مساعي اللحظة الأخيرة لمنع “ارتطام القطارين الإسرائيليين المتسارعين”

قبيل ساعات من المصادقة النهائية على مشروع قانون إلغاء المعقولية في الكنيست الإسرائيلي دون توافق، تزامناً مع تصاعد الاحتجاجات والسجالات الداخلية، يُجري الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ مشاورات واتصالات لمنع “ارتطام القطارين الإسرائيليين” المتسارعين.

وتُواصل قطاعات إسرائيلية مختلفة الانضمام للاحتجاجات للضغط على الائتلاف الحاكم، إذ تواصل تشكيلات عسكرية في الاحتياط إعلان وقفها للتطوع والخدمة العسكرية، آخرها وحدة سرية جداً تابعة لسلاح الجو. كما أعلنت 250 شركة كبرى عن الإضراب. فيما تواصل نقابة العمال العامة المشاورات والوساطة بين المعسكرين المتصارعين، وسط احتمالات أن تعلن الإضراب العام اليوم.

حملت وزيرة المواصلات على “العساكر المتمردين”، ودعت لاعتقالهم، فيما وُصفوا بأنهم “غربيون مدللون ويبحثون عن امتيازات”.

وفي الأثناء تستمر عملية تبادل التهم والتراشق، فقد حملت وزيرة المواصلات ميري ريغف على “العساكر المتمردين”، ودعت لاعتقالهم، فيما نعتتْهم جهات حكومية، أو مؤيدة للحكومة، بأنهم “غربيون مدللون ويبحثون عن امتيازات”.

من جهته، قال نائب الوزير في ديوان رئاسة الوزراء آفي معوز، رئيس حزب “نوعم” الديني، إنه ينبغي شطب كلمة “يهودية” من تعريف إسرائيل كـ “دولة يهودية ديمقراطية”.

وقبيل المصادقة على قانون إلغاء حجة المعقولية، التي تحدّ من صلاحية المحاكم بالتدخل في قرارات الحكومة، يزداد الخطاب حدة، وتتفاقم لهجة الكراهية، وتتكشف توترات دفينة متراكمة بين شرقيين وغربيين، وبين نخب قديمة ودولة عميقة من جهة، ونخب جديدة.

صراع على ديمقراطية لليهود
يرى المؤرخ الإسرائيلي يورام ميتال، المحاضر في جامعة بن غوريون في بئر السبع، أن الصراع يدور بين نخب قديمة وجديدة، لكنه يؤكد أن ما أدى لتفجيره الآن محاولة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو النجاة من محاكمته بتهم فساد، من خلال إضعاف الجهاز القضائي و”حراس العتبة” و”الكوابح” من المحكمة إلى النيابة العامة والصحافة وغيرها والانتقام منها.

ويرى ميتال أن التطورات الداخلية في إسرائيل هي نتاج مسيرة تَفاقُم التوجهات الفاشية والقومجية في السنوات الأخيرة.

ويستذكر ميتال أن الصراع يدور على ديمقراطية لليهود بالأساس، لا للعرب، فلسطينيي الداخل. ويتساءل: لماذا صمتت هذه القوى الديمقراطية عندما بادرت حكومة نتنياهو السابقة لتشريع قانون القومية الذي جعل إسرائيل دولة لليهود، ولتكريس الاستعلائية اليهودية؟

مقترح جديد للتسوية
هرتسوغ العائد من زيارة للولايات المتحدة، وسبق أن أخفقت مساعي وساطته، قبل شهور، يقترح، في تسوية جديدة، أن يتم تقليص جزئي فقط لحجة المعقولية، بحيث يمكن للمحكمة أن تلغي قرارات حكومية غير معقولة، شريطة ألّا تكون رسم سياسات عامة. كما تقضي التسوية المقترحة بتعليق التشريعات لفترة زمنية، يلتزم فيها الائتلاف الحاكم، صاحب الأغلبية البرلمانية، بعدم طرح مشاريع قوانين تغير النظام القضائي والسياسي.

من جهته قال رئيس المعارضة يائير لبيد إنه يوافق على التسوية القاضية بعدم شطب قانون إلغاء المعقولية، إنما تقليصها، لكنه يشترط موافقته بتعليق التشريعات لمدة سنة ونصف السنة.

وتفيد تسريبات صحفية إسرائيلية بأن نتنياهو، الذي يلتزم الصمت في الساعات الأخيرة، ويمكث في المستشفى، اليوم، لتثبيت ناظم قلب اصطناعي، وحزبه “الليكود” يوافق مبدئياً على التسوية المقترحة، لكنهم يرفضون تعليق الإصلاحات القضائية لأكثر من ثلاثة شهور.

في المقابل يرفض رئيس “الحزب الدولاني” بيني غانتس هذه التسوية، ويحذّر من عقد صفقات مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لكونه “غير جدير بالثقة”. وهذا ما يؤكده أيضاً قادة الاحتجاجات الميدانية، الذين يطالبون لبيد بعدم الموافقة على تسوية تُبقي قانوناً غير ديمقراطي على قيد الحياة- قانون تقليص حجة المعقولية.

وفي الميدان تتواصل المظاهرات الكبيرة داخل المدن، وليلة أمس شهدت تل أبيب مظاهرة واسعة لليمين المؤيد للحكومة ولخطة الإصلاحات القضائية، فيما شهدت القدس المحتلة مظاهرة واسعة في ذات الوقت لمعارضي الخطة.

