بقلم: مكرم أحمد الطراونة
لم يمتص الشارع الأردني، ولا المسؤولون، بعد، صدمة تجدد تسجيل إصابات بفيروس كورونا، والتي تأتت بعد تسعة أيام صفرية أملنا كثيرا بأن تبقى تتكرر لأسبوعين كحد أدنى، وأن نسجل انتصارا حقيقيا على هذا الوباء.
الصدمة تحققت عمليا، ولم نزل نعيش في تفاعلاتها وتبعاتها، خصوصا ما تبعها من تراشق للاتهامات. طائفة من الناس تحمل الحكومة مسؤولية هذه التطورات انطلاقا مما اعتبروه تراخيا في التعاطي مع ملف سائقي الشاحنات القادمين عبر الحدود، بحيث لم تجر لهم فحوصات جدية، ولم تلجأ إلى حجرهم في أماكن مخصصة، وهو الذي أرجعه وزير الإعلام أمجد العضايلة إلى أسباب لوجستية لم تكن مقنعة لغالبية المواطنين، الذين يرون في القصة فشلا حكوميا بائنا بينونة كبرى.
طائفة أخرى، حملت سائق الشاحنة المسؤولية كونه لم يلتزم بتعهد حجر نفسه في منزله، ما أدى إلى تسجيل عشرات الإصابات بالفيروس خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، وهذا الرأي تبنته الحكومة، من دون أن تلوم نفسها على ذلك؛ حيث سارعت إلى إلقاء الكرة في ملعب السائق، وفي هذا هروب من المسؤولية، لأنه لا ضمانة في أن ينفذ أحد تعهده بحجر نفسه، فالنفس البشرية مهما بلغت من الثقافة والوعي جبلت على الهروب من كل ما من شأنه أن يقيد حريتها.
ورغم لغة التفاؤل التي أطلقها وزير الصحة سعد جابر بتأكيده أن هذه الإصابات لم تعدنا إلى المربع الأول بالمعنى الحرفي للأزمة وبدايتها، وأن الدولة قادرة على تجاوزها خلال أيام، إلا أن الصدمة التي تحققت أوجبت علينا أن ننظر للقصة من زاوية واقعية أخرى قوامها الدولة والفرد. منذ بداية الأزمة والرهان قائم على وعي الفرد في الحفاظ على نفسه وعلى محيطه، وقد سجل هذا الرهان نقاطا إيجابية كثيرة مقارنة بالمشهد العبثي الذي مارسه البعض وأثر سلبا على منظومة العطاء المبذولة للوصول إلى نقطة اللاعودة.
وعلى الدولة أن تكون على قناعة تامة بأنها لن تحصل على أكثر من هذا المستوى من السلوك المجتمعي، بما يمثله من منسوب في الوعي. ولأن إهمالا بسيطا لشخص ما، أو خطأ في تقدير الحكومة لأي أمر، يربك جميع الخطط، ويبث الرعب في قلب الدولة والأردنيين، فإن المطلوب اليوم هو أن يكون هناك وعي جمعي قوامه الدولة والفرد، وعنوانه التعايش مع كورونا؛ الفيروس الذي يبدو أنه لزاما علينا أن نستعد لأن يكون بيننا لزمن طويل.
العالم كله يدور في فلك هذا الوباء من دون أن تتمكن أي دولة، مهما بلغ تقدمها العلمي، من إيجاد علاج أو لقاح له، كما لم تستطع أي دولة حتى اليوم من أن توقف تقدمه نهائيا، وتسجل حالة براء تام منه، بينما كل المنجز الذي تحقق حتى الآن لا يتعدى إجراء اختبارات ليس أكثر، وتسجيل نجاحات ما في عدد الحالات التي تشفى، فيما يبدو العالم ذاهبا إلى الاستسلام لفكرة أن الأمر سيطول كثيرا. تجنبنا طويلا الحديث عن البعد السياسي في أزمة كورونا، وبما أنه تم الابتعاد عن الإشارة إلى نظرية المؤامرة، لكن في عالم مجنون يحكمه المال، وباتت فيه أميركا ترامب تعمل بهمة عالية على تسييس كل أمر، فإن كل شيء وارد، لذلك لا ضير احترازيا من أن ننأى بأنفسنا عن صراع الدول عبر قبول فكرة التعايش مع كورونا بالطريقة الأردنية القائمة على الوعي الفردي والجمعي.
مدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية أنتوني فاوتشي، قال عندما سُئل عما إذا كانت الحياة ستعود حقاً إلى طبيعتها قبل أن يكون هناك لقاح فعلي متاح للجميع، إن “ذلك لن يحدث”. وكذلك قال رئيس لجنة الأوبئة الدكتور نذير عبيدات إن “علينا في الأردن أن نبحث عن حياة طبيعية تختلف عن تلك التي كنا نعيشها”، وفي ذلك مدعاة إلى إعادة ترتيب الأوراق من جديد، وتشديد إجراءات السلامة العامة، والرقابة على تطبيقها مهما طال أمد الوباء.
يجب أن لا تكون حياتنا وأن لا يكون اقتصادنا رهينة أخطاء الحكومة، أو هفوات بشرية، أو أي تطور مفاجئ في الإصابات بكورونا. لا نريد أن يحدث أي أمر يعيدنا إلى نقطة البدايات، وأن نخسر جميع الجهود والتضحيات التي قدمها الجميع.
عن “الغد” الأردنية