الاحتلال يواصل حربه التدميرية المتصاعدة في جنين ومخيمها

24 فبراير 2024آخر تحديث :
الاحتلال يواصل حربه التدميرية المتصاعدة في جنين ومخيمها

منذ سنوات، وخاصة منذ انطلاق معركة “سيف القدس”، تصاعدت وتيرة المقاومة في مدينة ومخيم جنين، حتى أصبحت حاضنة للفعل النضالي المقاوم، خاصة بعد انطلاق المجموعات المسلحة المقاتلة بقوة وثقل كبير وجديد (كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، وكتائب شهداء الأقصى، وكتائب الشهيد عز الدين القسام وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى)، التي اعتمدت الكفاح المسلح كوسيلة في التصدي للاحتلال.
وقد رافق ذلك تطوير فصائل المقاومة الادوات والقدرات القتالية، خاصة مع ادخال سلاح العبوات الناسفة المصنعة محلياً التي اثارت غضب الاحتلال، نظرا لتجاربه السابقة مع هذه الاجنحة العسكرية للمقاومة خلال معركة نيسان الشهيرة عام 2002، فتحولت كل عملية توغل ومداهمة لاشتباكات مسلحة عنيفة ومواجهات بالعبوات الناسفة التي اصابت آليات الاحتلال العسكرية واعطبت العشرات منها، واسفرت عن مقتل واصابة العديد من الجنود، باعتراف الاحتلال الذي اعاد اللقب الشهير الذي اطلقه على مخيم جنين قبل 22 عاماً “عش الدبابير”.
وأمام فشل الاحتلال، ومع حرص المقاومة على تطوير وتعزيز قدراتها القتالية، خاصة فيما يتعلق بتصنيع العبوات، برز التحدي الأكبر والتحول الكبير ، باعلان المقاومة مدينة جنين والمخيم كمنطقة مغلقة يمنع دخول الاحتلال عليها، وهو ما استمر لاكثر من عامين، لم تتمكن خلالها دوريات الاحتلال من تنفيذ أي عملية داخل المخيم، فعاد لاستخدام اساليب القصف والاغتيال بواسطة الطائرات ، التي توقفت على مدار 16 عاماً.
ورغم اغتيال مجموعة من المقاومين ، استمر الصمود والمقاومة الاسطورية في مخيم جنين والمدينة ، حتى اطلق الاحتلال عمليته الحربية التي اطلق عليها “حديقة وبيت ” في شهر تموز من العام الماضي ، والتي ووجهت باسم فلسطيني هو “معركة بأس جنين”، فخاضت المقاومة مرة اخرى معارك شرسة مع الاحتلال الذي ارسل الف ضابط وجندي من وحداته المختارة، وارتكب مجزرة جديدة كان من معالمها، عمليات التدمير والاستهداف للبنية التحتية ولكافة مقومات الحياة والمباني والمنشآت.
ورغم ذلك، لم تتراجع المقاومة بل سجلت عدة ضربات نوعية ضد الاحتلال خلال حملاته التي لم تتوقف في جنين ومخيمها وعدة بلدات وقرى بالمحافظة، مثل قباطية ويعبد واليامون وجبع وكفردان والسيلة الحارثية، وكان من اهم معالم هذه المرحلة ، امتداد اجنحة المقاومة اليها، والاعلان عن ولادة مجموعات جديدة تبنت نهج كتيبة جنين ومضت على دربها وخطواتها ، فاصبحت سمة المواجهة في الريف هي الرصاص والعبوات .
في معارك المقاومة وعملياتها ، وحملات الاحتلال وجرائمه ، وثقت “ے”، ارتقاء 152 شهيدا في محافظة جنين، وسط تنامي واتساع دائرة الفعل المقاوم وروح النضال والمواجهة، التي لم تتراجع وتتأثر حتى بعد الاغتيالات واستخدام الاحتلال الطائرات المسيرة.
ولم تغب جنين عن المشهد بعد عملية طوفان الأقصى، وأعلنت الاجنحة العسكرية اصطفافها حول المقاومة وانخراطها في المعركة بعد الحرب على غزة ، فرد الاحتلال بعمليات وحملات واعتداءات لا تتوقف، واصبحت احيانا يومية ضمن دائرة العقاب الجماعي والانتقام في محاولة للنيل من المقاومة وضرب الحاضنة الشعبية التي أعلنت انحيازها ووقوفها خلف المقاومة، التي وجهت ضربات موجعة للاحتلال خاصة في عمليات “سرايا القدس” و “كتيبة جنين”، بتفجير دوريات “النمر ” بالعبوات الناسفة ، وقد كانت النتائج كارثية للاحتلال ، حيث تم تدمير الدورية الاحدث والاهم ووقوع جنود قتلى وجرحى.
في ظل هذا الواقع، وفشل الاحتلال في تدمير المقاومة والحد من قدراتها، انتهج سياسة التدمير والتخريب لكل مقومات الحياة، ونفذ عمليات اغتيال واعتقال ، وهدم واحراق منازل ، وتدمير البنية التحتية حتى لم يبق اي شارع في مخيم جنين دون ان يطاله التدمير.
ومؤخرا ، انتقلت حملة الاستهداف لشوارع مدينة جنين ، وقد وثقت “ے”، ارتقاء 96 شهيداً منذ طوفان الاقصى ، رافقها استهداف لذوي المقاومين باعتقال اولياء امورهم وتهديدهم بهدم منازلهم واغتيال ابنائهم. وفي الجانب الاخر تم تكبيد المدنيين خسائر فادحة في ممتلكاتهم ، وسط تهديدات اسرائيلية مستمرة بتكرار سيناريو عملية السور الواقي، وتنفيذ اجتياح شامل، رغم فشل الاجتياح الواسع الذي استمر 3 أيام في شهر تموز من العام الجاري.

