على الرغم من مرور 8 أيام على كارثة زلزال تركيا المدمر، إلا أن فرق الإنقاذ المحلية والدولية تعمل ليل نهار في عمليات البحث والإنقاذ وتتمكن بالفعل من وصول إلى ناجين أحياء تحت الأنقاض، بالتوازي مع عمليات انتشال جثامين الضحايا، وهي عملية يتوقع أن تتواصل طوال الأيام المقبلة لحين الإعلان رسمياً عن انتهاء عمليات التنقيب بالوصول إلى جميع المفقودين سواء كانوا أحياء أو أموات.
وإلى حين الوصول إلى كافة المفقودين تحت أنقاض المحافظات المدمرة، تبقى العديد من الاستحقاقات الكبرى والملفات الحساسة، مؤجل الحديث فيها على المستوى السياسي لتجنب الاتهامات المتبادلة بمحاولة استغلال الكارثة الإنسانية لتحقيق أهداف سياسية سواء من جانب الحكومة أو المعارضة التركية التي تنتظر “الوقت المناسب” لفتح ملفات كبيرة ضد الحكومة التي تقول إن الأولوية الآن لاستكمال عمليات البحث عن كافة المفقودين، وعلاج الجرحى وتوفير أماكن سكن مؤقت لأكثر من مليون مشرد تهدمت منازلهم بشكل كامل.
لكن عاجلا أم آجلا، تبدو الحياة السياسية التركية أمام مجموعة من الاستحقاقات الكبرى التي ستسيطر على أجندة الحكومة والمعارضة خلال المرحلة المقبلة وأبرزها التحقيق في مدى سرعة الاستجابة من قبل هيئة الإغاثة الحكومية، وتعامل الحكومة مع الكارثة في الساعات الأولى، إلى جانب ملف الفساد في البناء، وصولاً إلى الحديث عن ملف الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي لا يُعرف ما إن كانت سوف تجرى في موعدها المقرر سابقاً، أم سيتم تأجيلها.
سرعة الاستجابة
على الرغم من أن الحكومة التركية وعلى كل المستويات، سخّرت كافة إمكانيات الدولة طوال الأيام الماضية لإدارة أزمة الزلزال، إلا أن الكثير من الأسئلة لا تزال تطرح حول سرعة وقوة الاستجابة في الساعات الأولى للكارثة، وهو ما يقود إلى سؤال أكبر حول مدى الاستعداد في السابق لكارثة من هذا النوع.
ففي الساعات الأولى عقب وقوع الزلزال، شهدت البلاد حالة إرباك كبيرة، ولم تتمكن فرق الإنقاذ وهيئات الإغاثة من الوصول إلى المناطق المنكوبة بشكل سريع وتقديم المساعدة للمتضررين الذين اشتكوا من تأخر وصول أي هيئة رسمية إلا بعد ساعات طويلة، فيما خرجت شهادات من مناطق نائية ومدمرة بالكامل، تقول إن الهيئات الحكومية تمكنت من الوصول إليها بعد أكثر من يوم ويومين.
وبينما تعزو المعارضة الأمر إلى مشاكل كبيرة تعاني منها هيئة الإغاثة الرسمية (آفاد) المكلفة بالدرجة الأولى بالتعامل مع هكذا كوارث، حيث تلقت انتقادات لاذعة بعدم قدرتها على الاستجابة السريعة والقوية والمنظمة لأسباب عزتها المعارضة إلى تنصيب شخصيات غير متخصصة على رأس الهيئة، وضعف الاستعدادات، وقلة الإمكانيات على الرغم من حصولها على ميزانية كبيرة من الدولة، وجمع مليارات الدولارات عبر ما تعرف بـ”ضريبة الزلازل” التي تجبيها الحكومة من المواطنين منذ عقود لتخصيصها لصالح رفع القدرة على الاستعداد لمواجهة الزلازل وتقليل الخسائر.
في المقابل، اعتراف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحصول تأخير في سرعة الاستجابة، لكن كافة المسؤولين يؤكدون على أن هول الكارثة وضخامة قوة الزلزال وامتداده في عشر محافظات كبيرة مأهولة بالسكان، هو السبب الرئيسي في تأخر الوصول إلى بعض المناطق المنكوبة، حيث إن جهود فرق الإنقاذ تشتت بشكل كبير، ولم تستطع الوصول إلى كافة المناطق بنفس السرعة، معتبرين أن الأمر لا يتعلق بتقصير، بقدر ما يتعلق بضخامة الكارثة.
