتي، وسألنا إذا أردنا تركها كما هيأو إزالتها، تباحثت اللجنة الرئاسية في الموضوع، واستأنست بآراء المختصين، الدكتور نظمي الجعبة والدكتورة خلود دعيبس، واتخذت اللجنة قرارا بناء على توصيتهما بان هذا الغرافيتي جزء من تاريخ الكنيسة، فطلبنا من المقاول الإبقاء على هذا الغرافيتي، علما بأنه في كتب المؤرخين الفرنسيين يوجد رسوم لبعض هذا الغرافيتي، دون ذكر أصحابها، ولكنها اختفت نتيجة الأوساخ والغبار وعوامل الزمن”.
الوزير البندك وسيرته
اصبح الوزير البندك رجلا معروفا في الكنيسة ومحيطها اكثر من السابق حيث هو ابن المدينة ابا عن جد ووالده صاحب منجرة عريقة في وسط المدينة وسبق وان تبوأ البندك مناصب مهمة من بينها نائبا لرئيس بلدية بيت لحم وبعد ذلك وزيرا للسياحة وقبل ذلك مناضلا وقياديا في حزب الشعب الفلسطيني ويقول عنه الكثير من معارفه انه رجل شعبي ومتواضع ويقيم علاقات بسيطة مع الجميع، ويتواجد يوميا في ساحة المهد وداخل الكنيسة ومحيطها ويتجول في جنباتها ويدخل على العمال الذين يشاركون في عمليات الترميم ويستمع الى تفاصيل التفاصيل، وعندما اجريت المقابلة معه ادخلنا الى مشغل صغير فيه مهندس ايطالي ومهندسين فلسطينيين يعملون على ترميم جرن المعمودية الصغير الذي اكتشفته عمليات الترميم وكان دائم الاطمئنان على هذا الاكتشاف الذي يعتبره كنزا اثريا كبيرا وقد ازال البندك كل عوامل التكليف معهم ليطمئن على احوالهم ويمازحهم ويطرح عليهم النكات.
عن كنيسة المهد
كنيسة المهد تعتبر من أقدم الكنائس في العالم و بنيت فوق المغارة التي ولد فيها المسيح تحت سطح ارض الكنيسة. شيد البناء الأصلي للكنيسة الملكة هيلانة والدة الامبراطور قسطنطين في القرن الرابع ميلادي، وقام الإمبراطور جوستينيان بإعادة بنائها بشكلها الحالي في عام 540 بعد أن هدمها السامريون، وأقام لها ثلاث حنيات على شكل صليب. يبلغ عدد الأعمدة في ساحة الكنيسة (44) عامودا من الحجر الوردي. مستوى أرض الكنيسة منخفض 60سم عن الأرضية الحالية، ويقع فوق المغارة مبنى مثمن الشكل يبلغ طول كل ضلع 7,9سم، وعلى جانبيه غرفتان مستطيلتان احداهما تستخدم دياكنيون والأخرى لمائدة المذبح. ويقع المذبح الرئيسي حيث يقيم الروم الأرثوذكس احتفالاتهم الدينية. هناك بقايا رسوم الفسيفساء البارزة على جدران صحن الكنيسة التي هي عبارة عن رسم شجرة الحياة لأجداد المسيح. هذا وتم تصغير مدخل باب الكنيسة في القرن العاشر لمنع دخول الجياد والحيوانات إلى داخلها.
ولكن وحسب البندك ان الاكتشاف الاهم الذي جاء نتيجة لاعمال الترميم الجارية على قدم وساق هو جرن المعمودية للصغار والذي عثر عليه قبل عدة ايام في قلب الكنيسة وموجود منذ نشاتها