ما الذي يجري في جنين ؟
أمام هذه الواقع ، يبرز السؤال الأهم : ما الذي يجري في جنين؟
يرد الكاتب والمحلل السياسي محمد فارس جرادات بالقول: “يحاول المحتل عبر اقتحاماته العسكرية لجنين، تكريس معادلة العدوان الوحشي على غزة، في التعامل مع البنية التحتية، مع تراجع نسبة الضحايا البشرية وسط المدنيين وكذلك المقاتلين، مع ارتفاع نسبة خسائر المحتل بين الجنود والاليات رغم تكتمه المكشوف، خاصة في الاقتحام الاخير”.
ويرى الباحث جرادات، أن معادلة جنين في استراتيجية الكتيبة والمقاومة، تتمحور حول مشاغلة ميدانية وضربات محدودة، ضمن سقف معين مرتبط بجغرافيا جنين، وبعدها عن التجمعات الاستيطانية.
وقال: “في وقت نجح المحتل بتحويل مخيم جنين الى اطلال، خاصة مع هطول الامطار، فلم يعد اهالي المخيم وما جاوره يستطيعون التحرك كما السابق عبر المركبات، وحتى المشي صار متعذرا بشكل كبير في كثير من حواري المخيم، وهو ما يحاول الاحتلال تمريره على بعض احياء المدينة وقلبها وسوقها، رغم عمليات الاصلاح المحدودة”.

تمرير اهداف اليمين ..
وربط الباحث جرادات ما يجري بمخططات واهداف الاحتلال، وفي مقدمتها مشروع التهجير كمشروع جوهري في العقل الاسرائيلي، ويقول: “يحاول نتنياهو مع اليمين المتطرف استغلال واقعة السابع من اكتوبر والتعاطف الغربي الكاسح في الشهر الاول، لتمرير عدة اهداف لليمين وحتى حزب العمل، وعلى رأسها تهجير اهالي غزة، واقامة مناطق عازلة حول المجمعات الاستيطانية في الضفة، وهو مشروع رسمي تقدم به سموتريتش، وشكل له نتنياهو لجنة حكومية رسمية”.
ويضيف: “لكن صمود غزة مع تصاعد المواجهة في الضفة خاصة شمالها مع عمليات نوعية تخرج من جنوبها تباعا، وفي ظل ضغط هجمات حزب الله اليومية منذ ٨ أكتوبر وتصاعدها، والازمة الامريكية في البحار وسوريا والعراق، يحول دون قدرة نتنياهو على تمرير التهجير في غزة وبشكل اكبر في الضفة، خاصة مع تصاعد حدة الرفض الشعبي العالمي للوحشية الاسرائيلية، بما فيها ما يجري في الضفة .”

