تقرير سنوي: سوريا أمام مؤشرات ومتغيرات عربية وإقليمية ودولية قد تفضي إلى انفراجات في العام المقبل

31 ديسمبر 2021آخر تحديث :
(211115) -- DAMASCUS, Nov. 15, 2021 (Xinhua) -- The autumn scenery is pictured in Damascus, Syria, Nov. 14, 2021. (Photo by Ammar Safarjalani/Xinhua)

خلال السنوات العشر الماضية من عمر الحرب في سوريا، ظلت المسألة السورية متأزمة وتراوح مكانها ولم تشهد أي تقدم ملحوظ باتجاه بلورة حل سياسي ينهي الأزمة المتواصلة منذ العام 2011.

لكن الحكومة السورية وبمساندة من روسيا تمكنت خلال تلك السنوات الماضية من أن تستعيد مساحات كبيرة من الأراضي التي كانت خارج سيطرتها، ما ساعدها في فرض شروطها بالمفاوضات التي كانت تجري برعاية الأمم المتحدة في جنيف.

وتمكنت الحكومة أيضا من تقليص سطوة الإرهاب على أراضيها ومحاصرته في مناطق محددة، ما عزز من موقفها في المفاوضات مع الدول الإقليمية لاستعادة ما تبقى من تلك الأراضي عبر الدول الضامنة لاجتماع أستانا وهي تركيا وروسيا وإيران.

وفي ضوء ذلك وخلال الأشهر القليلة الماضية من العام الجاري، بدأت بعض التحركات العربية نحو سوريا بعد سنوات من القطيعة، في مؤشر على أن هناك محاولات لفتح أفق باتجاه بلورة حل سياسي يفضي إلى إنهاء الأزمة المستعصية والمتشابكة.

وأعلنت جامعة الدول العربية في 12 نوفمبر من العام 2011 تعليق عضوية سوريا.

مؤشرات على فك العزلة عن سوريا

ففي الثالث من أكتوبر الماضي جرى اتصال هاتفي بين الرئيس السوري بشار الأسد والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، تناول بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين، كما أعاد البلدان فتح الحدود بينهما.

وبعد شهر من هذا الاتصال، قام وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، بزيارة إلى دمشق التقى فيها الرئيس السوري.

ويرى خبراء ومحللون سياسيون في سوريا في هذه الخطوات أن بعض الدول العربية أدركت في الآونة الأخيرة فشل سياساتها في التعامل مع المسألة السورية فراحت تصحح المسار.

وفي مؤشر دولي، جاءت تصريحات المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون عقب مباحثات مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في ديسمبر الجاري حول إمكانية طرح مقاربة جديدة تمنح العملية السياسية في سوريا دفعة قوية، لتنعش الآمال بوجود بارقة أمل بقرب التوصل إلى حل سياسي، خاصة بعد محادثاته مع دول عربية وغربية بينها الولايات المتحدة.

ورأى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق بسام أبو عبدالله، أن هناك بعض المؤشرات التي يمكن أن توحي بوجود بعض التغيرات في مسار المسألة السورية، هي “وصول دول العدوان إلى مأزق عام فيما يتعلق بالحرب على سوريا، وانكشاف أوراق هذه الحرب”.

وقال أبو عبدالله : “ثانيا، انكشاف الحصار الاقتصادي الإجرامي على الشعب السوري والذي بدأت تتضح معالمه بعد سنوات تحت لافتة تغير سلوك النظام السياسي في سوريا، وثبت أن هذا الأمر يدمر الواقع المعيشي للشعب السوري”.

وتابع “وأيضا انكشاف المناورات السياسية التي كانت تقوم بها بعض الأطراف الدولية تحت عنوان معارضة سياسية أو غير ذلك”.

وأشار أبو عبد الله، أيضا إلى التغير في مواقف بعض الدول، خاصة العربية، مشيرا إلى أن قلة قليلة من الدول العربية باتت تمانع عودة سوريا إلى الجامعة العربية وأخذ دورها الريادي.

وأوضح أستاذ العلاقات الدولية لوكالة أنباء ((شينخوا)) قائلا “نحن أمام متغيرات عديدة عربية وإقليمية ودولية، ولكنها ما تزال إرهاصات ولم تبرز نحو حل سياسي نهائي”.

وأعرب عن اعتقاده في أن يحمل عام 2022 بوادر عديدة أخرى، موضحا “أن الأمور تتجه نحو بوادر ومؤشرات قد لا تكون بطيئة، ولكنها تشكل عوامل تغير على صعيد المنطقة”.

ورأى المحلل السياسي السوري أن مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا قد تنعكس إيجابا على الملف السوري وعلى واقع الأمر بشكل عام.

بدوره، قال المحلل السياسي السوري غسان يوسف، إن هناك محاولات جادة لإيجاد بعض الانفراجات في تلك الأزمة المستعصية تسعى لها بعض الدول العربية والدولية.

وأوضح يوسف لــ(شينخوا) أن “العزلة لم تفك عن سوريا، ويمكن القول إنها فكت جزئيا، وأن السوريين يترقبون انعقاد القمة العربية في مارس المقبل في الجزائر لنرى كيف سيكون موقف الأشقاء العرب من عودة سوريا إلى الجامعة العربية على الرغم من أن دمشق حققت بعض الإنجازات ومنها رئاسة مجلس الطاقة العرب العام القادم”.

