على المؤسسات الدولية الخروج عن صمتها والتعبير عن مواقفها واتخاذ خطوات عملية لمحاسبة الجُناة
– القتل والاغتصاب والحقن بالإكراه بمواد مجهولة وأساليب جهنمية في تعذيب المعتقلين
– إطلاق النار على المعتقلين بعد الإفراج عنهم وإجبارهم على الهرولة مئات الأمتار تحت وابل من الرصاص
– استخدام الكلاب والصعق بالكهرباء والضرب والإهانات في سجن عسقلان
– سمير مرجان: تأخرت ٤ دقائق في الحمام فتمّ صعقي بالكهرباء
– عمر العكلوك أحد المعتقلين توفي بعد تعرضه للتعذيب الشديد
معتقل أبكم تعرض للضرب والتعذيب لأنه لم يُجب عن أسئلة المحققين
شهادات جديدة من أسرى مفرَج عنهم من السجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية تؤكد استمرار ارتكاب جرائم التعذيب العنيف والمعاملة اللاإنسانية بحق آلاف المدنيين الفلسطينيين على نحو منهجي ممن اعتقلوا في إطار جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وطالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الذي كشف عن الشهادات في بيان له، الأربعاء، مؤسسات العدالة الدولية والمجتمع الدولي بالخروج من دائرة الصمت والتعبير عن مواقف صارمة واتخاذ خطوات جدية إزاء ما يتكشف من التعذيب الوحشي القائم على التمييز والانتقام الجماعي ونزع الإنسانية الذي يتعرض له المدنيون والمدنيات الفلسطينيون، والذي وصل إلى حد القتل والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، والحقن بالإكراه بمواد مجهولة، وترك ندوب وعلامات فارقة على أجسادهم، مشددًا على الحاجة لإلزام إسرائيل بإنهاء كافة جرائمها ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، بما في ذلك جرائم التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والاختفاء القسري الذي تمارسه بحق الآلاف منهم.
إفراج إلى شمال غزة
وأشار الأورومتوسطي إلى أنه تابع إفراج الاحتلال عن عشرات المعتقلين الثلاثاء 11 حزيران الجاري، من منطقة “زيكيم” شمال قطاع غزة، وخلال لحظة الإفراج عنهم، أطلق جيش الاحتلال النار تجاههم، وأجبرهم على السير والهرولة مئات الأمتار حتى يتمكنوا من الوصول إلى المناطق المأهولة بالسكان، حيث وصلوا وهم في حالة يرثى لها نتيجة التعب الذي زاد من سوء الحالة الصحية التي يعانون منها أصلًا نتيجة تعرضهم للتعذيب والتعنيف على مدار مدة الاعتقال، وقد وصل 33 منهم لمستشفى “كمال عدوان” في بيت لاهيا شمالي القطاع لتلقي العلاج.
حقن مجهولة وصعقات كهربائية
وفي إفادته لفريق الأورومتوسطي، أكد الأسير المحرر سمير عبدالله جمال مرجان (23 عامًا) تعرضه للضرب الشديد، وللصعقات الكهربائية والإهانات ومحاولة حقنه بمواد مجهولة، حيث قال: “اعتقلني الجيش الإسرائيلي في 11 آذار 2024، من حاجز النابلسي جنوب غربي غزة، أثناء محاولتي للنزوح إلى الجنوب، ونقلوني إلى مركز توقيف قبالة رفح لمدة شهرين ثم نُقلت إلى سجن عسقلان وقضيت هناك شهرين. في المردوان عشت أنا والأسرى الآخرين أيامًا صعبة.
وأضاف: يوميًا كنا نعذب بشكل وحشي من ضرب وإهانات بالإضافة لاستخدام الكلاب للهجوم علينا وتخويفنا واستخدام الكهرباء للتعذيب. في سجن عسقلان، الوضع كان أسوأ فكنت في زنزانة انفرادية وبقيت 12 يومًا بدون طعام. في التحقيق، كانوا يستخدمون الصعقات الكهربائية للحصول على الاعترافات ويسألونا عن حماس والأنفاق، وعندما أقول لا أعرف فأنا مدني ولا علم لي بالأمور الأخرى يتم ضربي، كان التحقيق مصحوبًا بالاعتداءات والتعذيب الوحشي وكنا نخضع للتحقيق كل 10 أيام.
وأكد أنه شهد في السجن على معاناة آخرين تردت حالتهم الصحية وساءت، بل وأصيبوا بأمراض هناك دون اهتمام طبي، بالإضافة لقيام الجيش بإعطاء بعض الأسرى حقن مجهولة.
