هل يتكرر سيناريو قانا اللبنانية في غزة بعد مذبحة دير البلح وقتل طاقم المطبخ العالمي؟

3 أبريل 2024آخر تحديث :
هل يتكرر سيناريو قانا اللبنانية في غزة بعد مذبحة دير البلح وقتل طاقم المطبخ العالمي؟

تبذل إسرائيل مساعي محمومةً لتبييض صفحتها بعد جريمة اغتيال سبعة من طواقم المطبخ المركزي العالمي في دير البلح، لكن السؤال المطروح الآن يتجاوز المعركة على الوعي والرواية ليطال مصير هذا العدوان على غزة؛ هل يستمر أم يقف العالم وقفة أخلاقية ويجبر إسرائيل على وقفه، على غرار ما حصل بعد مذبحة قانا التي أوقفت عدوان “عناقيد الغضب” على جنوب لبنان؟

وقتها، وفي 18 أبريل/ نيسان 1996، قصفت قوات إسرائيلية بالمدفعية، بقيادة نفتالي بينيت (رئيس حكومة لاحقاً،2021/2022) منطقة في جنوب لبنان بهدف “تخليص قوات عالقة”، فأصابت القذائف ملجأ للمدنيين وللأمم المتحدة، فقُتل 102، وأصيب 100 آخرون، من بينهم أربعة جنود من القوات الأمّمية.

لا تملك إسرائيل ما من شأنه أن يغسل يديها التي تقطر بدماء آلاف المدنيين، منذ نحو ستة شهور، جهاراً نهاراً، وتبييض صفحتها في العالم

وأثارت الجريمة أصداء واسعة في العالم طالبت بوقف العدوان، واضطرت إسرائيل لتقليص أمد الحرب بعدما اعترفت وعبّرت عن حزنها، دون الاعتذار على قتلها أبرياء.

وتكررت الجريمة في حرب لبنان الثانية، عام 2006، عندما قصفت طائرة إسرائيلية عمارة في بلدة قانا إياها بدعوى أن مسلحين احتموا فيها، ما أدى لمذبحة قتل فيها 28 مدنياً، من بينهم 16 طفلاً، وإصابة تسعة آخرين، ما أثار ضجة دولية ساهمت في وقف إسرائيل الحرب.

ومثل هذه المقارنة يعكس نفاقاً وازدواجية معايير في مواقف دول الغرب التي لم يدفعها حتى الآن قتل وإصابة عشرات الآلاف من النساء والأطفال الفلسطينيين في غزة للضغط على إسرائيل وإجبارها على وقف الحرب، مثلما لم يتغير الموقف، رغم تصاعد احتمالات اندلاع حرب إقليمية وضرب مبنى دبلوماسي في قلب حيّ سكني في دمشق. وفي المقابل تبدو الضجة الآن على قتل مدنيين أجانب أكبر وأشدّ، ومن شأنها أن تدفع لضغط غربي أكثر جدية وفعالية على إسرائيل لوقف الحرب، التي تبلغ اليوم يومها الـ179.

الضغط السريع على زناد القتل
وفي لهجةٍ حادة انضم الرئيس الأمريكي جو بايدن، الليلة الفائتة، للانتقادات الموجهة لإسرائيل، فقال، في بيان طويل، إن “الحادثة” في دير البلح ليست وحيدة، وإن تل أبيب لا تفعل ما يكفي للدفاع عن طواقم منظمات دولية وعن المدنيين في قطاع غزة، واعداً بمواصلة الضغط عليها، زاعماً أن واشنطن معنيّة بصفقة، وبوقف فوريّ للنار، و”لذا هناك طواقم في القاهرة. نحن معنيّون بتحقيق شفاف وسريع تقوم به إسرائيل”.

وبصرف النظر عما إذا كانت هذه جريمة متعمدة أم نتيجة الاستهتار ونهج الضغط السريع على الزناد والقتل لدى قوات الاحتلال، أو أنها خطأ، كما تدّعي جهات إسرائيلية رسمية، فإنها لا تملك ما من شأنه أن يغسل يديها التي تقطر بدماء آلاف المدنيين، منذ نحو ستة شهور، جهاراً نهاراً، وتبييض صفحتها في العالم الذي يرى أنها تقتل بالمعدل 100 فلسطيني يومياً، جلّهم من المدنيين، فهل تنتقل حكومات العالم من الأقوال للفعل الفعّال؟

بدأت جرائم القتل بمذابح يومية، وبقصف عشوائي يومي، ضمن سياسة الانتقام بعد السابع من أكتوبر، ومحاولة كيّ وعي الفلسطينيين وكسر إرادتهم ودفع مقاومتهم للاستسلام وربما تهجيرهم. واليوم تمضي إسرائيل في هذه المذابح، رغم الانتقادات الدولية، ورغم محاكمتها في محكمة العدل الدولية، وذلك بحثاً عن انتصار مطلق مفقود، رغم تحويل القطاع لركام، وبحثاً عن إطالة الحرب استبعاداً لكل صفقة سياسية تقترب من تسوية الدولتين، واستبعاداً ليوم الحساب العسير داخلياً، وبالتالي إطالة عمر حكومة الاحتلال ولو بالتنفس الاصطناعي.