نموذج جنين
ويؤكد جرادات، أن نموذج جنين واتساع المواجهات فيها في مواجهة كل توغل، وخاصة الاخير، يمثل حالة استعصاء تتعاظم في وجه المشاريع الاسرائيلية وابرزها التهجير، ورغم نجاح الاحتلال في عزل المخيمات جزئيا، وابرزها مخيم جنين، الا ان المواجهة الاخيرة واتساعها في أحياء جنين وريفها ربما يؤدي لحالة يأس اسرائيلية من تجاوز المستعجل الامني ليس الا، خاصة مع عملية حاجز الزعيم وتنفيذها من قبل طبيب ومهندسين من منطقة توصف بانها هادئة نسبيا، وهي بيت لحم.

سحب تجربة غزة
وحذر الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح ، من مخاطر السياسات الاسرائيلية في جنين ومخيمها وعدة مواقع في الضفة بما فيها القدس، التي ترتبط باهداف حكومة اليمين المتطرف والتي تحمل اثارا خطيرة ، وقال لـ “ے”: “الدعم الامريكي اللا محدود لدولة الاحتلال، فتح شهيتها للاستفادة القصوى من ذلك، ومحاولة الوصول بمشروعها حتى نهايته، وان الصمت العالمي عن المقتلة الدائرة على ارض قطاع غزة، وسعي دولة الاحتلال لاطالة أمدها وقدرتها على مواصلة كذبة الضحية، يوم السابع من اكتوبر، ومحاولة العودة مرة اخرى الى دور الضحية، ومقارنة السابع من اكتوبر بالهولوكوست، وقبول الولايات المتحدة وعصابتها بهذه الرواية، والوقوف معها، وعدم القبول برواية وسردية الواقع الحي في غزة بكل بشاعته، كل هذا فتح شهية نتنياهو وعصابته الى سحب التجربة في غزة على القدس والضفة الغربية”.
وأضاف: “الهدف الرئيسي لنتنياهو وعصابته، هو تحويل فلسطين بكل مكوناتها الى ارض غير قابلة للحياة لشعبها، ودفعهم للهجرة او الخنوع الجماعي، وفي هذا الاطار، يأتي ما يجري على ارض جنين وغيرها من قتل واعتقالات وهدم ومداهمات وتخريب للبنى التحتية وتدمير مصادر الرزق كوقف العمال ومصادرة المقاصة”.

الانقسام الفلسطيني
ورأى الكاتب الصباح، أن التركيز الاحتلالي، يدور على محورين: الاول، شمال الضفة الغربية الاكثر مساحة وسكانا، وغياب المستوطنات أو ندرتها، والثاني هو المخيمات التي تعتبر الشاهد الرئيس على الحق.
وقال: “هذا يلتقي مع الهجمة الهادفة الى الغاء “الاونروا”، والكارثة هذه تأتي في زمن تاييد غربي مطلق لدولة الاحتلال، وغياب تام للمجتمع الدولي الا من رحم ربي، الى جانب بقاء الحال الفلسطيني على حاله، منقسما في حين تقوم دولة الاحتلال بتجنيد روايتها لصالحها”.
واستدرك: “يبدو ان مستوى المقتلة ومستوى الانجاز الفلسطيني والصمود وحجم الدم، لم يتم الارتقاء الى مستواه فلسطينينا، سوى من المقاومة المنشغلة بالميدان دون ان تجد برنامجا وحراكا سياسيا بمستواها”.

استكمال لنهج العدوان
من جانبه ، اعتبر الكاتب والمختص في الشأن الاسرائيلي عصمت عمر عبد الحفيظ منصور، أن ما يحدث في جنين، هو استكمال لنهج الاحتلال العدواني تجاه شعبنا، وقال: ” لاحظنا بعد 7 أكتوبر، اشتداد هذه الهجمة ، وانها لا تقوم فقط على الاغتيالات والتصفيات والاقتحامات والاعتقالات، بل أيضا تخريب البنية التحتية، وهذا واضح ويعبر عن عقلية انتقامية”.
واضاف ” الاحتلال ينتقم من مخيم ومدينة جنين، ومن المقاومين في مخيم جنين وحاضنتهم الشعبية”.
واكمل “كذلك جنين والشمال عموما، تمتاز بانها بلد مقاوم خرج منها مقاومون ومناضلون كثر عبر التاريخ، ولذلك هم يريدون ان يستغلوا أجواء الحرب و7 أكتوبر، للقضاء على كل بؤر المقاومة وانهاكها والتنكيل بها من اجل منع هذه البؤر، ان تشكل خطرا على الاحتلال الإسرائيلي “.
و تابع: “هم أيضا لديهم عقيدة جديدة بعد 7 أكتوبر، تقوم على المسارعة لقمع اي تهديد محتمل بغية الردع، وعدم انتظار ان تقوى أو تكبر، ومهاجمتهم قبل ان يهاجمونا”.
وقال: “هذه العقلية برزت بعد 7 أكتوبر ، واعتقد انها تترجم في جنين ، بمعنى الاستباق، وشن حملات ومداهمات وعمليات عسكرية ومهاجمة المقاتلين والمقاومين قبل ان يستمدوا يتهياؤوا لتنفيذ هجمات او تشكيل أي خطر على الاحتلال”.

