بمشاركة آلاف الإسرائيليين، ونحو 30 وزيراً ونائباً، أقيم في القدس المحتلة، ليلة أمس، مهرجان عنصري للتطهير العرقي تعالت فيه الدعوات لترحيل الفلسطينيين من البلاد “طواعية”، وسط تحفّظ خجول من قبل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وتساؤلات عن دور وموقف المحكمة الدولية في لاهاي.
وفيما تعاقبَ الوزراء والنواب وقادة المستوطنين على تقديم الكلمات الداعية لإحياء مستوطنات غوش قطيف، كان الجمهور الواسع يهتف: “أوسلو مات، وشعب إسرائيل حيّ”، إلى جانب هتافات طرد الفلسطينيين و”الموت للمخرّبين”.
المؤتمر، الذي تخلّلته رقصات الشماتة والكراهية، وحرّكته دوافعُ أيديولوجية وحسابات شعبوية/ انتخابية تخاطب أوساطاً إسرائيلية غاضبة حاقدة منذ السابع من أكتوبر، شمل أيضاً بعض الخطوات العملية، حيث فتح المجال لتسجيل الراغبين بالعودة لهذه المستوطنة أو تلك من بين مستوطنات “غلاف غزة”. كما فتح الباب لتسجيل الراغبين بتحقيق “فرصة واحدة بالعمر” بالمشاركة في بناء مدينة غزة “اليهودية” داخل القطاع، كمدينة تكنولوجية مفتوحة للجميع وتوحّد كل أطياف الإسرائيليين”.
21 مستوطنة بُنيت داخل القطاع بعد 1967 بمبادرة من قادة حزب “العمل” (اليسار الصهيوني)، وفُكِّكت ضمن خطة “فك الارتباط”، عام 2005، من قبل حكومة “الليكود”، برئاسة شارون (اليمين الصهيوني)
يشار إلى أن 21 مستوطنة بُنيت داخل القطاع بادرَ لبنائها بعد 1967 قادة حزب “العمل”، خاصة إسحاق رابين ويغئال ألون (اليسار الصهيوني) ضمن خطة “الأصابع الخمس”، وتم تفكيكها ضمن خطة “فك الارتباط”، عام 2005، من قبل حكومة “الليكود”، برئاسة أرئيل شارون (اليمين الصهيوني)،
الذي اختلفت التفسيرات حول قراره بتفكيك المستوطنات، بين من يقول إنها ثمرة استنتاجه باستحالة مواصلة التمسك بمستوطنات وسط بحر من الفلسطينيين، وبين من اعتبرها محاولة لصرف أنظار الإسرائيليين عن تورّطه وولديه في فضائح فساد.
العنصرية تيار مركزي في إسرائيل
وهذه المرة، وبخلاف اجتماعات عنصرية دعت وسعت للترانسفير، يأتي المهرجان بمشاركة 11 وزيراً و 15 نائباً، وليس فقط الوزيران إيتمار بن غفير وباتسلئيل سموتريتش. فقد شاركت وزيرة الاستيطان أوريت ستروك، ووزير الاتصالات شلومو كارعي، ووزير الإسكان يتسحاق غولدكنوبف، ووزيرة البيئة عيديت سيلمان، ووزير “المغتربين ومكافحة اللاسامية” عاميحاي شيكلي، ووزير الثقافة والرياضة ميكي زوهر، ووزير النقب والجليل والصمود الوطني يتسحاق فاسرلاوف، وغيرهم. ويبدو أن هذا التيار العنصري في إسرائيل سيحقق المزيد من النجاح في أيّ انتخابات قادمة، كما هو الحال في أوروبا، حيث تتوقع استطلاعات بازدياد قوة اليمين الشعبوي في انتخابات عامة ستجري بعد شهور.
