بقلم:د. اسعد عبد الرحمن
مع اقتراب مرور عام كامل على جائحة كورونا في العالم، بدأنا نشهد تغييرات واسعة في نمط حياتنا الاجتماعي، حيث أرغمنا الحال على التنازل عن الكثير من مسلمات اندرجت سابقا تحت عناوين الحرية الشخصية. ذلك أنه منذ تعاظم الوضع الوبائي عالميا، وما واكبه من ضربات هزت الاقتصادات والحكومات، تسابق سياسيون ومفكرون وناشطون وغيرهم من الجهات الفاعلة على المستويين الدولي والإقليمي على قراءة مستقبل العالم والبشرية بعد الجائحة، وسط إجماع شبه مُطلق على أن الأمور لن تعود كما كانت عليه في السابق. ومع متابعة مجمل ما يتحدث فيه ويكتبه هؤلاء، لربما من أهم المتغيرات في زمن “ما بعد كورونا” أن غالبية التيارات السياسية في الدول الديمقراطية الغربية قد دخلت في حالة طوارئ نتيجة الضرر الاقتصادي والإنهيار الاجتماعي.
(1) يرى البعض أن الجائحة ستقوي هيمنة الدول وتعزّز توجهاتها القومية الخاصة بها، وإن الفيروس سيسقط ما سمي سابقا “التكافل العالمي” على افتراض أن عديد الحكومات والأنظمة قد تبنت وستتبنى إجراءات طارئة لإدارة الأزمة بما يمنحها سيطرة أكبر لن تتخلى عنها بسهولة وأن الناس سوف تلجأ بالمقابل لحكوماتها. وعليه، فيما يراه هذا البعض، فإن العالم سيكون أقل انفتاحا وأقل ازدهارا وأقل حرية لأن الأنظمة السياسية ستبحث عن الاستقلالية والتحكم بمصيرها.
(2) يرى آخرون أن العالم سيشهد تسارعا في انتقال مركز القوة والنفوذ من الغرب، إلى دول آسيوية، وخاصة الصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية، بسبب قدرتها على السيطرة على المرض (بطرقها المختلفة) الأمر الذي حسن من صورتها مقابل صورة دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها، الأكثر تضررا، والتي اتسمت استجاباتها للجائحة بعدم الاستعداد والجاهزية، وبالتالي بالعشوائية والبلبلة والضعف.
(3) صحيح أن الجائحة لن تنجح في تغيير جوهر الاتجاهات الاقتصادية العالمية، ولكنها ستسرع التغيير الذي بدأ بالفعل، وهو الحياد عن العولمة المتمحورة حول الولايات المتحدة، نحو عولمة تبرز فيها الصين، التي جلبت لنفسها، مع العقود القليلة الماضية، انتعاشا اقتصاديا نتيجة المشاركة في الفعاليات العالمية. وفي السياق، ازدادت ثقة الصينيين بأنفسهم، فباتوا يعتقدون بأنهم يملكون القدرة على منافسة الجميع.
(4) بالمقابل، ستتسبب الجائحة في تقويض المبادئ الأساسية للتصنيع العالمي، حيث ستعيد الشركات التفكير بسلاسل التوريد متعددة الخطوات والبلدان التي تهيمن على الإنتاج اليوم، وستقلصها. وهنا، ليس مستبعدا تدخل الحكومات لإجبار الصناعات الاستراتيجية على توفير خطط احتياطيات محلية.
مع كل ما سبق، لا خلاف على أن جائحة كورونا (الأزمة العالمية الأكبر في هذا القرن) والتي نلحظ تحديها وأثرها المدمران على المجتمعات، لربما تجبر العالم على الاستجابة لدعوات التكافل الجمعي بين البشر. فمظاهر التضامن الإنسانية التي تتزايد يوميا ومنذ بداية الأزمة في معظم دول العالم، من السياسيين والطواقم الطبية والمواطنين، تظهر حسا إنسانيا عاليا بالتعامل مع الأزمة، ما يمكن أن يبشر بمستقبل أفضل.