مخطط التهجير
ولم يستبعد المختص منصور، ان تكون عمليات التدمير كما يجري في مخيم ومدينة جنين مقدمة لمخطط تهجير على غرار ما يجري في غزة، وقال “واضح ان عقلية التهجير والايدلوجية القائمة على المحو والتهجير هي التي تتحكم بالسياسة الإسرائيلية، وكل مانراه هو عمليا مقدمة لتهجير، واذا لم يكن هناك تهجير واسع لكل الفلسطينيين، فان الاحتلال يسعى (على الأقل) لاخلاء المخيمات وافراغها ، وتهجير مناطق مستهدفة بالاستيطان، وبالتأكيد هذا جزء من فكر ونهج اليمين والحكومة الإسرائيلية “.

تصفية حاضنة المقاومة
وذهب المحلل والباحث المختص الدكتور أيمن يوسف، للتعبير عن قناعته بان إسرائيل تعيد تكرار ذات السلوك والمشهد مرة أخرى، من خلال الاقتحامات المنظمة والاعتقالات، ومحاولة للوصول الى المطلوبين واغتيالهم وتشديد الحصار واستهداف مخيم جنين وتصنيفه كحاضنة للمقاومة، وقال: “رغم القصف والاغتيالات كما حدث مع الشهيد عارف القدومي، الذي التحق وانضم للمقاومة في المخيم ، فقد امتدت وتنتشر على نطاق واسع في المخيم والمنطقة الشرقية من المدينة وغيرها من التجمعات، والاحتلال لا يستطيع الوصول لكل المقاومين، ولا يستطيع المواجهة الدائمة معهم كونهم منتشرين كافراد بشكل عشوائي هنا وهناك، وليس لهم وجود منظم بشكل كامل داخل جنين”. وأضاف: “بالتالي يصبح العمل الاستخباراتي اكثر صعوبة واكثر تعقيدا، لذلك ستستمر هذه العمليات في الأيام القادمة. اضف الى ذلك تدمير البنية التحتية، وما قامت به إسرائيل في قطاع غزة من تدمير البنية التحتية، وقتل المدنيين، واقتحام المستشفيات والاعتقالات، وتنفيذ ذلك ولو على نطاق اقل في مدن مثل نابلس وجنين وطولكرم، يعتبر عقوبات جماعية للقواعد الشعبية التي تصبح صديقة جدا مع المقاومين”.
واكمل “هذه العمليات ستستمر بوتيرة مختلفة وتزايد. ولعل العملية التي تمت امس الاول، بالقرب من حاجز الزعيم شرقي القدس بالقرب من معاليه ادوميم، تظهر ان هناك قرار لنقل المعركة للضفة الغربية، والى جنوبها. ومع استمرار الضغط على جنين وطولكرم ونابلس فان فتح جبهات أخرى وتنفيذ عمليات أخرى، سيخفف الضغط الإسرائيلي على هذه المناطق، رغم ان إسرائيل تستمر في عمليات الاقتحام والقمع والتدمير التي لم تتوقف”.

العقاب الجماعي ..
ورأى الباحث يوسف، ان مخطط التهجير غير وارد في جنين حاليا، لكن ما يجرى يعتبر جزءا من العقاب الجماعي، سواء من خلال تدمير البنية التحتية من الطرق وشبكات المياه والكهرباء، ومعاقبة الناس مع تركيز خاص على المخيم، واجبار المواطنين على مغادرة منازلهم للاستفراد بالمقاومة وضرب حاضنتها الشعبية.
وقال: “رغم حدوث عملية الطرد القسري عدة مرات ، لكنها فشلت واثبتت المقاومة اكثر من مرة بان مظاهر المقاومة مازالت موجوة، لذلك فان التركيز سيكون على هاتين المنطقتين، مع استمرار سياسة العقوبات الجماعية”.