جنين: الجرافات تدمر وتخرب ليلا ومداهمات الجيش تنشر الرعب وتشل الحركة والحياة

2 مارس 2024آخر تحديث :
جنين: الجرافات تدمر وتخرب ليلا ومداهمات الجيش تنشر الرعب وتشل الحركة والحياة

وسط أجواء الركود والدمار والخسائر الفادحة التي يتكبدها الاقتصاد الجنيني، بفعل سياسات الاحتلال التي ارتفعت بوتيرة متصاعدة منذ عملية طوفان الأقصى في الــ7 من اكتوبر المنصرم، تتعرض مدينة ومخيم جنين والبلدات والقرى المحيطة، لاستنزاف يومي، حتى أصبح لا يمر يوم دون مداهمات وتوغلات وعدوان، وبينما تستخدم قوات الاحتلال الجرافات طوال ساعات الليل، في تنغيص حياة المواطنين خاصة بتدمير البنية التحتية وخاصة الشوارع والمحلات والبسطات والعربات التي تعتبر مصدر الدخل الوحيد لمئات العائلات، فإن الاحتلال كثف من عمليات العسكرية وتحديداً التي تقودها وحدات المستعربين الخاصة خلال ساعات النهار وخاصة في الصباح الباكر، لتنشر الرعب والهلع، وتشل الحركة والحياة والنشاط الاقتصادي مما فاقم معدلات البطالة والفقر وضاعف الخسائر التي تزيد من الأعباء المالية على الحركة التجارة والمجتمع المحلي.


ويقول رئيس الغرفة التجارية الصناعية الزراعية عمار أبو بكر ” الاحتلال مستمر في استنزاف جنين ، وتدمير كل مقومات الحياة وتكبيد الاقتصاد الجنيني خسائر فادحة، أدت لاغلاق محلات ومؤسسات وإفلاس عدد من التجار الصغار، ولم تسلم الشركات والمؤسسات التي تعتبر عصب الاقتصاد المحلي من خسائر تتزايد مع ازدياد الاجتياحات والتوغلات وحملات التدمير”، وأضاف “الاحتلال يعمل وفق مخطط ممنهج لضرب جنين واقتصادها وبنيتها التحتية، الجرافات تدمر كل مقومات الحياة ليلا، والجيش والوحدات الخاصة تشن حرب ثانية خلال النهار ، مما يهدد بانهيار اقتصادي كامل “.


صباح يوم الخميس، وعندما كان المواطن خالد حسين، يفتح محله التجاري في شارع أبو بكر وسط المدينة، وبينما باشر بالتجهيز على أمل أن تكون الحركة التجارية في يوم نهاية الاسبوع والأخير من الشهر ، أفضل وأحسن ، دوت صفارات الانذار في جنين ، معلنة اقتحام المدينة، وسرعان ما اكتشف تسلل الوحدات الخاصة بمركبات فلسطينية لحي خلة الصوحة وتنفيذها عملية عسكرية، ويقول حسين لــ”القدس” دوت كوم :” توجهت لمحلي مستبشرا ومتأملا ، أن يكون يشهد آخر يوم في الشهر، حركة ونشاط وبيع، بعدما خسرنا نصف الشهر بسبب المداهمات والعمليات الإسرائيلية ، لكن بعد دقائق ،تغير الموقف ، واضطرنا لإغلاق محلاتنا والهرب من المنطقة تحسبا من العدوان الاسرائيلي الذي يدفع ثمنه المواطنين بشكل دائم “، ويضيف “عندما سمعت صفارات الانذار، تأثرت كثيراً وشعرت بغضب، لخوفي من العدوان الجديد ووقوع ضحايا، ولأننا كتجار سنخسر، وتتكرر صور المعاناة والخسائر التي نتكبدها في كل اقتحام “.


