وسط استمرار الحرب على قطاع غزة، تأتي تحذيرات كبيرة من تفاقم المجاعة في قطاع غزة، والتي وصلت إلى مستويات كارثية، من حيث انعدام الأمن الغذائي لقرابة المليون شخص باتوا على شفير المجاعة.
وتأتي التحذيرات بعد تقييم التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الخاص بغزة، وتقديم صورة قاتمة للجوع المستمر هناك، حيث وجد التقييم أن 96% من السكان يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد عند مستوى الأزمة أو أعلى (الفئة الثالثة أو أعلى من التصنيف)، ومن ضمن هؤلاء ما يقرب من نصف مليون شخص يعيشون في ظروف كارثية (الفئة الخامسة من التصنيف).
ويؤكد مسؤولون وكتاب ومحللون وخبراء في أحاديث منفصلة مع “القدس” دوت كوم، أن سوء التغذية يهدد حياة الآلاف من الأطفال، ما يتطلب إدخال مساعدات إنسانية مضاعفة ودون معوقات.
90% من سكان القطاع يواجهون انعدام الأمن الغذائي
وأكدت إيناس حمدان، مدير مكتب إعلام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في غزة، أن الوضع الغذائي في قطاع غزة، خصوصاً في شمال القطاع، بلغ مستويات كارثية.
وأوضحت حمدان أن أكثر من 90% من السكان يواجهون انعدام الأمن الغذائي، وقرابة المليون شخص معرضون للمجاعة بسبب النقص الحاد في المواد الغذائية الأساسية.
وأشارت حمدان إلى أن خبراء أمميين حذروا من أن قطاع غزة قد يُعلن منطقة مجاعة في منتصف شهر يوليو/ تموز المقبل، إذا لم يتم إدخال كميات كافية ومنتظمة من المساعدات الغذائية.
وأكدت حمدان أن “الأونروا” ملتزمة بتقديم الدعم الإنساني الضروري، لكنها تواجه شحاً حاداً في المساعدات الغذائية والإغاثية منذ أشهر، وقد ازداد ذلك سوءاً عقب بدء العملية البرية في رفح.
القطاع يحتاج إلى 500-600 شاحنة مساعدات يومياً
وأشارت حمدان إلى أن معبر كرم أبو سالم شهد دخول حوالي 450 شاحنة محملة بالمساعدات خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهو عدد غير كافٍ لمواجهة الكارثة الحالية. وأكدت حمدان أن القطاع يحتاج إلى 500-600 شاحنة مساعدات يومياً لإنقاذ السكان وإبعاد شبح المجاعة.
وقالت أن “الأونروا” طالبت بحماية العاملين في المجال الإنساني لضمان قدرتهم على العمل بفعالية في جميع مناطق القطاع، مؤكدة أنه ووفقاً للقوانين الدولية، يجب حماية العاملين في المجال الإنساني ومنشآت الأمم المتحدة، وتسهيل سبل تقديم العمل الإغاثي.
الجوع يهدد حياة آلاف الأطفال
من جانبه، قال كاظم أبو خلف، الناطق الرسمي باسم “اليونيسيف”، أن وصول المجاعة لهذه المرحلة من الخطورة في قطاع غزة، يهدد حياة آلاف الأطفال بشكل خاص، حيث تم رصد أكثر من ثلاثة آلاف حالة حياتها مهددة بين صفوف الأطفال، وذلك بالتعاون مع شركائنا في القطاع.
وأوضح أبو خلف أن سوء التغذية له آثاره، ويمكن أن يمتد مدى الحياة لدى الأطفال في المستقبل إن لم يتم علاجه، في فترة تدخل مناسبة، والتي تحتاج بين 6 الى 8 أسابيع، وحتى إن نجا الطفل في حال لم يتم التدخل العلاجي في الوقت المناسب، فربما يؤثر على حياته ووظائف جسده العضوية.
وأكد أبو خلف أن دخول البعض في المرحلة الخامسة من سوء التغذية في غزة يعكس الفشل في فرض وقف إطلاق النار، ما أدى إلى تفاقم الجوع، وشبح المجاعة الذي يلوح في الأفق.
