استبعد خبراء اقتصاديون، أن تؤثر التداعيات الاقتصادية السلبية لأزمة مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) على قدرة مصر على تسديد ديونها الخارجية خلال العام الجاري، مؤكدين أن القاهرة لم تتخلف يوما عن تسديد أي قسط من أقساط الديون.
وتتجاوز خدمة الدين الخارجى متوسط وطويل الأجل المقرر الوفاء بها من قبل الحكومة المصرية خلال العام 2020 نحو 18.6 مليار دولار.
وتعرف خدمة الدين بأنها إجمالى الأقساط والفوائد التي تتحملها الدولة خلال فترة زمنية ما.
ويبلغ إجمالي الدين الخارجي للبلاد 108.7 مليار دولار في نهاية يونيو الماضي، حسب البنك المركزي المصري، بما يعادل 36% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقبل أيام، دعت وزيرة التعاون الدولي المصرية رانيا المشاط إلى تخفيف عبء الديون عن الدول الناشئة، وذلك خلال اجتماع مجموعة الـ 24 الدولية، الذي ناقش مواجهة أزمة انتشار فيروس كورونا الجديد.
وشاركت المشاط بصفتها محافظ مصر لدى البنك الدولي في الاجتماع الذي عقد عبر تقنية الفيديو كونفرانس، ضمن فاعليات “اجتماعات الربيع” للبنك وصندوق النقد الدوليين، بحضور كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد، ومارى بانجيستو المدير التنفيذى لسياسات التنمية والشراكات بالبنك الدولى ممثلة عن ديفيد مالباس رئيس البنك.
وقبل هذه الخطوة، تقدم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال اجتماع عقده القادة الأفارقة أعضاء هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي لمواجهة تداعيات أزمة فيروس كورونا الجديد، بمبادرة موجهة لدول مجموعة العشرين لدراسة تخفيف أعباء الديون المستحقة على الدول الأفريقية، سواء بإعادة الجدولة أو التأجيل أو الإعفاء، وذلك بالتنسيق مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية.
وسجلت مصر حتى اليوم 337 حالة وفاة، و4782 إصابة بفيروس كورونا الجديد.
وفي هذا الصدد، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور كريم العمدة أن مصر لن تتعثر في تسديد ديونها الخارجية، على الرغم من أزمة فيروس كورونا الجديد.
وقال العمدة، وهو أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة بني سويف، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن مصر خلال السنوات التي تلت ثورة 25 يناير 2011 تعرضت لأزمة اقتصادية كبيرة بسبب توقف الاقتصاد بشكل شبه كامل وانخفاض الاحتياطي النقدي، لكنها مع ذلك لم تتخلف أبدا عن سداد أي قسط من أقساط الدين.
وأضاف أن الاقتصاد المصري “صامد أمام أزمة كورونا”، ولفت إلى أن مصر تملك احتياطي نقدي يبلغ 40 مليار دولار، وبالتالي تستطيع تسديد أقساط الدين الخارجي.
وفي مطلع أبريل الجاري، أعلن البنك المركزي المصري انخفاض الاحتياطي النقدي لديه إلى 40 مليار دولار في نهاية مارس الماضي، مقارنة بنحو 45.5 مليار في فبراير الفائت، وذلك بفعل أزمة فيروس كورونا الجديد.
واستخدم الفارق بين الرصيدين في عدة أوجه من بينها سداد الالتزامات الخاصة بالديون الخارجية للدولة، حسب البنك.
ويعد هذا الانخفاض في الاحتياطي النقدي الأول من نوعه منذ سنوات، حيث كان الاحتياطي المصري يتخذ اتجاها تصاعديا منذ تولي الرئيس السيسي الحكم في العام 2014، حتى وصل إلى أعلى رصيد في تاريخه في فبراير الماضي.
وأشار الخبير المصري، إلى تقارير وكالتي ستاندرد أند بورز وفيتش للتصنيف الائتماني، التي توقعت عدم تعثر مصر فى سداد الديون، وأكدت قدرة القاهرة على تسديد الديون حتى لو استمرت أزمة كورونا الجديد لعام 2021.
وتابع أن تفشي مرض فيروس كورونا الجديد تسبب في حدوث أزمة لكن مصر قادرة على مواجهتها، خاصة أن اقتصادها متنوع، مشيرا إلى زيادة قيمة الصادرات وتحويلات المصريين العاملين في الخارج رغم هذه الأزمة.