خلافات الأسباط الإسرائيلية
وفي القدس المحتلة انضم لمظاهرة المحتجين رئيس إسرائيل السابق رؤوفين ريفلين، الذي سبق أن حذّر، في “خطاب الأسباط”، ضمن مؤتمر هرتزليا للمناعة القومية، عام 2015، من أن الانقسامات الداخلية في إسرائيل أخطر عليها من قنبلة إيران. ريفلين، وهو عضو سابق في حزب نتنياهو “الليكود”، قال في كلمته أمام المتظاهرين إنه قلق جداً على لحمة الإسرائيليين ومناعتهم، وتوجّهَ لنتنياهو بالقول، بلهجة غاضبة وساخرة: “بنيامين نتنياهو أنت القائد الذي يعتبر نفسه أعلى من دافيد بن غوريون، ويرى بنفسه زعيماً على مستوى الشعب اليهودي لا يقلّ أهمية عن سيدنا موسى، بادر فوراً لوقف هذه التشريعات وبادر لإنقاذ الشعب الإسرائيلي”.

تشريعات لنظام ديكتاتوري
وأكد رئيس المحكمة العليا سابقاً، البروفيسور أهارون باراك، رفضه المساس بحجة المعقولية، خلافاً لما يدّعيه نتنياهو بأنه مؤيد لهذا الإجراء، محذّراً من تسوية هرتسوغ. وقال إنها اتفاقية تكتب على كتلة ثلج، مشدداً على أن أي مساس بحجة المعقولية سيفتح الباب أمام تشريعات تفضي لنظام دكتاتوري.

وأضاف باراك، في حديث للقناة 12 العبرية، صباح اليوم: “أنا أعارض بشدة مشروع القانون الرامي إلى إلغاء أو تقليص حجة المعقولية، وإني على قناعة بأن مشروع القانون، في حال المصادقة عليه في الكنيست، سيضرّ بشكل خطير بالقيم الأساسية لإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، ويهدد بتقويض سيادة القانون، والحقوق الأساسية في إسرائيل، ونزاهة كل فرد في إسرائيل”.

الضرر بكفاءة الجيش
من جهته، يخرج قائد جيش الاحتلال هرتسي هاليفي عن صمته، ويبلغ القيادة السياسية بأن ضرراً حقيقياً سيلحق بكفاءة الجيش خلال الأربع والعشرين ساعة القادمة، في حال المصادقة على مشروع قانون تقليص حجة المعقولية، وفقاً لما أوردتْه “قناة 12” للتلفزيون الإسرائيلي.

ويواصل رئيس حكومة الاحتلال ووزير الأمن الأسبق إيهود براك حملته الشعواء على الائتلاف الحاكم، ويشكك بالتقارير والتسريبات عن حصول تقارب بين المعسكرين، مشدداً على خطورة قبول تسوية هرتسوغ.

وتساءل براك، في حديث للإذاعة العبرية العامة، صباح الإثنين: “ما الذي يكفل أن يفي نتنياهو بوعوده؟”. وتابع: “لذلك أتفق مع غانتس لرفضه التسوية المذكورة. إن مجرد وجود حجة المعقولية بحد ذاته أمر في غاية الأهمية، لأنها تستبطن قوة ردع للمحكمة العليا أمام السياسيين، وتساهم في ردع سياسيين من التورط بفساد خطير، ومن اتخاذ قرارات عشوائية وفق ما يحلو لهم”.

وانضم براك للتحذيرات من خطورة تطبيق هذا القانون، بحال صودق عليه مساء اليوم. وقال إن تبعاته ستقود فعلياً لتغيير النظام السياسي في إسرائيل، وتُحوّلها لديكتاتورية.

يتساءل بعض الإسرائيليين: لماذا صمتت هذه القوى “الديمقراطية” عندما بادرت حكومة نتنياهو السابقة لتشريع قانون القومية الذي جعل إسرائيل دولة لليهود، ولتكريس الاستعلائية اليهودية؟

ومع ذلك، وفي حال لم تقع مفاجآت جديدة، فإن الائتلاف الحاكم ذاهبٌ لتشريع أول قانون مهم ضمن سلة “الإصلاحات” القضائية، رغم كافة الضغوط الداخلية المتواصلة المتصاعدة، والضغوط الخارجية، التي انضم لها مجدداً الرئيس الأمريكي جو بايدن، حين قال، في حديث لموقع إخباري إسرائيلي (موقع “والا”)، إن التشريع الأحادي يمسّ بإسرائيل ومستقبلها وبهويتها.

وفي هذا اليوم، تشهد إسرائيل ساعات درامية غير مسبوقة، وسيكون فوز أحد المعسكرين المتصارعين فيها خسارة حقيقية لها، لأن ذلك سيعمق الخلافات وحالة التشظي العميق.

من غير المستبعد أن قادة الاحتجاجات والمعارضة يُغالون ويبالغون في تقديم صورة سوداوية، ويتحدثون بمصطلحات يوم القيامة، عن “خراب الهيكل الثالث”، أو نهاية الحلم الصهيوني الخ. ومن المتوقع أن تكون هناك حسابات سياسية وحزبية ضيقة ترتبط بالصراع على السلطة، ولكن، ومع ذلك، هناك اختلافات وخلافات خطيرة، وستبدو أكثر خطورة بحال عدم إحراز تسوية. لن ينهار “بيت العنكبوت”، في الشهر القادم، ولكن الأضرار دفينة، ولا تُرى، وستظهر في المدى البعيد، وأخطرها تفكك اللحمة الداخلية. وليس من قبيل المصادفة أن نِصفَ الشباب الإسرائيليين يفكرون بالهجرة، كما أفاد استطلاعُ صحيفة “معاريف”، قبل أسبوع، وليس صدفة أن هناك من يتندّر بلغة السخرية السوداء، والقول إن “إسرائيل دولة لشعبين”.

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

الكابينيت يصوت على إغلاق مكتب وبث قناة الجزيرة في إسرائيل

يصوت المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) مساء اليوم، الخميس، على إغلاق مكتب …