بقلم:الدكتور اسعد عبد الرحمن
بدأ العالم يدرس ويتصرف إزاء العواقب الاقتصادية والسياسية جراء صدمة وباء فيروس كورونا المستجد الصحية، في ظل فوضى عالمية. فأوروبا مترددة تتصاعد بين دولها الخلافات حول خذلانها بعضها البعض في ظل عدم القدرة على الوفاء باحتياجات دول “الاتحاد الأوروبي”، فيما تزايد حضور الصين، وروسيا أثبتت للعالم خطأ تجاهلها، فيما الولايات المتحدة الأمريكية، المتأثر الأكبر حاليا بفيروس كورونا، يضربها بقوة فيروس العنصرية الأشد خطرا. فالركود الاقتصادي جراء “كورونا” ليس كغيره من حالات الركود الاقتصادية السابقة، التي حدثت في أماكن دون أخرى، مما ساعد على لعب بعض الاقتصادات دور المنقذ وهو ما فعلته الصين في الأزمة الأخيرة في 2008.
منذ انتهاء الحرب الباردة في العام 1991 مع انهيار الاتحاد السوفييتي، وقيادة الولايات المتحدة النظام الدولي أحادي القطبية، أصبحت العولمة هي الأداة الأمريكية الفاعلة في تحقيق استراتيجيتها سواء أيديولوجيا أو اقتصاديا أو عسكريا، حتى اتسعت دائرتها لتصل كل المناحي والقطاعات في العالم: الشركات متعددة الجنسيات، نظام الأمن السيبراني، التجارة عبر “الأون لاين”، تبادل السلع والخدمات عبر منظمات متعددة على رأسها منظمة التجارة العالمية، حتى جاءت أزمة كورونا فقلبت موازين العولمة. ولتوضيح مسألة بدء التغيير في مفهوم العولمة، قامت الدول، مثلا، مع توقف الملاحة الدولية بتخزين مواردها الطبية، للحفاظ على ما لديها ما دفعها إلى التوقف عن التصدير، وهو الأمر الذي أعاد للأذهان مفهوم الدولة القومية المكتفية ذاتيا، مع تزايد الرغبة لدى جميع دول العالم في أن يكون كل ما تحتاجه لمكافحة الفيروس متاحا وتحديدا بإنتاج هذه الاحتياجات محليا، مع التركيز على كافة القطاعات المتضررة من الجائحة التي تسببت بركود اقتصادي كبير يحتاج وقتا طويلا للتعافي بعد أن أثبت هشاشة نظام العولمة.
وعلى الرغم من ذلك، سيكون صعبا في عصر التكنولوجيا الرقمية الحديثة تفكيك شبكة العولمة الاقتصادية التجارية والمالية المتداخلة. وكذلك، سيكون صعبا العودة إلى فلسفة الاعتماد الكلي على الذات، مع التأكيد على أن هناك دروسا ستساعد على تبني سياسات جديدة تخص صناعات دون غيرها. لذا، لا يتوقع أحد أن تتفكك العولمة، لكن الدعوة تتزايد إلى “إعادة ضبط العولمة”. وقد عبر عن ذلك بكل وضوح الملك عبد الله الثاني حين كتب في مقال نشرته “واشنطن بوست”: “هدفنا المحوري تحقيق المنفعة لشعوبنا، والسعى إلى إعادة ضبط العولمة لتعزيز وبناء القدرات في بلداننا، وللتعاون الحقيقي فيما بيننا، عوضاً عن التنافس، ولنعترف في إعادة ضبط العولمة بأن بلداً واحداً بمفرده، لا يُمكن له أن ينجحَ، لأن إخفاقَ بلدٍ واحد هو إخفاقُنا جميعاً”.