بقلم: محمد خروب
ردّ موسكو العنيف (والساخِر كما يجب التنويه) على الدعوة الاميركية لها لـِ«مغادرة» الشرق الاوسط, يعني ضمن أمور اخرى حجم الغضب والإستياء الروسِييْن من الاستفزازات الاميركية المتواصلة لها والتي تتجاوز الخلافات «العادية» بين الدول، ما بالك إذا كان الصراع بينهما آخذ في التصاعد والإتجاه المُبرمَج من قِبل ادارة ترمب نحو المواجهة المُتدحرِجة, التي قد تتجاوز الحرب الباردة التي انتهت لصالح الإمبريالية الاميركية ونهجها النيوليبرالي المُتوحّش, في حين لم تكن الصين قد وصلت في ذلك الحين الى ما وصلت اليه الان, من قوة اقتصادية واخرى عسكرية مُتعاظِمة, تشي بأن الولايات المتحدة قد باتت تُواجِه قوتين صاعدتين لا تتسلّح إحداهما بالآيديولوجيا (روسيا), كما كانت حال الاتحاد السوفياتي السابق الذي وَرثَته، فيما الثانية (الصين) لا تضع الآيديولوجيا في المرتبة الاولى, بل تمنح الاقتصاد والتنمية وخصوصاً العولمة وتقليص فجوة الفقر في البلاد اولوية مطلقة, وتتحاشى ما امكنها ذلك..الترويج للشيوعية, على حساب الأجندة الاقتصادية والتنموية, تاركة للحزب الشيوعي المُهمّات الداخلية من تنظيم وأدلجة وتمكين من البقاء في مُقدمة المشهد.
ما علينا.. فيما لا تتوقّف ادارة ترمب عن تنفيذ المخطط الاميركي طويل المدى, الذي بدأ مباشرة بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي وانفراط عقد منظومة الدول الاشتراكية وبخاصة انهيار حلف وارسو, والقائم في الاساس على مُحاصرة روسيا وتقليم اظافرها العسكرية وقدراتها النووية, والعمل بلا كلل على مُحاصرتها وصولاً الى حدودها الجغرافية عبر ضم الدول المحاذية لها الى حلف شمال الاطلسي, ناكثة بذلك التعهّد (اقرأ الوعود غير المكتوبة التي بذلتها للرئيس الروسي الأخرق يلتسين), بعدم ضمّ اي دولة من دول حلف وارسو الى حلف الاطلسي، تعمل ـــ ادارة ترمب كما عملت الادارات التي سبقتها ـــ على وضع العراقيل امام اي محاولة روسية لاستعادة نفوذها السابق في الشرق الأوسط على وجه الخصوص. ولهذا جُنّ جنون ادارة اوباما عندما اتّخذ الرئيس الروسي بوتين قراراً استراتيجياً بالإنخراط المُباشر في الحرب الكونية على سوريا، مُصمماً على منع إسقاط سوريا في لعبة واشنطن التخريبية, القائمة على أُكذوبة بناء الديمقراطية عبر إسقاط الأنظمة, والتي دشّنتها بحروب كارثية كما فعلت في العراق ولاحقاً في دعم الارهابيين (وبدعم من شريكتها الاطلسية تركيا) لتقسيم سوريا ونشر الفوضى في المنطقة، ودائماً في دعم الاحتلال العنصري الصهيوني الكولونيالي في فلسطين, ومباركته ضم الجولان السوري المحتل, وتمرير صفقة القرن للطمس على الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة, وزرع الفوضى والجوع في لبنان لمحاصرة حزب الله, وخصوصاً الإنسحاب من الإتفاق النووي وفرض عقوبات الحد الاقصى على ايران لتحجيم دورها الاقليمي, وتسليم ادارة المنطقة لاسرائيل كي تكتب جدول أعمالها وتحدّد مساراتها السياسية والدبلوماسية.
تُعطّل واشنطن محاولات حل الازمة السورية سياسياً, ولهذا لا تتوقف عن عرقلة الحل السياسي وزيادة وجودها العسكري في شرق سوريا وحقولهل النفطية وعدم تسهيل مُهمة ثلاثي استانا ومفاوضات جنيف, وجاء «جديد» واشنطن الغارقة في الاضطرابات والتي سجلت فشلاً موصوفاً في معالجة جائحة كورونا, في التصريح الإستفزازي الذي أطلقه مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد شينكر, الذي اعتبر ان «روسيا تلعَب دوراً مُدمّراً» مُشدداً على «تمسّك الولايات المتحدة بضرورة مُغادرتها المنطقة». ردّ موسكو لم يتأخر بل منحها فرصة للتهكّم على الدبلوماسي الاميركي وبلاده, معتبرة على لسان مصدر في الخارجية الروسية «ان شينكر لا يُدرِك على الاطلاق ما يقول، بل وصفَ قوله بأنه «يخرج عن نطاق اي تقييم».. إنه مُجرد حماقة, مضيفاً: «مستوى المِهنية في الخارجية الاميركية بات مُنخفِضاً جداً». بل إن رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي, اعتبر ان المزاعم الاميركية بشأن دور روسيا «المُدمِّر» والدعوات لرحيلها عن الشرق الاوسط «ضرب من المجون والوقاحة، مُستدرّكاً: «ان حضور روسيا في سوريا شرعي تماما، وجاء بدعوة من قيادة البلاد، بِخلاف الوجود الاميركي.. «إذ لا أحد دعا الولايات المتحدة الى سوريا ولا العراق او ليبيا». في السطر الاخير.. روسيا جاءت الى المنطقة لتبقى, أقله في المديين القريب والمتوسط.
اما واشنطن فهي التي ستُرغَم قريباً وربما قريباً جداً على الرحيل, لاسباب عديدة ليس فقط لان نفط المنطقة لم يَعُد يشكل أولوية لديها, وانما ايضاً لان القوى الرافِضة لوجودها ستكون قادرة قريباً على إجبارها على الرحيل، والأيام بَيننا.
عن “الرأي” الأردنية