بقلم: محمد الخطيب
كثيرة هي القضايا التي توحد شعبنا الفلسطيني بكل تلاوينه السيايسة ومكوناته الاجتماعية ، فالدماء الزكية التي خضبت ارض الوطن منذ بداية الصراع والى اليوم ، لهي اكبر وانقى من الصراعات الحزبية على الوصول الى سدة الحكم ، … وأي حكم هذا ونحن مازلنا نرزح تحت الاحتلال العسكري الاحلالي الذي ينفي وجودنا ويواصل هجومه على كل مقدراتنا في عملية اشبه بالاستئصال من الجذور” حي الشيخ جراح وقرية حمصة في الاغوار نموذجا ” ، لكن عبثا فهذه الجذور متشبثة في اعماق ارض الاباء والاجداد حتى آخر رمق .
ولعلني في هذه العجالة ، الخص القول بان القدس وعشية الانتخابات الفلسطينية المأمولة والتي من المقرر ان تبدأ في ايار القادم ، هي المدينة التي ستحسم الجدل حول اجراء الانتخابات او تأجيلها او الغائها في حال رفضت سلطات الاحتلال ان تتم العملية الديمقراطية في قلب المدينة وان يشارك المقدسيون فيها تصويتا وترشيحا . وهنا لا بد من الاشارة الى ان التصميم الفلسطيني الرسمي والشعبي على اجراء الانتخابات في القدس اصبح بمثابة عقد اجتماعي وليس مجرد شعار او “شماعة” كما يدعي البعض للهروب من هذا الاستحقاق ، على العكس من ذلك فانني ارى ومن خلال مراقبتي الدقيقة لهذه القضية المصيرية ان الشعب وقيادته موحدون على قلب رجل واحد في هذه المسألة، ذلك ان التنازل عن ممارسة الحق الانتخابي في المدينة المقدسة يعني بما لا يدع مجالا للشك التسليم بانها عاصمة دولة الاحتلال كما اقر من لايملك “ترامب” لمن لا يستحق “اسرائيل” .
لذا فان الحديث عن انتخابات بدون القدس هو محض “هراء” فالاجماع الفلسطيني واضح في هذا الخصوص . وهنا لابد من الشهادة الموضوعية للامانة والتاريخ بأن حركة ” فتح” ومن خلال الاتصالات التي أجريتها مع عدد من قياداتها شركاء النضال والقيد وبقية فصائل منظمة التحرير، اكدت بإجماع على ان القدس هي عنوان المواجهة القادمة في حال اصرت اسرائيل على موقفها الرافض للسماح لابناء المدينة بالمشاركة ترشيحا وتصويتا . فاما انتخابات شاملة لكل الوطن وفي مقدمته القدس واما مواجهة مفتوحة حتى تحقيق المطلب الفلسطيني الذي ليس منة من أحد بقدر ما هو حق مشروع لا جدال فيه .
من هنا ينبع صدق الموقف الفلسطيني ووحدته حول هذه القضية على الرغم من وجود اختلافات كثيرة في الرؤى والتكتيكات لبلوغ الاهداف الوطنية المشروعة وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير . فالقدس وان كنت أرى ان تمثيلها متواضعا في قائمة “فتح” الانتخابية وبقية القوائم الاخرى التي تسنى الاطلاع عليها بشكل غير رسمي ، الا انها تبقى هي اساس اجراء هذه الانتخابات من عدمه . وعلى ذلك، فإن السؤال المطروح على المجتمع الدولي وادارة الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن : هل يتصور احد منكم ان تسلم القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بقرار الرئيس السابق دونالد ترامب باعطاء القدس كهدية مجانية لاسرائيل والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال ؟ … الاجابة: هذا محض هراء مرة اخرى ، فالرئيس محمود عباس قال ” لا” لقرار ترامب وصفقته المشؤومة بصوت مرتفع والتف حوله الكل الفلسطيني معارضة ومولاة ، وتحملنا جميعا الثمن الكبير جراء هذا الموقف الوطني الصلب. ونحن نقولها مرة اخرى اننا مستعدون لمزيد من التضحيات من اجل القدس وسيادتها وعروبتها وفلسطينيتها ، فهذه مسألة حياة او موت بالنسبة لكل شبل وزهرة وشاب وشيخ وسيدة فلسطينية تودع ابنها الشهيد بالورد والزغاريد .
انني على ثقة بأن الاستحقاق الديمقراطي هو رغبة فلسطينية قبل ان يكون مطلبا دوليا ، فهذه المسألة شأن داخلي وان تأخرت الاستجابة اليه نحو ” 15 عاما” ،والمراقب للحراك الشعبي والفصائلي الذي يجري الان عشية اجراء الانتخابات ،يدرك مدى توق الجماهير الفلسطينية لقول كلمتها واختيار قيادتها بملئ ارادتها. عطفا على ذلك، فإن المقدسيين هم الاكثر حماسة للمشاركة في هذا الاستحقاق خاصة وانهم يدفعون يوميا أثمانا باهظة لصمودهم امام تنكيل الاحتلال بهم وعنصريته السافرة والتي فاقت التمييز العنصري في العصور البائدة .وعلى ضوء هذا ، فانني ادعو كل مقدسي له الحق في الانتخاب تصويتا وترشيحا ان يعلي صوته المنادي بتأمين هذا الحق المقدس له ، كما لا بد من تحرك دولي جدي وفاعل من اجل وضع حد لتدخل اسرائيل في الشأن الفلسطيني من جانب ولالزامها بتطبيق الاتفاقات السياسية الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية والتي جرت انتخابات 1996 و2006 على ضوئها . وحتى يأتي موعد الاستحقاق الديمقراطي، سيبقى “ضوء القدس الاحمر” مشتعلا الى ان تدق ساعة الحقيقة ويتوجه الجميع الى صناديق الاقتراع لممارسة حقهم الديمقراطي وليس الى ميدان المواجهة مع اسرائيل التي بدأت تطلق التهديدات بقطع العلاقات وفرض العقوبات على السلطة الفلسطينية في حال فوز ” حماس”، في خطوة استباقية تحريضة للعالم على شعبنا الفلسطيني الاعزل الا من ارادته ووطنيته الصادقة .