بقلم: الدكتورة أماني القِرِم
لا أعرف من أين يأتي هذا الرجل بالفرص التي تهب لنجدته كلّما قربت نهايته . الاقتصاد والفساد وسوء إدارة الأزمة الصحية والعجز في مواجهة فيروس كورونا، والانحياز القانوني كانت المشاكل التي يعجّ بها الداخل الاسرائيلي، وقامت من أجلها مظاهرات طوال الاسبوع الماضي تطالب برحيل رئيس وزرائهم الأطول مدة بنيامين نتنياهو، ورفعت فيها رايات سوداء وشعارات : “مللنا منك يا فاسد”.
وفجأة وعند الساعة السادسة من يوم الاثنين وإذا بمفاجأة من العيار الثقيل تحوّل الحال الى آخر ارتفع معه صوت اسطوانة قديمة الأمن أولا وثانيا وأخيرا .. حيث انتشرت الأنباء يميناً وشمالاً حول تصعيد على الحدود اللبنانية وإطلاق نيران واشتباكات بين عناصر من حزب الله وجيش الاحتلال . كانت بداية الكلام عن صاروخ انطلق من الاراضي اللبنانية، ثم تغيرت الرواية الى مجموعة مسلحة من ثلاثة الى أربعة اشخاص (غير معروف) ادعت اسرائيل أنها تسللت الى ما بعد الخط الازرق، وتم اطلاق النار عليها من قبل جيش الاحتلال ومن ثمّ عادوا أدراجهم الى لبنان “سالمين” لأنه لم يعلن عن خسائر لدى أي طرف!
وطبعا التفت الكاميرات حول نتنياهو ولا مانع من وجود غانتس لإظهار جدية وخطورة الحدث الأمني ووجوب التفاف الشعب حول القيادة (نتنياهو) لمواجهة التهديد الوجودي الذي يضرب بإسرائيل مع الوعيد برد قاس إذا أعاد حزب الله الكرّة مرة أخرى!
ورفعت القيود العسكرية عن المناطق المحاذية وطلب من الناس العودة لممارسة حياتهم الطبيعية بعد ساعتين فقط من الحدث الأمني الخطير وكأنّ شيئا لم يكن.
في المقابل نفى حزب الله ببيان له الرواية الاسرائيلية جملة وتفصيلا مشيرا في نهاية البيان بأن الرد لم يأت بعد.
هذا التصعيد غامض وما بين التضارب في رواية اسرائيل من جهة وحزب الله من جهة أخرى، ظهرت نظريتان، لكلٍّ منهما مؤيدون ومستنكرون حسب التوجهات:
الاولى: تؤكد الرواية الاسرائيلية وتدلل على أن الغارة الاسرائيلية على محيط دمشق الدولي والتي حدثت قبل أسبوع أدت الى مقتل أحد عناصر حزب الله ويدعى علي محسن. وبناء عليه فإن الحزب كعادته يتحتم عليه الانتقام ولهذا أبقت القوات الاسرائيلية جيشها في حالة تأهب خشية الرد المحتمل، وما نفي حزب الله لوقوع عملية التسلل التي تدّعيها اسرائيل ولتبنّي العملية إلا لأنها فشلت.
لكن ما يدحض هذه النظرية هو أسلوب عمل حزب الله الذي من عادته الاعلان عن عملياته والتفاخر بها وليس النفي. كما أن اسرائيل تجول وتصول في السنوات الاخيرة في لبنان وسوريا وحتى داخل إيران نفسها تقتل أشخاصاً وتصيب أهدافاً ولا يتحرك أحد. إضافة إلى أن الوضع اللبناني بما فيه حزب الله غارق في أزمات سياسية واقتصادية، فضلا على أن الظروف الجيوسياسية والاقتصادية في الاقليم عام 2020 ليست نفسها التي كانت في العام 2005، ناهيك عن أن الغموض في التفاصيل والفراغات المعلوماتية التي شابت رواية جيش الاحتلال وسرعة العودة للحياة الطبيعية يكذب الرواية الاسرائيلية.
أما النظرية الثانية: فتدور بين فرضيتين، أولاها أن ما حدث هو تصرف اسرائيلي أحادي الجانب أهدافه سياسية بحتة لصالح القيادة السياسية التي يتربع على عرشها نتنياهو وذلك لإفشال المظاهرات وصرف النظر عن الازمات الداخلية في البلاد، خاصة أن تضخيم الاحداث الامنية هو سيناريو اسرائيلي بامتياز غالباً ما يحدث لمصالح سياسية، فكما عهدنا دوماً أن بوصلة السياسة الخارجية في إسرائيل تشير وتتجه للداخل. وثانيها أن هذه المجموعة المسلحة ليس لها علاقة بحزب الله وتتبع طرفا مجهولا يهدف الى اشعال المنطقة .
لكن السؤال: هل يقود نتنياهو اسرائيل الى حرب وفوضى من أجل مصلحته السياسية من منطلق عليّ وعلى أعدائي؟ وهل عقلية الجيش الاسرائيلي تسمح بهذا الامر؟
لا شك أن حزب الله المدعوم ايرانيًّا يسبب صداعاً مستمرًّا للاحتلال، خاصة أنه استطاع مؤخرا تطوير ترسانته الصاروخية لتصبح أكثر دقة وتقدماً، وهو ما أظهره فيديو دعائي نشره الحزب في شهر حزيران الفائت يظهر فيه إحداثيات أهداف اسرائيلية دقيقة للغاية داخل الأراضي المحتلة ويهدد بضربها بصوت الشيخ حسن نصرالله!
ما خلف النظريتين هو ما اتفق عليه الطرفان حيث نفي الرغبة في نشوب صراع حالي بينهما والسعي لطي هذه الصفحة سريعاً. والأكيد الأكيد أن الحظ دائماً بجانب شخص واحد: نتنياهو
amaney1@yahoo.com