وجاء مؤتمر العنصرية والتهجير، أمس، تتويجاً لحملة إسرائيلية انطلقت غداة الحرب على غزة، خاصة عقب التوغّل البري، في 27 أكتوبر الماضي، وقادتها حركة “نحالا” الاستيطانية، برئاسة المتطرفة دانئيلا فايس، ورئيس مجلس الاستيطان يوسي دغان، وبدعم وزراء ونواب. وقبل الحرب كانت الحملة قد بدأت في دوائر ضيقة، عقب فكّ الارتباط، عام 2005، بدءاً من 2007، وقادها وزيرُ الإسكان السابق من “الصهيونية الدينية” أوري أرئيل، الذي كان قد نشر صورة للحرم القدسي الشريف ثبتها في مكتبه، ويبدو فيها الهيكل المزعوم، بدلاً من الأقصى وقبة الصخرة.
موقف نتنياهو
قبل نحو أسبوعين، سُئل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عن موقفه، فاكتفى بالقول إن “الفكرة غير واقعية”، ولا يؤيّدها.
وأول أمس، سُئل مجدداً، عشية المهرجان العنصري ليلة أمس، فقال إنه “يتحفّظ من الفكرة، لكن هناك حقاً للوزراء والنواب بالتعبير عن مواقفهم”.
عندما سُئل مجدداً، في ذات المؤتمر الصحفي، عن تغيير موقفه، قال: “لا لم يتغيّر موقفي. سنبحث ذلك في الكابنيت”.
ونتنياهو بهذا الموقف المتلعثم والمبهم لا يعكس فقط رغبته بمجاراة شركائه العنصريين حفاظاً على ائتلافه الحاكم فحسب، بل يعبّر عن حقيقة جوهره السياسي الداعي للاحتفاظ بـ “أرض إسرائيل الكاملة”، كما يتجلى بوضوح في كتاباته وممارساته، منذ صدر كتابه الأول قبل ثلاثين عاماً: “مكان تحت الشمس”.
يعبّر نتنياهو عن حقيقة جوهره السياسي الداعي للاحتفاظ بـ “أرض إسرائيل الكاملة”، كما يتجلى بوضوح في كتاباته وممارساته، منذ كتابه: “مكان تحت الشمس”
حسابات الربح والخسارة
ويثير مؤتمر الترانسفير أصداءً واسعة في إسرائيل، اليوم الإثنين، حيث حَمَلَ مراقبون إسرائيليون على مهرجان الكراهية والعنصرية، وقالوا إنه سيضع الذخائر بيد أعداء إسرائيل ومحكمة العدل الدولية، وربما يقلّص شرعية الحرب على غزة في العالم، فيما جاء رفض عددٍ قليل منهم من منطلقات أخلاقية، لا من حسابات الربح والخسارة.
وهذه المرة لا تستطيع إسرائيل الرسمية الاختباء خلف الزعم أن مثل هذا الموقف الداعي لاقتلاع السكان الأصليين، المنافي للعدل والأخلاق والقانون الدولي والمنطق، هو موقف ينحصر في “هوامش متطرفة”، وذلك بعد مشاركة نحو 30 وزيراً ونائباً في هذا المؤتمر العنصري في القدس المحتلة، أمس.
وتبدي المعارضة الإسرائيلية معارضةً للمؤتمر، شعاراته ومضمونه، لكن بلغة خجولة، وفي نطاقها حَمَلَ النائب رام بن براك المعارض (حزب “يش عتيد” برئاسة يائير لبيد) على المؤتمر، وقال للإذاعة العبرية إن هذا المؤتمر سببٌ جديد للإسرائيليين للذهاب لانتخابات جديدة، وتغيير هذه الحكومة الخطيرة وغريبة الأطوار.
وتابع: “ينبغي عدم الاستخفاف بهم، فهم مجموعة عقائدية منظمة، شركاء في صناعة القرار، تدفعنا نحو الخراب. مجموعة متطرفين تملك خطةً واضحة، وغايتها الأخيرة دولة شريعة يهودية خالصة”.
يشار إلى أن رام بن براك نفسه كان قد كتب مقالاً مشتركاً مع النائب المتشدد من “الليكود” داني دانون، أيّدا فيه فكرة الهجرة طواعية لمن يرغب. وردّاً على سؤال، قال، اليوم، إنه لم يقصد ترحيل الفلسطينيين، بل تمكين من يرغب منهم بالهجرة لأقارب وأصدقاء في أستراليا أو أمريكا، ولكن بدون ضغوط”.