وعندما كانت قوات الاحتلال، تقتحم مدينة جنين، بقوة معززة من الدوريات من حاجز الجلمة في شارع الناصرة، ومعسكر سالم غرب المدينة، لتساند الوحدات الخاصة التي حاصرت عمارة دمشق في حي خلة الصوحة، خيمت حالة من الذعر والقلق في أوساط المواطنين، فبدأ الجميع بالهرولة نحو المركبات ومغادرة المدينة، بينما بدأت مرحلة شل الحياة على كافة الصعد، وقال علاء فتحي صاحب معرض للملابس ” ما يجري جريمة بحق جنين، إلى متى سيبقى الاحتلال يتحكم بحياتنا ويدمرنا، خلال دقائق، خلت الشوارع من الناس والمتسوقين ، وأصبح الجميع يفكر بطريقة للنجاة والإفلات من دوريات الاحتلال التي انتشرت في عدة شوارع وحاصرتها وسط إطلاق النار “، ويضيف ” مرة أخرى، أغلقت معرضي، وأنا احتسب الاحتلال عند رب العالمين في ظل ما يمارسه من حرب لتدميرنا، فمن جهة ، يحاصر جنين ويغلقها ويمنع المتسوقين من الداخل والعمال، ومن جهة أخرى، يداهم ويطلق النار، مما أثر على تجارتنا وحياتنا، خلال الفترة الماضية، في كثير من الأيام لم أبع بشيكل واحد، فما العمل ؟”.


سؤال يتردد على السنة الجميع في جنين والتي ظهرت بشكل واضح معالم العدوان الاسرائيلي عليها، خاصة تدمير الشوارع والبسطات وشل الحياة، وقال المواطن أمين رزق صاحب مؤسسة تجارية للمواد التموينية “ما نواجهه كل يوم، مآسي وكوارث تكبدنا خسائر لا يمكن تعويضها، لدي بضائع والتزامات وعمال وموظفين، وعدد أيام الإغلاق أكثر من العمل، أنظر، خلال دقائق بعد الاقتحام، أصبحت الشوارع خالية، من يفكر بالشراء والتسوق تحت زخات الرصاص”، وأضاف ” كل ليلة نعيش كوابيس رعب بسبب تجريف شوارعنا ومقومات حياتنا، وفي النهار يأتي دور الجيش والوحدات الخاصة للاقتحام وتنغيص حياتنا، أوضاعنا في تدهور مستمر ولم نعد قادرين على احتمال هذه الاوضاع”.


وأكد محمد الشاويش بائع متجول، أنه خسر كل شيء بعد اقتحام المدينة والمخيم، وقال لــ”القدس” دوت كوم : “عندما شاهد الناس الجيش وسمعوا صوت اطلاق النار، شعروا بالهلع والخوف، وهربوا بسرعة للعودة لمنازلهم، خاصة بعد انتشار أخبار عن وقوع إصابات قرب حي الصوحة، ولم اتمكن من البيع، وبعد إنسحاب الاحتلال خسرت 500 شيكل، وهذه الكارثة تتكرر بشكل مستمر”، وأضاف جميل عقل الذي يملك بسطة للخضار وسط المدينة ” كل اقتحام ، نخسر ونعاني وندفع الثمن، فقبل فترة، دمروا البسطات وبينها بسطتي ولم يعوضنا أحد، وأمس، دمرونا لأننا لم نتمكن من البيع، فالمتسوقين غادروا المدينة بسرعة للنجاة بحياتهم، بينما نعيش حياة لا تصفها كلمات”، ويتابع “البسطة مصدر معيشتي الوحيد لإعالة أسرتي المكونة من 7 أنفار، ولن أتمكن حتى من توفير لقمة عيشنا، إضافة لخسارتي لأن الخضروات تكدست ولن يشتريها أحد”.