وقال: أنا رفضت أن يتم حقني بها وبسبب ذلك تم ضربي وتعريضي للتعذيب بالكهرباء. التعذيب استمر طوال فترة الاعتقال. بالأمس وبسبب تأخري في الحمام، جاء أحد الضباط وقام بكهربتي، ومازالت آثار ذلك موجودة في جسدي، فحتى الحمام محسوب بوقت معين فإن تأخرت عن 4 دقائق سيتم تعريضك للكهرباء. تفاجأت عندما أخبرون أنه سيتم الإفراج عني، ولم أستطع النوم من الفرحة، ثم أخذونا وأنزلونا عند زيكيم وأطلقوا النار محيطنا”.
استشهاد أسير
وفي إفادة أخرى لعمرو عبد الفتاح العكلوك لفريق الأورومتوسطي الميداني، وهو من سكان قطاع غزة، وكان يتلقى العلاج في القدس واعتقله جيش الاحتلال ثلاث مرات منذ اندلاع الهجوم على قطاع غزة، آخرها في 5 حزيران الجاري، أكد استشهاد معتقل آخر تحت التعذيب من قوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث أفاد: “صادفت قبل نحو 5 أيام معتقل اسمه “محمد الكحلوت” من سكان الفالوجا شمال غزة، أخبرني أن أتواصل مع أهله إن خرجت وأخبرهم أنه بخير، كان في الغرفة المقابلة لنا، وكنت أتحدث معه من الشبك ولم أكن أعرف أني سأخرج. في اليوم التالي من حديثنا توفي نتيجة تعرضه للتعذيب، ووضع الجيش جثمانه في كيس بلاستيكي من أكياس الموتى ونقلوه لمكان لا أعلم أين.
وأكد أنه خلال احتجازي، كانت هناك مجموعة من المعتقلين من قطاع غزة، وكانوا يصنفوهم أنهم أسرى أمنيون يتم قمعهم طوال اليوم وضربهم بشكل وحشي وعشوائي يُطال كل أنحاء الجسد حتى تسيل دماؤهم، محمد قُتل تحت التعذيب الذي كان يتعرض له في أوقات مختلفة طوال اليوم”.
بركسات غير آدمية
وفي إفادة أخرى، روى المسن “س. ع” (65 عامًا) لفريق الأورومتوسطي تفاصيل عن اعتقاله من منزله بمخيم جباليا وتعرضه للتعذيب والاختفاء القسري والاحتجاز في بركسات غير آدمية وما شاهده من تعذيب لشاب أبكم.
وقال: “دخل الجيش الإسرائيلي إلى مخيم جباليا في شهر أيار الماضي، آثرنا البقاء في المنزل الواقع في حي القصاصيب، خلف عيادة وكالة مخيم جباليا. تقدمت الآليات إلى المنطقة التي نسكن فيها، ودخل الجيش إلى المنزل المتواجدين فيه، أخرجونا جميعًا، واقتادني أنا واثنين من أولاد أخوتي، بعد أن رحلوا الباقين للمناطق الغربية. كان ذلك بتاريخ 21 أيار 2024، حينما اقتادونا إلى جهة مجهولة، منذ اللحظة الأولى كنا معصوبي العينين ولا نعرف أين نذهب ولا ماذا يحدث حولنا.
وأضاف: خلال فترة اعتقالنا التي استمرت قرابة 20 يومًا، كانت وكأنها 20 عامًا، كل يوم له حكاية من التعذيب والضرب والإهانة، حينما يأتي موعد النوم يبدأ الطرق على الأبواب وأصوات مكبرات صوت بموسيقى مزعجة.
الطعام شحيح، وبالكاد يحصل الشخص على رغيف خبز وقليل من الجبن، الخروج لدورة المياه بصعوبة وطريقة التعامل مذلة. لم يراعوا أن عمري 65 عامًا، ولم أكن أكبر الموجودين، هناك شخص تعدى عمره السبعين عامًا. كنا متواجدين في مكان أشبه بـ “البركس”، لم يعلم أحد أين مكان تواجدنا، هناك الكثير من الأشخاص الذين يصلون هذا المكان الأشبه بمكان توقيف، ويعمل جيش الاحتلال على ترحيل الكثير منهم إلى أماكن لا يعلمها أحد.
وتابع: كان بيننا شخص لا يتكلم (أبكم)، استمروا في ضربه وتعذيبه لعدة أيام، يريدون منه أن يجيبهم على أسئلة وهو لا يتكلم. الأصفاد في أيادينا منذ اللحظة الأولى للاعتقال، حتى عندما نأكل ونذهب لدورة المياه، كانت أيادينا مكبلة. أبلغونا مساء الإثنين الموافق 10 حزيران 2024، أنهم سيفرجون عنا، وهددني أحد السجانين لي: “لا تشكو شيئًا أمام الصحافة، وإلا فسنصل لك مجدداً”.
