نحو فتح تحقيق نزيه في جريمة قتل الشهيد أحمد عريقات ومحاكمة الجناة

30 يونيو 2020آخر تحديث :
نحو فتح تحقيق نزيه في جريمة قتل الشهيد أحمد عريقات ومحاكمة الجناة
نحو فتح تحقيق نزيه في جريمة قتل الشهيد أحمد عريقات ومحاكمة الجناة

بقلم: المحامي علي ابوهلال*

أثارت جريمة قتل الشهيد أحمد عريقات (26) عاما من بلدة أبوديس، على حاجز “الكونتينر” العسكري في بلدة السواحرة الشرقية، جنوب شرق القدس المحتلة، يوم الثلاثاء الماضي في الثالث والعشرين من شهر حزيران الجاري، موجة غضب واستنكار شديدة في أوساط شعبنا ولدى المؤسسات الحقوقية والمنظمات الدولية.

وذكر شهود العيان ومؤسسات حقوقية ومصادر إعلامية عديدة، أن قوات الاحتلال المتمركزة على الحاجز أطلقت النار نحو مركبته التي اصطدمت بالجزيرة المقامة وسط الحاجز، خلافاً لادعاءات قوات الاحتلال بأن الشهيد حاول تنفيذ عملية دهس، وأكدت جميع المعلومات وإفادات أهله وشهود العيان، أن الشهيد كان متوجهاً لإحضار والدته للمشاركة في حفل زفاف شقيقته مساء اليوم نفسه، في بلدة أبو ديس.

وأجمعت تلك المصادر أن قوات الاحتلال أطلقت النار على الشهيد دون أن يشكل خطرا حقيقيا على حياة الجنود على الحاجز، وهو ما يندرج ضمن سياسة دأبت تلك القوات على تنفيذها ضد المدنيين الفلسطينيين، من خلال استهدافهم بالنيران بشكل مباشر وفوري.

وأفاد شهود العيان، أن الشاب أحمد مصطفى موسى عريقات، 26 عاماً، كان ينتظر دوره على حاجز “الكونتينر” العسكري، للمرور بمركبته للوصول إلى مدينة بيت لحم، لكي ينقل والدته وشقيقاته اللواتي يتواجدن عند إحدى الصالونات في المدينة، ويعود بهن إلى بلدة أبوديس، شرقي مدينة القدس المحتلة، لحضور حفل زفاف شقيقته إيمان. وعند حوالي الساعة الرابعة مساء اليوم المذكور، انحرفت مركبته عند اقترابه من الحاجز العسكري للفحص، وارتطمت بالجزيرة المقابلة للغرفة الزجاجية، التي يتمركز بها جنود حرس الحدود الإسرائيلي. وعلى الفور، فتح الجنود النار باتجاه المركبة، مما أدى إلى إصابة الشاب عريقات، بعدة أعيرة نارية، في الجزء العلوي من جسده، ثم سحبوه من السيارة، وألقوه بجانبها، ومنعوا طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني من الوصول إليه، وتقديم الإسعافات الأولية له، وتركوه ينزف حتى لفظ انفاسه الأخيرة على أرض الحاجز.

من جهتها بررت شرطة الاحتلال إعدامها للشاب احمد عريقات، بأنه نفذ عملية دهس، وادعت في بيان لها أن “مركبة فلسطينية وصلت إلى معبر الكيوسك، في السواحرة الشرقية، في منطقة بنيامين، بسرعة عالية، وحاول سائقها دهس شرطية من حرس الحدود، تعمل في المكان، ما أسفر عن اصابتها بجروح طفيفة. وعلى إثر عملية الدهس، أطلق أفراد شرطة الحدود العاملين في المكان النار على السائق وتحييده، وقامت لاحقاً الطواقم الطبية بإقرار وفاته”.

يذكر أن الشاب الشهيد أحمد عريقات، عضو في المجلس المحلي الشبابي في بلدة أبوديس، وشخص خلوق ذو شعبية وسمعة طيبة بين أهالي بلدته، وكان حسب أقاربه، متلهفا لحضور حفل زفاف شقيقته، الذي كان من المقرر عقده في قاعة الرويال في البلدة، وكان يجهز نفسه لموعد حفل زفافه القريب، والذي كان قد تأجل بفعل جائحة كورونا.

