بقلم: الدكتور جواد العناني
السيد محمد خروب، الكاتب المحترم في صحيفة الرأي الغراء، وصاحب عامود «قضايا» فاجأ القراء قبل أيام (الأحد 26/7/2020) بمقالة مهمة بعنوان «عن وهم الديمغرافيا.. في مقترح الدولة الواحدة»، وفيه يفند الكاتب ان العنصر الديمغرافي لحل الدولة الواحدة يقوم على فرضية أساسها ان عدد الفلسطينيين العرب داخل فلسطين التاريخية سوف يتجاوز عدد اليهود. وهذا يعطي الفرصة للفلسطينيين في الدولة الواحدة أن تكون لهم الغلبة السكانية في حال اصبح جميع هؤلاء الفلسطينيين مواطنين كاملي الاهلية المدنية والسياسية في هذه الدولة الواحدة.
وقد استند السيد خروب في تفنيد هذا الأمر الى الاحصاءات الاسرائيلية التي توقعت ان يصل عدد السكان عام 2030 في اسرائيل (أو دولة العدو كما يشير اليها) الى (1ر11) مليون نسمة، و(2ر13) مليون نسمة عام 2040، و(2ر15) مليون عام 2048، ولذلك فإن الفلسطينيين لن يكونوا الاغلبية في اسرائيل، لانهم لن يشكلوا في أي وقت وبافتراض الوضع الحالي اكثر من 20% من سكان اسرائيل. ولكن دعونا نتعمق في هذا الأمر بشكل أكثر.
في ارض فلسطين التاريخية بما في ذلك قطاع غزة، وكامل الضفة الغربية، وداخل اسرائيل، يشكل العرب (وفق احصائيات 2018) ما قدره (7ر6) مليون نسمة مقابل (8ر6) مليون نسمة من اهل الديانة اليهودية.
وهذه الاحصاءات تشمل فيها عدداً من المسيحيين المتصهينين والذين يقدرون بمئات الآلاف في اسرائيل وهؤلاء يؤمنون أن قيام اسرائيل هو جزء من نبوءة الأنجيل والتي تمهد لعودة المسيح عليه السلام ثانية. لكن مجلس الحاخامات الاسرائيلي رفض الاعتراف بهم كفئة من الديانة اليهودية، ولذلك فإنهم لا يستحقون الجنسية الاسرائيلية بموجب قانون الجنسية الاسرائيلية الصادر عام 1950 وتعديلاته اللاحقة.
وكذلك لا بُد أن نتذكر أن نسبة من اليهود الحريديين (Haredi Jews)، والذين يبلغ تعدادهم في العالم حوالي (8ر1) مليون نسمة لا يؤمنون باقامة دولة لاسرائيل حتى اقتراب الساعة. ويعيش معظمهم في اسرائيل ويتكاثرون بِسرعة بسبب ارتفاع نسبة المواليد بينهم (ضعف معدل المواليد في اسرائيل)، ولانهم لا يتزوجون من خارج طائفتهم مما يبقي عددهم مرتفعاً.
وبالطبع هنالك اليهود السمرة الذين يعيشون في مدينة نابلس، ولا يعترفون بدولة اسرائيل، ولكن عددهم في جبل جرزيم بنابلس وداخل اسرائيل لا يزيد عن ثمانمئة شخص. واليهود الحريديون يؤمنون بالاستيطان في أرض اسرائيل، ولكنهم يرفضون الخدمة في جيشها. وتبذل الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية جهوداً كبيرة لدفعهم للتعامل مع اسرائيل كدولة والاعتراف بها. وقد نجحوا إلى نطاق محدود في ذلك.
أما سكان فلسطين التاريخية من الفلسطينيين العرب، فهم يبلغون حوالي (3) ملايين في الضفة الغربية، و(2) مليون داخل قطاع غزة، اما الباقون والذين يقدر عددهم بحوالي (2) مليون، فيعيشون داخل الخط الاخضر، ويحملون الجنسية الاسرائيلية، ويشكلون خُمس سكانها.