وحَمَلَ المعلق السياسي البارز في صحيفة “معاريف” والقناة 12 العبرية بن كاسبيت على المهرجان العنصري، وقال إنه فيما يرقص أعضاء الائتلاف الحاكم، هناك 25 عائلة إسرائيلية ما زالت داخل بيوت العزاء على فقدان أبنائها الجنود في حادثة المغازي، قبل أسبوع. وقال
بن كاسبيت أيضاً إن هذه المجموعة الهاذية الراقصة على الدم قد سدّدت ضربة إستراتيجية غير قابلة للإصلاح لإسرائيل، أمس، في الحلبة الدولية الحيوية جداً لاستمرار شرعية الحرب.
معلق إسرائيلي: هذه المجموعة الهاذية الراقصة على الدم سدّدت ضربة إستراتيجية غير قابلة للإصلاح لإسرائيل
وهذه المرة، وعلى خلفية القلق من ردود الفعل الدولية، خاصة بعد قرار لاهاي، أسمت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الولد باسمه: “اجتماع الترانسفير”، مع صورة لبن غفير وهو يرفع قبضة يده، بما يذكّر بقبضة معلّمه العنصري الأول الحاخام الراحل مئير كاهانا.
دولة أم عصابة
وتحت عنوان “دولة أم عصابة” تساءل المعلق السياسي البارز ناحوم بارنياع، اليوم، إنه عندما يتحدثون عن إحياء غوش قطيف وبناء مدينة غزة العبرية فإن السؤال: “ماذا مع مصير المليوني فلسطيني هناك؟”.
وعن ذلك يقول: “الجواب كان واضحاً على لسان بن غفير والمشاركين الذين ردّدوا معه: ترانسفير. عضو الكنيست العنصرية طالي غوتليب ليست نكتة، ولا حالة شاذة في إسرائيل، بل هي الكنيست، وهي الحالة الاعتيادية”.
رون بن يشاي: ذخيرة للاهاي
وحمل المحلل العسكري في موقع “واينت” رون بن يشاي، في مقال بعنوان “ذخيرة للمحكمة في لاهاي”، على “الاجتماع المضرّ” بمجرد التئامه، ثم بمضامينه، وهو يمسّ بالمجهود العسكري وبقدرة إسرائيل على الانتصار.
ويتابع بن يشاي: “على رئيس الحكومة والكابنيت أن يكونوا واعين للتبعات السلبية لهذا المؤتمر في كل المجالات: مجرد عقد الاجتماع وإسماع شعار “ترانسفير يدفع للسلام” يمسّ بمساعي الحرب، وبقدرة إسرائيل على كسب وقت كاف من أجل إنهاء القتال وتفكيك هياكل حماس”.
وما غالب إلا الله
ويحدث كل ذلك تحت شعار “حرية التعبير عن الرأي”، فيما يُمنَع فلسطينيو الداخل حتى الآن من التظاهر وممارسة حقهم الأساس في الاحتجاج على الحرب.
وفي التزامن، يصوّت البرلمان الإسرائيلي، اليوم، على طرد النائب الشيوعي عوفر كاسيف (الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة) لتوقيعه، قبل شهر، عريضةً تحذر من تورط إسرائيل في إبادة شعب (جينوسايد).
كما تتواصل حملة الملاحقة التحريضية على الفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة، التي بدأت مع بدء الحرب لمجرد كتابتها بعض كلمات من آية قرآنية “وما غالب إلا الله”. على خلفية نشرها ذلك اعتقلت وتلاحق وزوجها من قبل جهات رسمية وغير رسمية، ما دفع بصحيفة “هآرتس”، اليوم، لتكريس افتتاحيتها للموضوع داعية للكفّ عن ملاحقة أبو آمنة وزوجها طبيب العيون عنان عباسي.