إن الظروف المحيطة باستشهاد أحمد عريقات وافادات أهله وشهود العيان، تؤكد أن قوات الاحتلال المتمركزة على حاجز الكونتينر قد قتلته بدم بارد، دون أن يشكل خطراً عليها، استنادا إلى المعطيات التالية:

أولا: إن مقدمات وظروف وصول الشهيد إلى الحاجز تشير وتؤكد أنه ذاهب لمدينة بيت لحم، لكي ينقل والدته وشقيقاته اللواتي يتواجدن عند احد صالونات الشعر في المدينة، ويعود بهن إلى بلدة أبوديس، شرقي مدينة القدس المحتلة، لحضور حفل زفاف شقيقته إيمان. ومن يكون هدفه ذلك يستبعد انه يفكر بتنفيذ عملية استشهادية وتنفيذ عملية دهس على الحاجز، في يوم حفل زفاف شقيقته وقبل مدة قصيرة من حفل زفافه.

ثانيا: إن انحراف واصطدام مركبته بجزيرة الحاجز التي يقف عليها الجنود ليست دليلا كافيا على نيته دهس الجنود، بل يمكن أن يكون لعدة أسباب منها: توتره للوصول بسرعة إلى بيت لحم لإحضار والدته وشقيقاته والعودة بهن إلى حفلة الزفاف في أبوديس دون تأخير، أو بسبب خلل مفاجئ أصاب المركبة أو بسبب ارتباكه عندما أشار له الجنود بالتوقف، وغيرها من الأسباب التي يتطلب كشفها من خلال التحقيق المحايد.

ثالثا: إن فتح الجنود النار باتجاه المركبة على الفور، ما أدى إلى إصابة الشاب عريقات، بعدة أعيرة نارية، في الجزء العلوي من جسده، دون أن يشكل خطرا حقيقيا على حياتهم، تدلل على دافع القتل لدى الجنود، وهذا ما تؤكده عمليات قتل مشابهة من قبلهم في ظروف أخرى أدت إلى قتل العديد من الفلسطينيين المدنيين العزل على الحواجز.

رابعا: إن ترك الشهيد أحمد الجريح ينزف دما على الحاجز وهو لا يشكل خطرا على الجنود، الذين منعوا اسعافه وتقديم العلاج له، ما تسبب في لفظ أنفاسه وموته، يشكل بحد ذاته جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وفقا للقانون الدولي الإنساني. وهذه الجريمة يتحمل مسؤوليتها جنود الحاجز، وهي تتفق مع عقيدة جيش الاحتلال وتعليمات قياداته العسكرية والسياسية، وهي ليست جريمة منفردة ووحيدة، بل جريمة تكررت في أحوال وظروف مشابهة على هذا الحاجز وعلى حواجز أخرى.

خامسا: كل هذه الدلائل والوقائع والشهادات تثبت أن قتل الشهيد أحمد تم بدم بارد، وفي إطار جرائم القتل العمد، والاعدام الميداني، الذي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي على الحواجز ضد الفلسطينيين المدنيين العزل، بدون أدنى حد من الالتزام بقوانين وقواعد القانون الدولي الإنساني، الذي تلتزم به كل جيوش العالم في حالات الحرب والسلم.

وبناء على كل هذه المعطيات والبينات الواضحة المحيطة بجريمة قتل الشهيد أحمد عريقات، ينبغي التأكيد على ضرورة المطالبة بإجراء تحقيق مهني ومختص ونزيه، من قبل لجنة تحقيق دولية، لكشف الجناة الذين ارتكبوا هذه الجريمة البشعة التي أودت بحياة الشهيد دون أي مبرر محق.

كما ينبغي مواصلة كافة الجهود لتقديم الجناة إلى المحاكمة العادلة حتى لا يفلتوا من العقاب، فجريمة قتل الشهيد أحمد ليست الوحيدة التي يرتكبها جيش الاحتلال، فقبلها أرتكب جريمة قتل عمد راح ضحيتها الشهيد اياد الحلاق في القدس، كما ارتكب أيضا العديد من الجرائم المشابهة في أوقات سابقة.

ومن الضروري تحضير ملف جنائي خاص بجرائم القتل العمد، وجرائم الاعدام الميداني، التي ارتكبها جيش الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين العزل، والبدء بملاحقة الجناة لدى كافة المحاكم المختصة، هذه الجرائم وغيرها من الجرائم التي ارتكبت توصف بانها جريمة ضد الإنسانية، بموجب المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وأن أفلت هؤلاء من العقاب أمام القضاء الإسرائيلي غير النزيه، فانه ينبغي ملاحقتهم من جديد، ومحاكمتهم لدى المحكمة الجنائية الدولية صاحبة الاختصاص الموضوعي بموجب المادة الخامسة، والاختصاص التكميلي بموجب المادة الأولى من نظامها الأساسي، حتى لا يفلت هؤلاء المجرمون من العقاب.

*محاضر جامعي في القانون الدولي