أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات الدولية ضد إيران والتي تم إلغاؤها وفق الاتفاق النووي عام 2015، المعروف بخطة العمل المشتركة الشاملة، لكن أطراف الاتفاق، بما في ذلك الصين، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والمملكة المتحدة، تقول إن الولايات المتحدة لا يمكنها بصورة أحادية تطبيق آلية معاودة فرض العقوبات لأنها انسحبت من الاتفاق النووي عام 2018.
وترى إدارة دونالد ترامب أن هذه الخطوة أساسية لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، وصدر أمر تنفيذي في 21 أيلول/سبتمبر بفرض عقوبات جديدة على أكثر من 20 من الأفراد والكيانات التي لها صلة بدعم برامج الأسلحة الإيرانية.
لكن هل ترتكز الحكومة الأمريكية على مبرر قانوني لاستخدام آلية معاودة فرض العقوبات؟
يقول ديفيد شيفر، الخبير القانوني، الذي شغل منصب مدير مركز حقوق الإنسان الدولية بكلية برتسكر للقانون بكلية الحقوق التابعة لجامعة نورث ويسترن الأمريكية، وأحد كبار زملاء مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي إن الإجابة على هذا السؤال تعتمد على كيفية تفسير المرء لخطة العمل المشتركة الشاملة وقرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي كرس الاتفاق النووي.
فهناك رأي قانوني لوزارة الخارجية الأمريكية يقول إن عبارة “مشارك في خطة العمل المشتركة الشاملة” ثابتة في القرار2231 وتشمل الولايات المتحدة، مما يمنحها حق المطالبة بتطبيق آلية معاودة فرض العقوبات بغض النظر عن وضعها الحالي بالنسبة للاتفاق. وترى وزارة الخارجية أن الأمر الأساسي هو القرار 2231 وما تخول صياغته الحرفية الولايات المتحدة القيام بعمله، لا سيما اللجوء لآلية معاودة فرض العقوبات.
ويقول شيفر في رأيه الذي نشره مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث أمريكي مستقل، إن الرأي المضاد لذلك هو أن الولايات المتحدة لم تعد “مشاركة” في الاتفاق النووي حيث أنها انسحبت عمدا وبشكل قاطع من الاتفاق. ولكن محاميي وزارة الخارجية يصفون الولايات المتحدة بأنها دولة “مشاركة في الاتفاق” عندما يحتاجون إلى تبرير اللجوء لآلية معاودة فرض العقوبات.
وفي حقيقة الأمر فإن الاتفاق النووي والقرار 2231 مرتبطان معا ارتباطا وثيقا، فالقرار لم يكن ليوجد بدون غرضه الأساسي وهو تطبيق وتنفيذ الاتفاق.
ونص القرار قائم على أساس الاعتراف بالاتفاق النووي كأساسه التوجيهي. وحول ما إذا كانت إيران تنتهك الاتفاق النووي، أكد شيفر أن هذه حقيقة وأن الوضع يتدهور.
وكشفت رابطة الحد من التسلح الأمريكية أن إيران تنتهك القيود المفروضة على المخزون بالنسبة لليورانيوم المخصب والماء الثقيل، كما أنها تتجاوز الحد المفروض على تخصيب اليورانيوم، وتستأنف التخصيب في منشأة فوردو، وتتخلى عن القيود العملياتية على برنامجها النووي.
وخلصت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حزيران/ يونيو الماضي إلى أن إيران تنتهك جميع بنود الاتفاق النووي، رغم أن إيران تقول إنها تفعل ذلك من أجل الاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة. وهذه الانتهاكات ظهرت بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات، والذي تقول إيران إنه يخولها “وقف أداء التزاماتها وفق خطة العمل المشتركة الشاملة” بمقتضى المادة 26 من الاتفاق.
