بقلم: عيسى قراقع
ما هذا السلاح الذي ينتشر بين أيدي الناس أفراداً وشللاً وعائلات وقبائل وعشائر وتحت مسميات مختلفة تنظيمية وفصائلية وأحياناً أمنية؟ وفي الفترة الأخيرة أصبح هذا الإنتشار للسلاح قاعدة وظاهرة مقلقة، ويكاد لا يمر أسبوع إلا ونسمع عن حادثة مسلحة هنا وهناك، تقارير الشرطة الفلسطينية تفيد بإزدياد حالات القتل منذ بداية هذا العام ومنها القتل بالرصاص إضافة الى إصابة العشرات.
استخدام السلاح بهذه الفوضى والتلقائية ليست جزءاً من الثقافة الوطنية الفلسطينية، وتعتبر خارج القاعدة الثابتة للفلسطينين، السلاح يجب أن يكون شرعياً ووطنياً وسلاحاً واحداً، وأن مهمة السلطة الفلسطينية كما قال الرئيس أبو مازن حماية الناس من جوع ومن خوف.
لم يدعو أحد إلى التسليح الشعبي ولم تدق طبول الحرب، إلا اذا كان هناك حرب أخرى تدور في رؤوس البعض ومن نوع مختلف: توجيه السلاح الى الذات والى الداخل، تحقيق مآرب السطوة والنفوذ والبلطجة والمصالح الفردية.
المواطن الفلسطيني يشعر بالخوف وبعدم الآمان أمام مشاهد التحشيد المسلح وظاهرة إطلاق الرصاص في أي مناسبة مفرحة أو مؤلمة، الجنازات والاعراس متشابهة تماما، السماء تتلقى الكثير من الرصاص وبعضه تتلقاه الأجساد البريئة.
الذي يجري في الساحة الفلسطينية ليس بريئا، تقف ورائه جهات مريبة وعلى رأسها الاحتلال الاسرائيلي الذي من مصلحته ان ينتحر هذا الشعب على يد أبنائه، يقتتل ويتفكك ويغرق في دمه وثاراته، هذا السلاح لا شك أنه تحت السيطرة الاسرائيلية ورقابتها وهي التي تعمل على تسهيل وصوله الى ايدي الناس سواء كانوا تجاراً أو أصحاب نفوذ أو مشبوهين.
ظاهرة القتل اليومي في فلسطين المحتلة 1948 والتي تجري تحت أعين وحماية الشرطة الاسرائيلية تنتقل الينا، يختلط الحابل بالنابل بين السلاح الوطني والسلاح غير الوطني، المدينة لم تعد تعرف صاحبها، أجسام غريبة في شوارعها، الكل معرض للقتل والموت صار يدخل في كل بيت وحارة، وكما قال الكاتب الكبير غسان كنفاني: السلاح بيد الانسان غير الواعي إغراء للقتل.
الذي يثير الغرابة هؤلاء الذين يؤجرون السلاح مقابل مبلغ معين من المال لإستخدامه في مناسبة أو في مشكلة، وبعضهم يعرض إطلاق 15 رصاصة في الهواء مقابل 2000 شيكل في عرس أو احتفال، والبعض يطلق الرصاص الغزيز في الهواء من اجل الاستعراض او الصورة، كثيراً ما يكون هذا السلاح أعمى يقتل ويصيب ويسبب الهلع للطيور في السماء وللأطفال في بيوتهم.
واضح أن هناك من يسعى لتخريب المدينة، يستغل الظروف القاسية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في ظل الهجمة الإسرائيلية الأمريكية على حقوق شعبنا، وفي ظل انتشار جائحة كورونا، هناك من يعمل على تحويل المدينة الى سوق للاسلحة المتنوعة، لم تعد الطوش بالايدي بل بالسلاح، ولم تعد لغة المخاطبة بالكلام بل بالسلاح، ومن يملك السلاح كأنه يملك القرار والفزاعة والمستقبل.
الخطير جداً في ظاهرة التسليح هو أن يكون لهؤلاء المسلحون غطاء وحماية وحصانة سواء من عشيرة او جهاز او صاحب نفوذ، هؤلاء لا يكدسون السلاح لمقاتلة الاعداء بل لاثبات الحضور والقوة والابتزاز والضغط والتجارة.
الاسرائيليون يعرفون هذا السلاح ومصادره وإلا لماذا هم صامتون ومتفرجون وسعداء أيضا؟ لو كان المحتل الاسرائيلي يعرف أن هذا السلاح موجه لمقاومته لقام بعمليات عسكرية واقتحامات واغتيالات واعتقالات واسعة ولعاث في المدينة خراباً وتدميراً.
ظاهرة التسليح غير المنضبطة والعشوائية هي تعبير عن الضعف والرخاوة والخوف الفردي وتفسخ المجتمع والمرجعيات الوطنية، أخشى الآن على الثقافة الوطنية، ثقافة الوحدة والتضامن والتماسك وأن تحل محلها الثقافة المسلحة عندما لا يعرف من يحمل السلاح أين يوجهه.
البندقية التي كانت مقدسة وأغلى من الولد، والتي كان يبحث عنها المستعمرون في كل بيت ومغارة وجبل فقدت عذريتها في هذه المعمعة المحزنة والمؤلمة والتي لا يستحق شعبنا الكبير والعظيم أن يدخلها ويتحكم بمصيره هؤلاء الذين يسهل على أصابعهم الضغط على الزناد لأي سبب.
الرسول الكريم قال: لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار، وقد وقع الكثيرون بنيران البنادق وتحرك الشيطان المسلح في صفوفنا.
إننا لا نريد أن يكون السلاح قاطع طريق ويفقد قيمته الفدائية والوطنية والانسانية لا سيما أننا في مرحلة التحرر الوطني ولا زلنا نرزح تحت نير الاحتلال، هذا السلاح يجب أن يرعب المحتلون الغاصبون وليس الشعب الذي يسعى للخلاص من الاحتلال وتحقيق أمانية بالحرية والاستقلال، هناك مسؤوليات وطنية تقع على عاتق الأجهزة الأمنية والقضاء والقوى الوطنية لضبط السلاح وحسم سريع لهذه الظاهرة الخطيرة والمفجعة وتطبيق القوانين التي تحظر استخدام السلاح بالطريقة التي نراها ونشاهدها.
الذين حملوا السلاح الطاهر هم الشهداء الأبرار والأسرى القابعون في السجون، هؤلاء الذين دفعوا ثمن المقاومة المشروعة ضد المحتلين والمستعمرين وكان سلاحهم الكرامة والحرية.