ورغم هذه التطورات على الصعيد السياسي للأزمة السورية، إلا أن سوريا مازالت تعاني تبعات السياسات الأمريكية “الجائرة”، وفق الخبراء.

وبحسب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق بسام أبو عبدالله، فإن “الحرب على سوريا كانت حربا عدوانية مولت لإسقاط النظام السياسي ونقل سوريا من محور وطني مستقل إلى محور خاضع للغرب وأمريكا”.

وغالبا ما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى ذلك عبر إدعاءات نشر الديمقراطية في الدول التي لا تتفق سياساتها مع السياسة الأمريكية، بحسب المحللين السياسيين، الذي أجمعوا على أن أنها “ديمقراطية مدمرة ولا تحقق الرخاء والسلام”.

وأوضحوا أن الدول التي حاولت الولايات المتحدة نشر الديمقراطية فيها مازالت تعيش في اضطراب وفوضى.
“ديمقراطية أمريكية مدمرة”

وقال أستاذ العلاقات الدولية بسام أبو عبدالله إن “الولايات المتحدة تحاول الاستمرار في استخدام سلاح الديمقراطية، وهي أحد أكثر الدول التي تعمل على قتل أي محاولات ديمقراطية لدى أي دولة أو شعب”.

وتساءل “من قال إن الديمقراطية هي نموذج أمريكي؟”، وأجاب بأن الديمقراطية تطبقها كل الدول في العالم وفقا لواقعها الاقتصادي، الذي ينسجم مع عاداتها وتاريخها وحاجاتها الوطنية وليست وفقا لوصفة أمريكية.

وأضاف أن “هذه الأداة وهذه اللغة أصبحت فاشلة مكشوفة ومفضوحة لأنها تمارس ضغوطا على الدول المنتخبة ديمقراطيا، وبالتالي هي تصنف الدول وفق خدمة تلك الأنظمة لمصلحة أمريكا .. وكل من يبحث عن مسار تحرري فأن أمريكا سوف تحاربه، وهذا ما وجدناه في منطقة الشرق الأوسط، وفي سوريا”.

وبين أبو عبدالله أن تعاون الدول الناهضة مع الصين وروسيا سيساعد كثيرا في إنتاج نظام عالمي متعدد الأقطاب، مؤكدا أن أمريكا تحاول تأخير ولادته.

من جانبه، انتقد المحلل السياسي غسان يوسف، ما تدعيه أمريكا حول نشر الديمقراطية في العالم، معتبرا أنه “هراء وكذب”، موضحا “أن الولايات المتحدة تتخذ من الديمقراطية شماعة لتدخل إلى الدول وتخربها من الداخل”.

ولعل الواقع الاقتصادي الصعب في سوريا خير دليل على التبعات السلبية للتدخل الأمريكي في البلاد.

فقد أفرزت الحرب على سوريا واقعا اقتصاديا صعبا، لكن العقوبات الأمريكية الجائرة على سوريا تركت آثارا سلبية كبيرة، وفاقمت من مأساة السوريين، وجعلت نسبة من هم تحت خط الفقر يصل إلى أكثر من 90 بالمائة، بحسب إحصائيات أممية.

وقدر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90 في المائة من إجمالي عدد سكان البلاد.

وكان عدد سكان سوريا قبل العام 2011 نحو 23 مليون نسمة، ونتيجة لظروف الحرب، تم نزوح وتهجير نحو 9 ملايين شخص، بحسب منظمات حقوقية.

وبحسب المحللين، لم تعاقب الولايات المتحدة، الدولة السورية وإنما عاقبت الشعب السوري وحرمته من الدواء والغذاء والمشتقات النفطية التي يحتاجها في حياته اليومية، مؤكدين أن هذه الأزمات ستجد طريقها إلى الحل بفضل جهود الدول الصديقة والحليفة لسوريا.

وقال المحلل السياسي السوري يوسف جعفر ل(شينخوا) إنه “بالرغم من الأزمات الاقتصادية التي تحيط بالمشهد السوري لجهة التضخم وتراجع قيمة الليرة السورية وانخفاض القوة الشرائية وارتفاع أسعار المحروقات، إلا أن المؤشرات توحي بأن هذه الأزمات في طريقها إلى الانفراج وإن كانت ليست بالسرعة المطلوبة”.

ورأى أن الرفع الجزئي لبعض عقوبات قانون “قيصر” عن الشركات الخاصة غير الحكومية الراغبة بالعمل في سوريا، بالإضافة إلى رفع العقوبات الأوروبية عن عدد من الشخصيات الاقتصادية سيساهم في حلحلة الواقع الاقتصادي المأزوم في سوريا وستسرع عملية الإنتاج المتوقفة.

وشاطره الرأي المحلل السياسي غسان يوسف، معتبرا أن ما فاقم الوضع الاقتصادي في سوريا هو قانون “قيصر” الذي أقرته أمريكا، مبينا “أن القانون الجائر حرم السوريين من الدواء”.

وأقر مجلس النواب الأمريكي بالإجماع في يناير 2019 “قانون حماية المدنيين” أو ما يعرف بقانون “قيصر” سيء الصيت، والذي ينص على فرض عقوبات على الحكومة السورية والدول التي تدعمها مثل إيران وروسيا لمدة 10 سنوات أخرى.