حديث القدس
أثبتت حقائق التاريخ والثورات العالمية ان الرهان فقط يجب ان يكون على الشعوب وليس على الحكومات خاصة في هذه المرحلة التي تغلبت فيها المصالح الشخصية والحزبية على المبادىء والقيم والاخلاق، فالشعوب هي وحدها التي حققت وتحقق المنجزات، وان اي قيادة مهما كانت مخلصة، ومدافعة عن الحقوق، ان لم تستند الى شعبنا فلن تستطيع تحقيق منجزات على ارض الواقع.
وهذا الامر ينطبق على وضعنا الفلسطيني، فالشعوب هي صانعة التاريخ، مع عدم اغفال ان القيادة المخلصة لها ايضاً دور في صناعة هذا التاريخ، فالثورة الفلسطينية المعاصرة حققت انجازات مهمة، عندما كانت علاقاتها مع شعبها خاصة ومع شعوب الامة العربية والاسلامية عامة، علاقات قائمة على استعادة الحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
فشعوب الامة العربية والاسلامية ممثلة بحركاتها الوطنية والتقدمية والمناهضة للاستعمار والرجعية المرتبطة مع الدول الامبريالية، استطاعت الثورة الفلسطينية، من خلال العلاقات معها من المساهمة في تحقيق اعتراف الدول العربية والاسلامية بهذه الثورة وبمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعبنا في كافة اماكن تواجده وفرضت على الحكام العرب تقديم العون والمساعدة لها على كافة الاصعدة. ولكن عندما اخذت الثورة الفلسطينية بالاعتماد على الانظمة الحاكمة وقلصت، بل وشطبت علاقاتها مع الاحزاب والحركات الوطنية، الداعمة في الساحات العربية، وصلنا الى ما وصلنا اليه الآن، لأن معظم الانظمة العربية، ان لم نقل كلها، تتطلع الى مصالحها الخاصة، قبل ان تتطلع الى القضية الفلسطينية بصفتها القضية المركزية وقضية العرب والمسلمين الاولى، لأن فلسطين هي ليست للفلسطينيين وحدهم، بل هي جزء من الامة العربية والاسلامية وان مهمة الدفاع عنها وحمل لوائها هي مهمة الامة العربية والاسلامية جمعاء.
ففلسطين تمثل قلب الامة العربية وان بقاءها تحت نير الاحتلال يعني عدم قيام أي قائمة لهذه الامة، بل على العكس من ذلك ستبقى مقسمة ومجزأة، تتلاطمها وتتقاذفها الامواج، وتحدد مصيرها ليس شعوبها، بل الولايات المتحدة الاميركية حليفة دولة الاحتلال وداعمتها الرئيسة في كافة المجالات والصعد.
ان على القيادة الفلسطينية وبقية فصائل العمل الوطني وفي ضوء المؤامرات التي تستهدف القضية، وهرولة التطبيع مع الاحتلال، على حساب شعبنا وقضيته المركزية، إعادة النظر في سياساتها واعادة الاعتبار لعلاقاتها مع الاحزاب والقوى العربية والاسلامية التقدمية، فهذه الاحزاب والقوى الممثلة لجماهير امتنا العربية هي التي يمكننا الاعتماد عليها وليس على الحكام الذين في معظمهم يفضلون مصالحهم الشخصية على مصلحة الامة والقضية.
ولذا فإن على القيادة الفلسطينية وبقية فصائل العمل الوطني إعادة النظر ليس فقط في علاقاتها التي شهدت تراجعاً مع هذه الاحزاب والقوى التقدمية العربية والاسلامية، بل وفي مجمل سياساتها تجاه الانظمة العربية خاصة والاسلامية عامة، لأن هذه الانظمة أو معظمها لا يمكن مواصلة الاعتماد عليها أو مواصلة إقامة علاقات متينة معها.
وهذا لا يعني قطع العلاقات نهائياً مع هذه الانظمة، بل إقامة علاقات مع شعوبها من أجل الضغط عليها، لوقف هرولتها نحو التطبيع مع الاحتلال الذي يعمل على ايجاد شرخ عميق بيننا وبين امتنا العربية والاسلامية.