تحت وطأة الحصار الكامل عاش أهالي ست قرى وبلدة في جنوب نابلس، خاصة أهالي بلدة عقربا، حصارًا وعقابًا جماعيًا مضاعفًا، إلى أن أعلن الاحتلال ليل أمس الأربعاء، اعتقال المتهم بتنفيذ عملية إطلاق النار على حاجزة زعتر مساء الأحد الماضي، والتي أدت لمقتل مستوطن وإصابة آخرين.
باستثناء مدخل وحيد في بلدة بيتا جنوب نابلس خصصه الاحتلال لمرور أهالي قرى وبلدات “عقربا، ويانون، والمجدل، وبيتا، وأوصرين، وأودلا”، ضمن سياسة العقاب الجماعي لنحو 40 ألف إنسان يعيشون فيها، فقد أغلق الجيش بالسواتر الترابية والحواجز العسكرية جميع المداخل المؤدية لتلك القرى والبلدات ومنعت الدخول إليها أو الخروج منها. أما مدخل بيتا الوحيد فلم يكن يمر منه أحد حتى يخضع للتدقيق والتفتيش، وقد يضطر الشخص للمكوث عدة ساعات ليصل عمله في قرية مجاورة.
حصار وعقوبات جماعية
إجراءات الاحتلال تلك وخاصة في بلدة عقربا تأتي في سياق العقوبات الجماعية ومنع الحركة والتنقل، وفق رئيس بلدية عقربا، غالب ميادمة في حديثه مع “القدس”دوت كوم.
يقول ميادمة: “40 ألف إنسان رزحوا تحت وطأة الحصار في شهر رمضان، وفي أيام الاستعدادات لعيد الفطر، هذه عقوبات جماعية، ولو استمر الحصار فإن المستلزمات الأساسية كادت أن تنفذ وتؤدي إلى أزمة إنسانية، أما الحياة اليومية فكانت شبه معطلة، وعانى المرضى صعوبة التنقل، وكانت حياتهم وصحتهم مهددة بالخطر”.
بينما الصعوبة الأكثر شهدتها خربة “يانون” التابعة لبلدة عقربا والتي تبعد عنها نحو 4 كيلومترات وتسكنها 15 عائلة، حيث يوضح الناشط في حركة فتح في عقربا، ناصر غلاب لـ”القدس”دوت كوم، أن الأهالي هناك عاشوا تجربة عزل قاسية، فلم تصلهم أي خدمة، ومنع الاحتلال الدخول أو الخروج.
لا حرمة للمساجد والإفطار والسحور
وبعد اكتشاف سيارة في بلدة عقربا وعليها أثار إطلاق نار يشتبه الاحتلال أنها تعود للمتهم بتنفيذ “عملية حاجز زعترة” الإثنين الماضي، ثم أحرقها الشبان قبل اقتحام الاحتلال للبلدة، ومصادرتها لاحقًا، شهدت عقربا هجمة شرسة، ذاق فيها الأهالي الأمرين.
يقول رئيس بلدية عقربا غالب ميادمة: “إن قوات الاحتلال اقتحمت المنازل وفتشتها واحتجزت أصحابها في غرفة واحدة وأخضعتهم للاستجواب والإهانة والصراخ، وبعض من تشتبه بهم أنهم لهم علاقة بالمنفذ أو بمعلومات قد تقود إليه يتم إخضاعهم للتحقيق الميداني القاسي ويتعرضون خلاله للضرب والصراخ، وبعض الشبان جرى اعتقالهم لأنهم احتجوا على إهانتهم أمام عائلاتهم”.
لا حرمة لوقت فطور أو سحور لدى قوات الاحتلال، يؤكد ميادمة، الذي يشير إلى أن قوات الاحتلال كانت تقتحم المنازل في تلك الأوقات وتحرمهم من تناول الوجبات، بل إن الأصعب الاستجواب والإهانة في تلك الأوقات، دون ذنب سوى أنه عقاب جماعي.