بالإمكان منع تدهور الوضع إذا تم إدخال المساعدات الإنسانية
وأشار إلى أن بعض الناس دخلوا بالفعل في المرحلة الخامسة من الجوع.
وشدد أبو خلف على أن ما يحدث في قطاع غزة هو من صنع البشر، وأنه لا يزال بالإمكان منع تدهور الوضع إذا توفرت الأدوات اللازمة، مثل إدخال المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء القطاع والسماح لمؤسسات العمل الإنساني بالعمل دون معوقات.
وأوضح أبو خلف أن عدد الشاحنات التي تدخل غزة انخفض بشكل كبير بعد الحرب، حيث وصل العدد الحالي إلى 100 شاحنة بالمعدل يومياً، مقارنة بـ500 شاحنة قبل الحرب، بينما يحتاج القطاع المدمر إلى أكثر من 500 شاحنة.
إعلان المجاعة له أصوله وغزة لم تصل بعد إلى هذه المرحلة
وأشار أبو خلف إلى أن النداءات التي تطلقها المؤسسات الدولية تهدف إلى تخفيف المعاناة في غزة، وأن التركيز على إدخال المساعدات هو الأداة الوحيدة المتاحة حالياً لمنع المجاعة.
ووفق أبو خلف، فإنه على الرغم من أن بعض الفئات دخلت في المرحلة الخامسة من سوء التغذية، إلا أن إعلان المجاعة له أصوله وإجراءات معينة ترتبط بعدد السكان، ولم تصل غزة بعد إلى هذه المرحلة.
ومع ذلك، قال أبو خلف أن الوضع يزداد سوءاً ونتوقع دخول المزيد في دائرة سوء التغذية الحاد بحلول شهر سبتمبر المقبل.
متلازمة إعادة التغذية
إلى ذلك، قال اختصاصي التغذية العلاجية والصحة العامة وعضو الجمعية الأميركية للتغذية، الدكتور أسامة صلاح، أن سوء التغذية يعد من الأمراض الخطيرة جداً والتي تظهر آثارها السلبية على المدى البعيد.
وأوضح صلاح أن تدني الوزن، والهزال، والضعف، وانخفاض القدرة الاستيعابية لدى الجائع، هي من الأعراض الخطيرة لسوء التغذية، كما أن فقدان العناصر الغذائية الأساسية يؤثر على صحة الجسم وأعضائه الداخلية، خصوصاً الدماغ، ما ينعكس سلباً على القدرات الذهنية والنفسية، لا سيما عند الأطفال.
وأكد صلاح أن المراحل المتقدمة من سوء التغذية، إذا لم يتم علاجها في الوقت المناسب، يمكن أن تؤدي إلى متلازمة إعادة التغذية، التي تؤثر بشكل خطير على الجسم وأعضائه في المستقبل، ما يتطلب تدخلاً طبياً متخصصاً. وشدد على أهمية الاهتمام بالأطفال والمسنين، إذ أن سوء التغذية يؤثر بشكل كبير على هذه الفئات.
فقر الدم الغذائي يؤثر على الدماغ والقدرات الذهنية والنفسية
وأشار صلاح إلى أن الأطفال الذين يعانون من فقر الدم الغذائي ولم يتم علاجهم في غضون ستة أشهر، قد يتعرضون لتأثيرات سلبية على دماغهم ومستوى قدراتهم الذهنية والنفسية في المستقبل، مما قد يؤدي إلى انتشار الأمراض النفسية.
ودعا صلاح إلى اعتماد منهجية دولية ومحلية على المدى البعيد لمعالجة آثار الجوع وتجنب سلبياته على مستوى التقدم الحضاري، لافتا إلى أن تأثيرات الجوع قد تفسر اعتبار التجويع أحد أدوات الإبادة الجماعية.