وفيما يتعلق باحتمال أن تكون هناك تداعيات بالنسبة للموقف الدولي الأمريكي بسبب اللجوء لمعاودة فرض العقوبات، قال فيشر إن رد الفعل السلبي تجاه جهود إدارة ترامب لتطبيق آلية معاودة فرض العقوبات واضح في كم الانتقادات التي وجهت إليها وكيف رفضت أطراف الاتفاق النووي ومجلس الأمن أساسا الموافقة على الخطوة الأمريكية.
ومن المرجح أن يسفر فرض أي عقوبات ثانوية عن إجراءات اقتصادية ودبلوماسية انتقامية من جانب أقرب حلفاء الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الصين وروسيا. ولا شك أن رد فعل الحلفاء، والأصدقاء، والأعداء سيزيد من تقويض المحاولات الأمريكية لتشكيل جهود دولية جديدة.
وأكد فيشر أن هناك ثلاثة مبادئ في القانون الدولي تدحض زعم وزارة الخارجية الأمريكية أن لها الحق في طلب تطبيق آلية معاودة فرض العقوبات.
والمبدأ الأول منصوص عليه صراحة في الاتفاق النووي وهو أنه يتعين على الدول التصرف بــ” حسن نية”، وهو ما تم انتهاكه عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق ثم سعت إلى تطبيق آلية معاودة فرض العقوبات.
ومبدأ القانون الدولي الثاني هو “الأيدي النظيفة”، وهو يعني أن أي دولة تظهر سلوكا غير قانوني محرومة من القيام باتهام دولة أخرى بارتكاب سلوك غير قانوني، خاصة إذا كانت التصرفات غير القانونية للدولة الثانية ناتجة عن استفزازات من جانب الدولة الأولى. فالولايات المتحدة منذ انسحابها من الاتفاق النووي بصورة أحادية، سارعت بإعادة فرض كل العقوبات التي كانت قد ألغتها من قبل بمقتضى الاتفاق، وتخلت عن التزاماتها التي ينص عليها الاتفاق، ورفضت اللجوء لعملية حسم النزاعات وفقا للاتفاق، ومن المحتمل أنها دفعت إيران إلى تعديل أدائها الذي يقضي به الاتفاق. في ضوء كل ذلك تعتبر واشنطن قد تخلت عن”الأيدي النظيفة”.
والمبدأ الثالث هو” الإغلاق الحكمي” الذي يحظر على الدول التذرع باتفاق إذا ما فعلت ذلك بعد انتهاك ذلك الاتفاق أو بدون التصرف بحسن نية. فأي دولة دخلت اتفاقا دوليا تخاطر بفقدان حقوقها بمقتضى ذلك الاتفاق عندما تناقض تصرفا سابقا اعتمد عليه الطرف الثاني.
فالدول الأخرى أعضاء الاتفاق النووي وإيران اعتمدت بقوة على مشاركة الولايات المتحدة في تنفيذ الاتفاق النووي. لكن ترامب أنهى تلك المشاركة صراحة في عام 2018، ومن ثم تعتبر الولايات المتحدة محرومة من تأكيد حق اللجوء لآلية معاودة فرض العقوبات، المنصوص عليها في الاتفاق النووي والقرار 2231.
وحول إمكانية تأثير الانتخابات الأمريكية على فرض العقوبات، قال شيفر إنه إذا ما تم إعادة انتخاب ترامب فإنه سوف يضاعف العقوبات الأمريكية الجديدة ضد إيران والاستمرار في فرض العقوبات الثانوية على الدول والشركات التي تواصل التعامل التجاري مع إيران.
أما إذا نجح جو بايدن في الانتخابات فإنه قد تعهد بالعودة للانضمام للاتفاق النووي كنقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات، وصرح بأنه سوف يتخذ خطوات للتأكد من عدم عرقلة العقوبات الأمريكية لجهود إيران في مواجهة جائحة فيروس كورونا. وأكد شيفر أنه لن يكون مقبولا سياسيا من جانب القادة الآخرين معاودة انضمام بايدن للاتفاق النووي مع الإبقاء على العقوبات التي فرضها ترامب والتي لا توافق عليها أي دولة من الدول أعضاء الاتفاق النووي الإيراني.