فساد البناء
بعد ساعات فقط من وقوع الكارثة، عاد إلى الواجهة بقوة ملف الفساد في البناء، مع انهيار عمارات سكنية ضخمة وحديثة، بعضها بنيت قبل عام واحد فقط. في المقابل صمدت عمارات سكنية قديمة جداً في وجه الزلزال وفي نفس المنطقة، الأمر الذي اعتُبر بمثابة دليل قاطع على أن بعض المباني التي تهدمت في الزلزال، لم تبنَ في إطار المواصفات الرسمية والقانونية للبناء من ناحية مقاومة الزلازل.
وعلى الرغم من أن هذا الملف يبقى مؤجلاً ولو قليلاً إلى حين انتهاء عمليات الإغاثة العاجلة، وانتشال الجثث والبحث عن ناجين محتملين تحت الأنقاض، إلا أن محاولة عدد من المقاولين وأصحاب المباني المدمرة الهروب خارج البلاد، فتح الملف مبكراً، ودفع نحو إجراءات مشددة لمنع هروبهم، حيث بدأت بالفعل حملة اعتقالات واسعة ضد متعهدي بناء مشاريع سكنية انهارت في الزلزال، وإلى جانب عدد من كبار المتعهدين الذي اعتُقلوا خلال محاولتهم الهروب خارج البلاد براً أو جواً، كما تجري حملة اعتقالات واسعة ضد عشرات من متعهدي البناء.
وفي هذا الإطار، شكلت وزارة العدل التركية ووزارة الداخلية وحدة خاصة لمتابعة قضية الفساد في عمليات البناء. وفي إطار قانون الطوارئ المعلن في المحافظات المنكوبة، يجري استصدار قرارات اعتقال سريعة بحق كل المشتبه بهم، في حين أكدت مصادر رسمية، أن وزارة الداخلية تعمل على حماية كافة الأدلة في المناطق المنكوبة، ومراقبة أي محاولة لإخفاء أدلة موجودة في مواقع المباني المهدمة. كما أكدت مصادر رسمية أن عمليات إزالة الركام لن تبدأ قبل أن يتم جمع كافة الأدلة اللازمة لمواصلة عمليات التحقيق.
ولا يتوقع أن يبقى الأمر في هذا الإطار، مع ضغط المعارضة باتجاه فتح الملف بشكل أوسع ليشمل إهمال الحكومة والمسؤولين الذين وافقوا على البناء بشكل لا يتوافق مع المعايير الرسمية، وليس فقط محاسبة متعهدي البناء، حيث حصلت هذه المباني على التراخيص اللازمة مع أنها لا تتوافق مع المعايير الحكومية، وهو ما يشير إلى إمكانية وجود فساد من قبل مسؤولين محليين أو إهمال عام من قبل الوزارات المعنية.
تأجيل الانتخابات
يصادف اليوم، 13 فبراير، الموعد الذي حدده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإصدار مرسوم رئاسي يقضي بتقديم موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية لتجرى في الثالث عشر من مايو/ أيار المقبلن بعد أن كانت مقررة رسمياً في الثامن عشر من يونيو/ حزيران.
لكن وعقب وقوع كارثة الزلزال، لا يُتوقع على الإطلاق أن تجرى الانتخابات لا في موعدها الجديد أو السابق، حيث تشير كافة المعطيات إلى أن الحكومة ستتجه نحو الإعلان عن تأجيل الانتخابات في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وهو ما سيفتح الباب واسعاً أمام صدام سياسي كبير جداً بين الحكومة والمعارضة، التي يتوقع أنها ستضغط بقوة نحو إجراء الانتخابات في موعدها الأصلي.
وبينما ترى الحكومة أن الوقت مبكر جداً للحديث في أي ملفات سياسية، وأن الوقت الحالي هو فقط للتركيز على عمليات الإنقاذ وإغاثة منكوبي الزلزال، بدأت المعارضة تلوّح إلى أن لا شيء سيمنع إجراء الانتخابات في موعدها المقرر سابقاً، وهو ما يشير إلى أن ملف الانتخابات سيكون محل صدام كبير بين الحكومة والمعارضة خلال الأسابيع المقبلة، حيث يتوقع أن تتهم المعارضة الحكومة بالفشل في إدارة أزمة الزلزال للضغط نحو إجراء الانتخابات، وهو ما تعول عليه في تعزيز فرصها لإنهاء 20 عاماً من حكم أردوغان، الذي لا يتوقع أن يمنحها هذه الفرصة في الوقت الحالي.