ورد العمدة بالنفي على سؤال حول احتمال أن تلجأ مصر إلى تأجيل سداد بعض الأقساط المستحقة، قبل أن يضيف “لكن لو هناك مبادرة من هذا النوع لمجموعة من الدول من بينها مصر فيمكنها بالتأكيد الاستفادة من ذلك، على الرغم من أن مصر تتعامل حتى الآن بشكل إيجابي”.
وعلق على المبادرة التي طرحتها مصر لتخفيف عبء الديون على أفريقيا، قائلا “اتوقع الاستجابة لهذه المبادرة، لاسيما أن البنك الدولي كان قد دعا إلى تخفيض عبء الديون من خلال تأجيل الأقساط بالنسبة للدول الأكثر فقرا، لكن مصر ليست من ضمن هذه الدول، وإنما من الدول متوسطة الدخل والأسواق الناشئة”.
وأردف “اعتقد أنه سيكون هناك أكثر من مبادرة من أجل تخفيف حدة الأزمة على كاهل الدول الأفريقية ومتوسطة الدخل، وأظن أنه سيكون هناك بعض الإجراءات التحفيزية من صندوق النقد والبنك الدوليين وبنك التنمية الأفريقي”.
أما الدكتور وليد جاب الله، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، فرأى أن “أزمة الديون الخارجية صعبة جدا، ليس على مصر فقط لكن على كل دول العالم، بسبب تزايد عبئها في تلك الفترة”.
وقال جاب الله لوكالة أنباء ((شينخوا))، “لكن عندما تتحدث مؤسسات ائتمانية مثل فيتش وستاندرد أند بورز بشكل جيد عن الاقتصاد المصري مع نظرة مستقرة على المدى المتوسط فإن هذا يعني الثقة فى قدرة مصر على تسديد الديون على المدى القصير والطويل”.
وأضاف أنه “صحيح أن حركة السياحة التى كانت تدر على مصر مليار دولار شهريا توقفت، لكن فى المقابل هناك أوجه إيجابية فمثلا مصر وفرت تكلفة اقتصادية مرتفعة جدا جراء توقف أداء شعائر العمرة فى شهري شعبان ورمضان، وتوقف موسم سياحة المصريين فى الخارج”.
وتابع “كما أن فاتورة استيراد المنتجات البترولية من الخارج قلت، بينما ارتفعت الصادرات المصرية غير البترولية فى الربع من العام الحالي بنسبة 2%، وانخفضت الواردات بنسبة 24%، ما خفف العبء على الميزان التجاري”.
وواصل “نحن أمام أزمة يواجهها الاقتصاد المصري، لكنه أفضل حالا من غيره فى الكثير من دول المنطقة، بسبب تنوع قطاعاته وهذا هو الضمانة الأساسية لقدرة الاقتصاد المصرى على التعافي وسداد ديونه”.
واستطرد أن “قولا واحدا، مصر لن تتعثر في سداد ديونها، وإلا لما صدرت تقارير مؤسسات التصنيف الإئتماني العالمية التي ثبتت تصنيف مصر”.
وأبقت مؤسسة (ستاندرد أند بورز) العالمية للتصنيف الائتماني، في 17 أبريل الجاري، درجة التصنيف السيادي للاقتصاد المصري عند مستوى “B/B” على المديين قصير وطويل الأجل، مع الحفاظ على النظرة المستقبلية المستقرة.
وتعد ستاندرد أند بورز ثالث مؤسسة تصنيف ائتماني كبرى تبقى على تصنيف الاقتصاد المصري دون تغيير منذ أول مارس الماضي وحتى الآن، في حين أجرت تعديلا سلبيا على تصنيف أكثر من 35 دولة، بعضها فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جراء تداعيات أزمة فيروس كورونا الجديد.
وتعتبر مصر إحدى دولتين فقط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تم الإبقاء على تصنيفهما الائتماني والنظرة المستقبلية لاقتصادهما.
كما استبعد جاب الله، أن تلجأ مصر إلى تأجيل تسديد أقساط الديون، مضيفا أن “مصر لم تتخلف يوما ما عن سداد أي قسط من ديونها حتى في ظروف أصعب من أزمة كورونا”.