بقلم:الدكتور اسعد عبد الرحمن
تسعى الدول الكبرى وراء مصالحها. ففي السياسة، لا صداقة ثابتة أو عداوة ثابتة، والعلاقات بين الدول ليست زواجا كاثوليكيا، وإن بدت كذلك في فترات زمنية معينة وفقا لظروف خاصة. في هذا السياق، يفهم الاتفاق بين الصين وإيران، حيث سيستثمر الصينيون نحو 400 مليار دولار على مدى 25 سنة في إيران، مقابل نفط إيراني بتنزيلات كبرى، الأمر الذي سيشكل طوق نجاة للاقتصاد الإيراني الغارق تحت العقوبات الأمريكية، وسيقوي مكانة الصين كقوة عظمى، ويزيد تدخلها في الشرق الأوسط.
الاتفاق الذي سيمس بالعقوبات الشديدة المفروضة على التجارة مع إيران وبالجهد الأمريكي لعزلها، لم يحصل على رضى كامل الإيرانيين الذين رأوا بلدهم كدولة ضعيفة هي الطرف الخاسر في الصفقة، باعتبار أن الصين ستسيطر إلى حين على البنى التحتية وعلى المقدرات الطبيعية في الدولة. أما الطرف الآخر، الداعم للاتفاقية، فيرى وبكلمات الكاتبين الإسرائيليين (يعقوب نيجل) و(مارك دوفوفيتش): “النظام في طهران، يفهم بأن الصفقة يمكنها إنقاذ الاقتصاد الايراني، واصبع في عين الولايات المتحدة، وستسمح للنظام بالاعتماد على الصين وعلى قدراتها، مع التشديد على نموذج التعقب للمواطنين مما سيزيد احتمالات حماية الحكم”.
في ذات السياق، تنامى الحديث في إسرائيل – بتشجيع أمريكي – عن ضرورة التفكير في الانفصال عن الصين، خاصة وأن إيران هي العدو الأكثر خطرا عليها. لكن هذا الإنفصال مكلف جدا حيث بلغت المعاملات التجارية الصينية – الإسرائيلية في العام 2018 مقدار 15.3 مليار دولار، بارتفاع بمعدل 4.400 % من العام 1995. كما أن الصين حددت التكنولوجيا العليا الإسرائيلية كمصدر تكنولوجي حيوي في بناء أسلحة للجيل القادم، حتى وإن كان تحت غطاء استثمارات “مدنية”، كما يرى عديد الإسرائيليين. فضلا عن كل هذا فإن الولايات المتحدة، الحليف والداعم الأكبر لإسرائيل، ترى في إيران العدو الأكبر اليوم ويمكن للصين أن تستخدمها كسلاح في المنافسة العالمية.
يرى المحلل العسكري الإسرائيلي (رون بن يشاي) أن الاتفاق الصيني/ الإيراني يمكن أن يغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط: “ما يهمنا بصورة خاصة ويهم الأمريكيين أيضاً هو الفصل في الاتفاق المتعلق بالتعاون التكنولوجي والعسكري، حيث ستقيم الصين في إيران شبكة اتصالات خليوية من الجيل الخامس G5، وتحصل إيران على وصول مباشر إلى شبكة أقمار الـGPS الصينية/ “بايدو”. ويتحدث الاتفاق أيضاً عن أبحاث عسكرية مشتركة، وتعاون استخباراتي مشترك”. ويضيف: “بند الدفاع السيبراني تداعياته ستكون واضحة على إسرائيل. الصين لن تحصل فقط على اقتصاد إيراني وصناعة طاقة إيرانية خاضعة لها إلى حد كبير، بل أيضاً على القدرة على نشر نفوذها في كل أنحاء الشرق الأوسط بواسطة علاقات إيران في المنطقة”.
“المراهنة في إسرائيل، على العقلانية الصينية، وبالتالي نجاحها، عبر الاتفاق، في كبح طهران بصورة غير مباشرة لمصلحة إسرائيل”، وفقا لما يراه الكاتب الإسرائيلي (عاموس هرئيل). فالصين تسعى وراء الاستثمار ولا ترغب في التواجد في منطقة قد تكون ساحة مواجهة عسكرية أو سيبرانية كبيرة. بالمقابل، تبقى سياسة بيجين قائمة على الامتناع عن التدخل، كما في كوريا الشمالية وسوريا. في الإطار، تقول الدكتورة (داليا ديسا – كاي) مديرة “مركز سياسات الشرق الأوسط” في “معهد راند الأمريكي”: “شخصيات كبيرة إسرائيلية تشخص أن إيران معزولة في الساحة الدولية وموجودة في موقف ضعف. الاندماج ما بين سياسة الضغط بالحد الأعلى التي تمارسها إدارة ترامب على إيران، وكورونا، وموت سليماني، كلها تحث إسرائيل على ممارسة ضغط خاص بها على النظام الإيراني”.