وقد لوحظ أنه باستثناء المتدينين من الفلسطينيين فإن نسبة المواليد تنخفض باستمرار بشكل عام، وقد تراجعت نسبة الخصوبة منذ حرب حزيران 1967 من حوالي 7ر5% الى 3%. اما نسبة الخصوبة بين النساء فقد تراجعت ايضا من حوالي ستة اطفال للمرأة طوال عمرها الانجابي إلى ثلاثة أطفال في الوقت الحاضر. ووفقاً للدراسات الاسرائيلية، فإن معدلات النمو السكاني الطبيعية بين كل من اليهود والعرب الفلسطينيين تكاد تكون متقاربة في الوقت الراهن. أما بالنسبة لهجرة اليهود الصافية (عدد القادمين مطروحاً منه عدد المغادرين) قد بلغت عام 2020 (166ر1) لكل الف، أو بتراجع بسيط عما كانت عليه عام 2019.
ولو راجعنا النسب لصافي الهجرة خلال الفترة 2015 – 2019 لوجدنا أنها كانت تتزايد بنسبة قليلة سنة بعد سنة قبل أن تتراجع عام 2020. والمتتبع لارقام الهجرة اليهودية لاسرائيل، يرى ان السنوات التي عانت فيها اسرائيل من الحروب (حربها مع غزة وحزب الله) قد ادت الى تناقص الهجرة القادمة وزيادة الهجرة المغادرة، اما في سنوات التفوق الاسرائيلي في المنطقة، فقد كان يحصل العكس. فالهجرة اذن في حصيلتها تعتمد على شعور اليهود المهاجرين لاسرائيل بالأمن وبأن ظروف الحياة ستمكنهم من العيش فيها بسلام.
وعليه، فإن سنوات الانتفاضتين الفلسطينيتين أدتا الى هجرة اقل من السنوات الاخرى، وفي سنوات السلام وتوقيع المعاهدات زادت الهجرة اليهودية إلى اسرائيل. وعليه يمكن الاستنتاج بأن عناصر الجذب للهجرة لاسرائيل من قبل اليهود وعوامل الطرد للهجرة من اليهود إلى بلدان أخرى ليست محصورة في الدافع الديني، بل يؤثر عليها الواقع السياسي في الهيمنة اليهودية على مجريات الامور، وعلى مدى نجاح اسرائيل بالتظاهر بالديمقراطية والمساواة وهو ما يهدده سلوك الابرتهايد التي ستضطر للجوء اليه، أو إلى اساليبه إذا ما تساوى عدد اليهود مع العرب الفلسطينيين في دولة واحدة.
ما يطرحه الأخ محمد من أن السكان الفلسطينيين قد لا يفوقون اليهود حسب الاحصاءات المتاحة عن نسب المواليد ونسب الهجرة، ولكن العدد الفلسطيني في حالة الضم فقط للضفة الغربية سيبقي اسرائيل ومشروعها وعقيدتها الصهيونية أمام تحد كبير يعترف به المحللون الاسرائيليون.
الفكر الصهيوني على طريقة «جابوتنسكي» لا يريد عرباً فلسطينيين في ما يسموه «ارض اسرائيل»، ولكن عدد الفلسطينيين لم يقل مع الزمن، وما يزال يشكل الهاجس الأكبر لليهود.
أما غزة فلها قصة اخرى، وسواء ضمت للدولة الواحدة، أو بقيت خارجها، فستبقى في ذهن المُخطِّط الاستراتيجي الاسرائيلي جزءا من التحدي الفلسطيني الكلي لاسرائيل ويهوديتها وهويتها وأمنها.
اتفق مع اخي محمد خروب أن الديمغرافيا ليست حاسمة لصالح الفلسطينيين من حيث العدد داخل الدولة الواحدة لو طبقت، ولكن العدد الفلسطيني سيبقى يشكل مصدر خطر وتحديا لاسرائيل في حالة الضم.
وعوامل وحدة الديمغرافيا اليهودية ليست أقل هشاشة من عوامل وحدة الديمغرافيا الفلسطينية، والزمان هو المتغير الذي تتغير معه اشياء كثيرة.
عن “الرأي” الأردنية