الحصار في غزة يفرض على المدنيين
بدوره، قال أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأمريكية، رائد أبو بدوية، أن سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل في غزة تُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وأشار أبو بدوية إلى أن التجويع يتضمن منع احتياجات أساسية عن المدنيين وفرض الحصار عليهم، وهو ما يُعد جريمة حرب وفقًا للقانون الدولي.
وأوضح أبو بدوية أن الحصار يجب أن يكون بين جيوش أو مقاتلين، لكن في حالة غزة، فإن الحصار يُفرض على المدنيين، وهو ما يجعله غير قانوني ومُدان دوليًا.
وأشار أبو بدوية إلى أن القانون الدولي يعتبر إسرائيل دولة احتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبالتالي فهي مُلزمة بتزويد السكان باحتياجاتهم الأساسية.
منع الاحتلال المساعدات الإنسانية جريمة مركبة
وأكد أن ما يحدث في غزة من منع الاحتلال للمساعدات الإنسانية هو جريمة مركبة، إذ أن إسرائيل لا تكتفي بعدم تقديم المساعدات بل تمنع دخولها أيضًا.
وأشار أبو بدوية إلى أن إسرائيل يجب أن تتعاون مع المؤسسات الدولية لإدخال المساعدات، إلا أن استهداف موظفي الإغاثة يضعهم في خطر، ما يدفع المؤسسات إلى إيقاف عملها لحماية أطقمها.
وأوضح أن كل هذه الإجراءات تصب في النهاية في جريمة الإبادة عبر خلق ظروف تهدد حياة السكان، مشيرًا إلى أن سوء التغذية يترك آثارًا جسدية ونفسية خطيرة على الأجيال، خاصة الأطفال.
تجويع متعمد لأهداف سياسية..
وأوضح الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب أن إسرائيل تعتمد سياسة التجويع كأداة لمعاقبة الفلسطينيين، بهدف تحميل الحاضنة الشعبية مسؤولية المقاومة وضمان مواجهة مستقبلية بين الفلسطينيين وحركة حماس بعد انتهاء الحرب.
وقال حرب أن المطلوب في ظل هذه السياسة هو الضغط على إسرائيل لإدخال المساعدات وتحميلها المسؤولية عبر الحراك الدولي.
وشدد حرب على ضرورة اللجوء إلى مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية لتثبيت التقارير المتعلقة بجرائم الإبادة التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، والمطالبة بتدابير احترازية لمنع عملية التجويع، داعياً إلى التحرك باتجاه بقية المؤسسات الدولية لزيادة الضغط على إسرائيل.
وأضاف: رغم ذلك، إسرائيل لا تكترث بالضغط الخارجي إلا إذا كان هناك موقف حازم من الإدارة الأمريكية، التي تمتلك أدوات ضغط فعالة لمنع إسرائيل من مواصلة هذه السياسات.
تحويل القطاع إلى منطقة غير قابلة للعيش
وأكد الكاتب والمحلل السياسي د. علي الجرباوي أن سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل ضد اهالي غزة تعادل في خطورتها القنابل التي تُلقى على القطاع.
وأوضح الجرباوي أن التجويع يُعد وسيلة هائلة للضغط على أهالي غزة بهدف إنهاء الحرب وفق الصيغة الإسرائيلية، وهو أحد أشكال الحرب عبر التجويع.
وأوضح الجرباوي أن إسرائيل تسعى من خلال الحرب إلى تحقيق هدفين: الأول هو إضعاف حركة حماس، والثاني تحويل قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للعيش. وأشار إلى أن إسرائيل فشلت في طرد الفلسطينيين من قطاع غزة، لذا تلجأ إلى وسائل ضغط أخرى.
وأكد الجرباوي أن الأوضاع ستكون أكثر خطورة بعد انتهاء الحرب، حيث ستشهد المنطقة نسبة عالية من الهجرة الطوعية لتفريغ القطاع من الكفاءات العلمية والأكاديمية وغيرها من القدرات، مشدداً على أن المرحلة التي تلي انتهاء الحرب ستكون أخطر إذا لم يتم تدارك الوضع إقليمياً ودولياً.