كما تعرض المسجد الكبير في بلدة عقربا للاقتحام ولم تراعِ قوات الاحتلال حرمته بل دخل الجنود مراحيض المسجد ودنسوا ببساطيرهم سجاده وصعدوا على المنبر، وأرهبوا المصلين ولم يراعوا وجود المسنين في المسجد، بل احتجزوهم وسط الصراخ بهم، كما دنسوا مسجد أبي ذر الغفاري في البلدة أيضًا.
همجية في المداهمات
حملة عشوائية وهمجية نفذتها قوات الاحتلال في عقربا ونكلت بالكثير من أهالي البلدة وحولت منازل إلى مراكز اعتقال وتحقيق ميداني، واعتقلت منذ بدء الحملة 7 أشخاص بينهم السيدة أمل بني منيه والتي تم اعتقال زوجها عماد بني منيه أيضًا، وفق ما يوضحه الناشط في حركة “فتح” ناصر غلاب في حديث لـ”القدس”دوت كوم.
مواجهات وإصابات طفيفة بالرصاص المطاطي وإصابات بالاختناق وإصابات برضوض خلال الاعتداء على الأهالي تمت معالجتهم ميدانيًا كانت حصيلة حملة متواصلة لبلدة عقربا، تخللها تفتيش المنازل والمحال التجارية والأراضي المحيطة بالبلدة والمزارع، وتم خلع الأبواب وتكسير الأثاث بطريقة همجية، والاعتداء على أصحاب المنازل وإهانتهم والصراخ عليهم وشتمهم، وكذلك تمت مصادرة أجهزة تسجيل كاميرات المراقبة من عديد المنازل والمحال التجارية، يوضح غلاب.
ثلاثة أيام من زعم الاحتلال البحث عن منفذ “عملية إطلاق النار في حاجز زعترة”، اقتحمت فيها قوات الاحتلال غالبية أحياء بلدة عقربا، واقتحمت الأراضي المحيطة بالبلدة ومشطتها وفتشت مغرًا (كهوف) هناك، وحاصرت غرفًا زراعية “مبنية من الصفيح” وقذفتها بقذائف “أنيرجا” وأطلقت النار باتجاهها، ونادت عبر مكبرات الصوت على أي أحد فيها بتسليم نفسه، ثم فتشتها ودمرتها، لكنها لم تجد أحدًا وفشلت في مهمتها.
الصحافيون كذلك لم يسلمو من بطش الاحتلال خلال تغطيتهم الأحداث في عقربا، حيث منعتهم قوات الاحتلال التغطية، وصادروا الهواتف النقالة الخاصة بعدد منهم، وأطلقوا الرصاص باتجاههم، كما أطلقت قوات الاحتلال قنابل الغاز المسيل للدموع باتجاه الصحافيين، أصيب خلالها بعضهم بحالات اختناق عولجت ميدانيًا.
في المقابل، كانت منازل أهالي عقربا مفتوحة للصحافيين، حيث دعوا جنود الميدان للاستراحة والإفطار في منازلهم، في ظل ظروف صعبة، وكذلك في أجواء شهر رمضان المبارك.
وعقربا التي يعيش فيها 13 ألف نسمة، هي قرية كنعانية تاريخية يعود أصل تسميتها إلى الملكة الكنعانية “عقربا” أو “عقرباء”، وهي تعني بالكنعانية “الأشداء”، ويوجد في بلدة عقربا آثار رومانية من بركة رومانية، وبلدة قديمة تحت البلدة، وفيها 8 مقامات ومزارات إسلامية، والبلدة تطل على الأغوار الفلسطينية، فيما تشتهر بلدة عقربا بالثروتين الحيوانية والزراعية وتشتهر خاصة بالجبنة العقرباوية، وفيها مصنع أعلاف كبير ومصنع للباطون وآخر للطوب ومحاجر.