“نيران صديقة”
ومع ذلك، وبسبب كون ضحايا المذبحة الجديدة هم من الأجانب، أو من الفلسطينيين ذوي الجنسيات الأجنبية، هناك مخاوف في إسرائيل من أن تؤدي صورة مركبتي المطبخ المركزي العالمي المتفحّمتين مع جوازات سفر الضحايا الملونة بدمائهم، التي تضاف لمشاهد مستشفى “الشفاء” المتفحّم والمدمّر على رؤوس من فيه، إلى تكرار سيناريو قانا الأولى وقانا الثانية.

وتكشف وسائل عبرية، عن مصادر رسمية مجهولة الهوية، مثل هذه المخاوف، وتقول إنها تخشى فقدان ورقة المساومة والضغط على “حماس” في مداولات الصفقة، أو أن تضطر إسرائيل الآن لوقف الحرب على غزة قبل استكمال استعادة المخطوفين، ودون تفكيك نظام حكم حركة “حماس” داخل القطاع، خاصة أن العملية التصعيدية في قلب دمشق تنذر بدفع إيران لحرب تكون أكبر وأخطر، رغم أن طهران غير راغبة بها.

وبعدما سارع رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، فور خروجه من المستشفى، لمحاولة تخفيف وطأة المذبحة بقوله إنها نتيجة خطأ يتم التحقيق به، وسيبلّغ العالم باستنتاجاته، انضم قائد الجيش هرتسي هليفي لمحاولات تبييض الصفحة السوداء بزعمٍ ملتبس لحدّ التناقض، مفاده أن “الحادثة الصعبة هي نتيجة تشخيص خاطئ في ظروف مركّبة أثناء الليل خلال حرب، وهذا ينبغي ألا يحدث”.

وأضاف هليفي أن “الحروب تشهد وقوع أخطاء، ونحن ارتكبنا أخطاء قتل فيها عدد غير قليل من جنودنا بنيران جنودنا”.

اجتياح رفح
وإلى جانب الخوف من خسائر جديدة في المعركة على الرواية والوعي في العالم، تخشى إسرائيل أيضاً من تبعات هذه المذبحة على مستقبل الصفقة، ومن اعتقاد “حماس” أنه لا حاجة لتقديم تنازلات أو أثمان فيها الآن طالما أن العالم يمارس ضغوطاً مرشحة للتعاظم.

كما تخشى إسرائيل أن تدفع المذبحة الجديدة لزيادة فعلية للمساعدات الإنسانية التي تصل الغزيين بالقطارة، وذلك في محاولة لتخفيف الانتقادات ومشاعر الغضب عليها في العالم، ما يعني بالتالي فقدانها ورقة ضغط على “حماس” في مفاوضات الصفقة.

ومثل هذه الحالة الناشئة من شأنها تضييق الخناق على إسرائيل، وتقليص هامش المناورة والكذب حيال مستقبل الحرب، خاصة بما يتعلّق باجتياح رفح الذي يشكّل امتحاناً لحقيقة الموقف الدولي.

هذا امتحان جديد للإدارة الأمريكية، التي قالت إنها ترفض مزاعم إسرائيل بعدم إمكانية تفكيك “حماس” وتحقيق أهداف الحرب دون دخول رفح، وفق ما كشفت عنه ليلة أمس القناة 12 العبرية.

تخشى تل أبيب من فقدان ورقة المساومة والضغط على “حماس” في مداولات الصفقة، أو أن تضطر الآن لوقف الحرب قبل استكمال استعادة المخطوفين، ودون تفكيك “حماس”

وقالت القناة 12 إن مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك ساليفان قال لنظيره الإسرائيلي تساحي هنغبي، ولوزير الشؤون الإستراتيجية درمر، في مكالمة عبر تطبيق زووم، إنه بدون خطة لليوم التالي لن يساعدكم أي شيء في تفكيك “حماس”، لا رفح ولا غيرها.

كما نقلت عن ساليفان قوله للمسؤولين الإسرائيليين، في مكالمة مشحونة، إنه “حسب وتيرة عملكم داخل القطاع ستحتاجون لأربعة شهور لإخلاء رفح، وإنكم ستكونون المسؤولين عن أزمة الجوع الثالثة في القرن الواحد والعشرين، ونحن لا نستطيع أن نكون شركاء لهذا. خطتكم لإخلاء المدنيين من رفح غير عملية”.

تجفيف البحر بالدلو
والسؤال الحقيقي ما زال ماثلاً؛ هل تتطابق أقوال واشنطن وأفعالها فيما تواصل تسليح إسرائيل بقنابل قادرة كلّ منها على محو حي كامل؟ هل تتخذ موقفاً تتخذه جهات إسرائيلية، مثل صحيفة “هآرتس”، وغيرها من أوساط في الرأي العام، التي تدعو، اليوم الأربعاء، لوقف فوري للحرب قبل التورّط بما هو أشد وأخطر وحقناً للدماء.

هو امتحان لكل المجتمع الدولي، خاصة الرسمي، خصوصاً أن إسرائيل لم تترك له قطرة ماء في الوجه وفرصة للاختباء خلف أي مزاعم جديدة للصمت على النزيف والمذابح بحق المدنيين الفلسطينيين والأجانب. في المقابل، وبعد هذه المذابح اليومية، تبدو مساعي إسرائيل لتبييض صفحتها كمحاولة تحلية البحر الميت بملعقة سكر أو تجفيف بحر غزة بالدلو.. ومع ذلك، ليس مفهوماً ضمناً أن تجبر إسرائيل على وقف الحرب بسبب منظومة مصالح واسعة معها، والتحامل على كل ما هو إسلامي سياسي أصولي.