بقلم: جمال زحالقة*
1- المؤسسة الأمنية سيكون لها دور سياسيّ أكبر في المرحلة القادمة، وذلك لقلّة خبرة القيادة الجديدة، ولكن أساسًا لأن الحكومة الإسرائيلية غير منسجمة، ومن الصعب عليها اتخاذ قرارات في الشأن السياسي والأمني بسبب خلافاتها الداخلية وخوفها من المعارضة القويّة المتربّصة لها. سيكون من الأسهل عليها ترحيل القرار إلى المؤسسة الأمنية: جيش و”شاباك” وموساد وشرطة. الاختباء خلف قرارات وسياسات المؤسسة الأمنية يخفّف من وطأة النقاشات الداخلية ومن نقد المعارضة، فلا زالت هذه المؤسسة تحظى بسطوة في الرأي العام ومؤسسات الحكم.
2- التهميش وتجنّب التعامل مع الشأن الفلسطيني سيكون السياسة الرسمية لهذه الحكومة وذلك لتفادي نقاشات قد تؤدّي إلى إسقاطها. وقد صرّح بينيت ما مفاده أن حكومته ستعمل بما تتفق عليه، وتترك جانبًا ما تختلف بشأنه. الخلافات في الحكومة حول قضايا الاحتلال والاستيطان والحلّ السياسي عميقة وغير قابلة للجسر، والمخرج هو العمل على تهميش قضية فلسطين، فمن الصعب جدًّا أن يكون لحزبَي “يمينا” و”ميرتس” موقف موحّد بشأنها. الشلل على المستوى السياسي سيسرّع عملية جارية منذ سنوات، ومحورها مسعى لتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية أمنية، بلا بعد سياسيّ. كما سيكون للشأن الاقتصادي أهمية وفق ما قاله بينيت مكررًا مقولة السلام الاقتصادي، لكن أفيغدور ليبرمان وزير المالية الجديد، ينادي منذ مدّة طويلة باستعمال السلاح الاقتصادي لـ”تأديب” الفلسطينيين. الاقتصاد هنا سيكون سلاحا لضرب الفلسطينيين، بهدف كسر إرادة النضال بالإغراء، أو بالعقاب.
3- الاتفاق الثنائي بين منصور عبّاس ويائير لبيد غير ملزِم للحكومة، فهو كاسمه اتفاق ثنائيّ، وكل الاتفاقيات الثنائية التي وقّعها لبيد غير ملزمة سوى لمن وقّع عليها. في العادة، يجري توقيع اتفاقيات ثنائية مع رئيس حكومة، ولكن لبيد ليس حتى رئيسًا للحكومة، وبينيت قال، وفق مصادر موثوقة، إنّه غير ملزَم بالاتفاق، وكذلك وزير المالية ليبرمان، وموظفون في وزارة المالية. باختصار، الاتفاق حاليًا على الأقلّ، هو مجرد حبر على ورق.. والأيام ستثبت ذلك.
ما يلزم الحكومة ككلّ هو الخطوط العريضة والاتفاق بين بينيت ولبيد، الذي جرى اعتماده “وثيقة أساس” للائتلاف. وجاء في نصّ هاتين الوثيقتين تأكيد على ضرورة تعزيز الطابع اليهودي للدولة، وتوسيع الاستيطان في القدس، وتعميق الاحتلال في المنطقة “ج”، والمبادرة إلى خطة جديدة للخدمة المدنية.
المشاركة في ائتلاف حكومي يحمل هذه المواقف، وأسوأ منها، هو انسلاخ عن الصف الوطني، وانحياز إلى جانب حكومة معادية لشعبنا. هذه الخطوة هي تنازل عن الموقف الوطني أولًا، وضرب للوحدة الوطنية على كل المستويات ثانيًا، وتنازل عن حقوق المواطنة واستبداله بصفقات بائسة ثالثًا. المطلوب هو أن تتحرك الأحزاب والكتاب والمثقفون والقوى الحية في مجتمعنا، لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، فنهج مقايضة الحق في الميزانيات والموارد العامة بالتنازل السياسي مرفوضة ومُدانَة، فما بالك إذا كانت المقايضة بوعود وهمية، وهو مثل فعل الرماة في معركة أُحُد، الذين نزلوا عن التل لجمع الغنائم وأدّوا إلى خسارة المعركة. علينا أن لا نسمح لهذا النهج “الجديد” بأن يخسّرنا المعركة.
4- حكومة نتنياهو بلا نتنياهو، فحتى لو جرت تسمية الحكومة الجديدة بحكومة “تغيير”، فهي لا تحمل أي تغيير سوى تغيير نتنياهو، أما السياسات فهي نفس السياسات الصهيونية المعهودة بالشكل الذي رسمه نتنياهو في السنوات الأخيرة: تعميق الحصار على غزّة، وتكثيف مشاريع تهويد القدس، وتعميق الاحتلال، وتوسيع الاستيطان، واعتماد قانون القومية كبوصلة للنظام السياسي، والعمل على تهميش القضية الفلسطينية، والتصعيد مع إيران، ومحاولة فرض نهج مقايضة الحقوق بالصمت السياسي وغير ذلك.
القوى المتنفّذة في الحكومة الجديدة لا تختلف عن نتنياهو سياسيًا، والحكومة ككل عاجزة عن الاتفاق على أي تغيير بسبب المواقف المتباينة، وهي تخشى من انفلات نتنياهو عليها، وستكون خاضعة ليس لميراثه فحسب، بل لحضوره، الذي يفوق في تأثيره معظم وزرائها. نحن في الواقع بصدد حكومة نتنياهو السادسة.
5- الإدارة الأميركية اليوم هي إدارة ديمقراطية، ولها حساب طويل مع بنيامين نتنياهو، حليف ترامب واليمين الأميركي، وهي بالتأكيد راضية عن أنّه لم يعد رئيسًا لحكومة إسرائيل. يعتقد الديمقراطيون أن خسارة نتنياهو هي خسارة لحليفه دونالد ترامب، الذي ينوي الترشح ثانية لرئاسة الولايات المتحدة، كما أنّهم غاضبون على نتنياهو بسبب ما يعتبرونه تحرّكات مزعجة وتصريحات مستفزّة يطلقها ضد السياسة الأميركية في الشأن الإيراني. لذلك، فإن الإدارة الأميركية الحالية ستعمل كل ما في وسعها لمنع عودة نتنياهو إلى الحكم، وستزيد من دعمها لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني. الحكومة الإسرائيلية من جهتها ستقوم بتقسيم عمل يقوم فيه غانتس ولبيد بتوزيع الابتسامات السياسية في الولايات المتحدة وغيرها، في حين تواصل الحكومة سياساتها القمعية بلا تغيير، بالضبط كما كان توزيع الأدوار بين بيريس وشارون في حينه.
6- إسرائيل اليوم أضعف، في ظل الأزمة السياسية المتواصلة، والمرشّحة للاستمرار وبعد اعتلاء قيادات قليلة الخبرة نسبيًا. لكن الضعف لا يظهر إلّا إذا كان هناك ضغط فعلي، ولا يمكن أن تخضع إسرائيل للضغوط إذا لم تكن هناك ضغوط أصلًا.
المطلوب فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا استغلال الفرصة الناتجة عن هذا الضعف السياسي العابر، وحشر إسرائيل في الزاوية، ولجمها عن مواصلة اعتداءاتها المتكررة في القدس وغزّة وبقية المواقع.
*نائب سابق – “عرب ٤٨”