والخطر الأكبر للمواطن الجنيني الذي يعكس صور الاستنزاف المتكررة، عمليات الإحتلال التي تتزايد خلال النهار بعد انتهاء نشاطات التدمير والهدم والتخريب الليلية، فمجرد بدء أي هجوم، تدفع جنين الثمن، وتشل الحياة، وتتوقف الحركة التجارية، كما حدث الثلاثاء الفائت، عندما نفذّت الوحدات الخاصة عملية قبيل العصر في واد برقين المحاذي للمدينة، وقال الباحث المختص يوسف عامر لــ”لقدس”:” ما يجري، استمرار لخطط الاحتلال في التدمير الممنهج لجنين ومخيمها، فالخسائر في ارتفاع مستمر، والاقتصاد يتدحرج نحو الانهيار، والاحتلال يواصل عملياته بذريعه ملاحقة المقاومين، ولكنه ينتقم ويعاقب المدنيين”، وأضاف “الاحتلال، لم يعد يغادر جنين، وعملياته لا تتوقف ليلاً ونهاراً، وما يمارس حرب حقيقية ضد المواطنين والتجار والاقتصاد وحياة الناس التي تدهورت وأصبحت في حالة مأساوية دون توقف أو حلول”، وأكمل ” التدمير للبنية التحتية والاقتصاد، يستنزف جنين المثخنة باعتداءات الاحتلال المتكررة والحصار الاقتصادي ويهدد بانهيار شامل سيكون له تداعيات خطيرة “.


و لم تتوقف المداهمات الإسرائيلية لجنين ومخيمها منذ ما قبل طوفان الأقصى، لكنها تزايدت وتيرتها بعد الــ 7 من اكتوبر، مما سبب دماراً شاملاً في كافة المجالات، خاصة في ظل تعزيز الاحتلال للقيود والحصار وإغلاق الحواجز وكافة المداخل ومنع فلسطيني الداخل من الوصول لجنين، وأوضح رئيس البلدية نضال عبيدي، أن جنين تمر في أخطر مرحلة وأصعب ظروف على صعيد الاقتصاد أو التجارة أو مجمل الامور الحيوية والمعيشية ، وقال ” في ظل الاغلاق الاسرائيلي ومنع الخروج والدخول من جنين ، حرم 350 ألف مواطن من ابسط مقومات العيش ، واعتمادهم على البيع والشغل اليومي والحياة اليومية ، ولديهم التزامات لا يمكنهم توفيرها “، وأضاف ” امام هذه التداعيات والحرب الاسرائيلية ، ارتفعت معدلات البطالة ل 40 % ، مما يشكل عجز تامل وكامل واثار خطيرة ، بينما ، لم تحظى بدعم أو اغاثة ، وكل يوم ، تتزايد الخسائر بفعل تصاعد العدوان التي طال مؤخراً ، مساحات كبيرة من شوارع المدينة بعد المخيم وطال البنية التحتية “.


من صور الاستنزاف ، تنفيذ الاحتلال حملات اقتحام بعد ساعات فقط من إنجاز أي عملية ترميم أو تأهيل وإصلاح في البنية التحتية، كما حصل فجر الاربعاء، فبعد الانتهاء من الاصلاح وتاهيل شوارع المخيم الرئيسية للتخفيف من معاناة الناس ، داهمت الجرافات المنطقة وجرفت كل شيء ، اضافة لدمار الكبير الذي طال عدد كبير من المحلات وخاصة في مخيم جنين، والتي هدمت أو حرقت، وما زالت أبوابها مغلقة بانتظار نجدة طارئة لإعادة إعمارها، وقال المواطن علي غالب من مخيم جنين ” منذ عدة شهور أحرقت قوات الاحتلال محل الملابس الخاص لنا ومصدر دخلنا، لم يبق فيه شيء، ولم نحصل حتى اليوم على تعويض”، وأضاف المواطن جمال شلبي ” كنت أملك محلا للملابس في مخيم جنين، تم تدميره من قبل الجرافات الإسرائيلية ولم يبق فيه شيء على حاله وخسارتي فيه 40 الف شيكل ولم يتم تعويضنا بأي شيئ، فكيف سنعيش ؟”، وأكمل “نطالب بالوقوف معنا ومساندتنا في ظل الأوضاع الراهنة والصعبة التي يشنها الاحتلال على أبناء شعبنا الفلسطيني، فكل يوم مداهمات وتفجيرات وهدم وتدمير، فالى أين نذهب ؟، وكيف سنعيش أمام هذا الاستنزاف الذي دمر كل مقومات حياتنا ؟”.