نهج التعذيب
ووفق الأورومتوسطي، تؤكد شهادات المعتقلين الفلسطينيين المفرج عنهم أن القوات الإسرائيلية ماضية في نهج التعذيب الشديد والانتقامي من المعتقلين الفلسطينيين رغم إدراكها أنهم مدنيون.
ورأى الأورومتوسطي أن استمرار هذا التعذيب هو نتيجة طبيعية للتفرد بالشعب الفلسطيني من إسرائيل مع حالة الصمت من المجتمع الدولي، بما فيها الهيئات المعنية في الأمم المتحدة.
وأبرز الأورومتوسطي ما أشار إليه تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك القدس المحتلة، وإسرائيل، بما يتعرض له الفلسطينيون من قطاع غزة بشكل عام، والمعتقلين والمعتقلات الفلسطينيات بشكل خاص، من جرائم التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، والعنف الجنسي، بما يشمل الإجبار على التعري العلني، بما في ذلك أثناء تغميتهم وربطهم بكرسي وهم راكعون أو وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم، واستجوابهم و/أو تعريضهم للإيذاء الجسدي والنفسي أثناء كونهم عراة، وإجبارهم على القيام بأفعال مهينة وهم عراة، مثل الرقص بدون ملابس أثناء تصويرهم.
قتل واغتصاب
وذكر أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان تجاهل الجرائم الخطيرة التي ترتكبها القوات الإسرائيلية الأمنية والعسكرية ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية بشكل عام، بما في ذلك جرائم الحبس غير المشروع، والقتل العمد والتعذيب والاغتصاب والمعاملة اللاإنسانية والاختفاء القسري وتعمد إحداث معاناة شديدة من خلال الحرمان من الرعاية الطبية الضرورية، والحرمان من المحاكمة العادلة، وبخاصة مع وجود العديد من التقارير الدولية الموثوقة والمدعمة بالأدلة الصادرة عن المؤسسات الحقوقية والإعلامية التي تؤكد، وبناء على التحقيقات التي أجرتها، على ارتكاب التعذيب والعنف ضدهم بشكل واسع النطاق ومنهجي، بما في ذلك جرائم قتل وتعذيب، حيث وردت تقارير إسرائيلية عن مقتل 36 معتقلًا من قطاع غزة خلال 8 أشهر، إلى جانب مئات الشهادات المرعبة التي قدمها مفرج عنهم. كما وردت عشرات الشكاوى عن العنف الجنسي بما فيه التعرية والتحرش اللفظي والحسي، فيما تناولت تقارير أممية وصحافية عن 7 حالات اغتصاب على الأقل ضد نساء ورجال فلسطينيين معتقلين داخل سجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية.
مطالبات
وجدد الأورومتوسطي مطالبته للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية على المضي في التحقيق في كافة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وتوسيع دائرة التحقيق في المسؤولية الجنائية الفردية عن هذه الجرائم لتشمل جميع المسؤولين عنها، والإسراع في إصدار مذكرات قبض بحقهم جميعًا.
كما دعا الأورومتوسطي مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، إلى الاضطلاع بدورها الحقيقي المنوط بها وفقًا لولايتها والالتزام بقواعد النزاهة والاستقلالية الخاصة بعملها، بما يشمل قيامها بالتحقيقات الفورية وإجراء زيارات قطرية لتقصي الحقائق فيما يتعرض له المعتقلون والمعتقلات من انتهاكات جسيمة وجرائم خطيرة، ورفع التقارير بشأنها، عوضا عن ترك الأمور لتقدير الجهات الإسرائيلية، وذلك لتمهيد عمل لجان التحقيق وتقصي الحقائق والمحاكم الدولية في النظر والتحقيق وإجراء المحاكمات بشأن الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين قطاع غزة.
ودعا الأورومتوسطي المجتمع الدولي إلى الضغط على السلطات الإسرائيلية للإفراج عن جميع المحتجزين الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم تعسفا، وفي حال تم تقديمهم إلى المحاكمة أن يتم ضمان جميع إجراءات المحاكمة العادلة، ولإعادة رفات الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين قتلوا في سجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية.
كما جدد الأورومتوسطي مطالبته بالضغط على إسرائيل للتوقف فورًا عن ارتكاب جريمة الاختفاء القسري ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة، والكشف الفوري عن جميع معسكرات الاعتقال السرية، والإفصاح عن أسماء جميع الفلسطينيين الذين من تحتجزهم من القطاع، وعن مصيرهم وأماكن احتجازهم، وبتحمل مسؤولياتها كاملةً تجاه حياتهم وسلامتهم.