بقلم: حمادة فراعنة
من هو الإنسان الأكثر شجاعة في الحياة؟ هناك من يقول انه الإنسان الذي يتقدم نحو الانتحار، ويملك شجاعة قتل نفسه، هذا هو الواقع، ولكن علم النفس يقول إن الذي يقتل نفسه منتحراً هو المريض الذي لا يملك القدرة على مواجهة متطلبات الحياة، فيهرب منها نحو الانتحار.
في علم السياسة والنضال والثورة، هناك عمليات انتحارية أو استشهادية لجأت لها العديد من التنظيمات السياسية يمينية أو يسارية أو إسلامية أو غيرها ممن تملك مضامين عقائدية، ولكنها لم تحقق الانتصار في نهاية المطاف رغم التضحيات التي قدمتها والمغامرات التي أقدمت عليها، لأن القدرة على مواجهة العدو من قبل هذه التنظيمات تقتصر على أفراد أو جماعات محدودة، بينما الحركات السياسية التي تعتمد على الحشد الشعبي والفعل المتواضع التراكمي هو الذي يؤدي إلى تحقيق النتائج، لأن الأفعال تصدر عن القطاعات الأوسع من الناس المتضررين من أفعال العدو المتسلط، والنضال يعكس تطلعات الأغلبية نحو تحقيق الذات المرتبطة بالمجموع.
هذا ما يُفسر نجاح الانتفاضة الشعبية في فلسطين لأنها ملكت الزخم الشعبي الواسع المنظم أو شبه المنظم في مواجهة العدو المتفوق وهزيمته في الانتفاضتين الأولى 1987 والثانية 2000 .
في المعطيات المتقلبة والتجارب المريرة والرهانات المستمرة، وفي المواجهات المتقطعة بين الفلسطينيين المتحفزين في مواجهة عدوهم المحتل الذي يُقدم يومياً مبررات ودوافع للصدام معه ومقاومته، لم تعط النتائج المطلوبة، ولم تحقق الهدف المتمثل بانتفاضة ثالثة تعمل على تغيير قواعد اللعبة السياسية وصولاً نحو كنس الاحتلال.
مرات ومرات يقرأ المراقبون أحداثاً وأفعالاً تقول ها هي الانتفاضة الثالثة، ولكن النتيجة محبطة ولا تنفجر الانتفاضة الثالثة، ولا يتحقق النهوض الفلسطيني!
سلوك وسياسة وإجراءات المستعمرة، واستيطانها وتدمير لحياة واستقرار الفلسطينيين، ومصادرة ممتلكاتهم وهدم بيوتهم والاستيلاء على أراضيهم حوافز قوية للنضال، للانتفاضة، للثورة، ولكن النتيجة مخيبة للآمال رغم التضحيات والأفعال الفردية ذات الطابع البطولي الانتحاري، ولكنه الضار المؤذي للفرد المفضي إلى الموت المجاني، وبيانات الثناء من قبل الفصائل الفلسطينية على الفعل البطولي لهذا الفرد أو ذاك، ولكنها لا تعمل بما هو مطلوب منها، وهو قيادة الشارع نحو الانتفاضة الشعبية غير المسلحة ضد الاحتلال، لجعل الشعب الفلسطيني برمته مجنداً يومياً في مواجهة هذا الاحتلال.
حالة الاستئثار نتيجة الإنقلاب والانقسام والتفرد والهيمنة هو السلاح الثاني الذي يستفيد منه الاحتلال لمواصلة البقاء والتوسع والاستيطان والابتلاع التدريجي للأرض وتقليص مساحة العمل والسكن الفلسطيني.
والسلاح الثالث بيد المستعمرة الإسرائيلية بعد قوتها الذاتية أولاً والانقسام والاستئثار ثانياً، أما الثالث فهو التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب، والباقي تفاصيل.
الاحتلال الإسرائيلي يُقدم للفلسطينيين دوافع قوية لمقاومته شعبياً، ولكنه يسرق من الجهة الأخرى أهم سلاح بيد الفلسطينيين، يسرق منهم وحدتهم السياسية والبرنامجية، ويزرع لديهم فوضى نضالهم وبعثرة أدواتهم وغياب أولوياتهم، وتكرر المأساة، ويبقى الاحتلال ولا تتحرر فلسطين إلى الآن.