يحذّر نائب قائد جيش الاحتلال الأسبق، رئيس حزب “الديموقراطيين”(حزب “ميرتس” سابقاً)، الجنرال في الاحتياط يائير غولان، من أن إطالة أمد الحرب تعرّض أمن إسرائيل للخطر، مشدداً على أن الصفقة هي الحل.
في مقال نشره موقع صحيفة “هآرتس” العبرية، قال غولان إن هذه المعركة مستمرة إلى ما لا نهاية، وأنا أقول ما أقول لأنه لم يكن من الصواب عدم إنهاء هذه الحرب منذ زمن طويل، بل لأن استمرار هذه المعركة يخدم المصالح السياسية للسيد الذي فرّطَ بأمن إسرائيل اليوم، وهذا الشخص لا يزال، للأسف، رئيس حكومتها.
غولان، الذي سبق أن أثار ضجة واسعة، بعدما قال قبيل خلعه البزّة العسكرية إن تصرفات المستوطنين تذكّر بما كان في ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، يمضي في توجيه سهام نقده لحكومة الاحتلال ورئيسها: “لطالما اقتضت العقيدة الأمنية الإسرائيلية، على امتداد وجود الدولة الإسرائيلية، أن على الدولة خوض حروب قصيرة، بقدر الإمكان، ونقل القتال إلى ساحة العدو بأسرع وقت ممكن. أما في حرب “السيوف الحديدية”، فقد تم التخلي عن هذه العقيدة العسكرية، فالحرب الراهنة ليست فقط حرباً مستمرة إلى الأبد، لكنها تدور على أراضينا. لقد أضحى قطاعان من هذا البلد خاليَين من سكانهما، وأصبح عشرات الآلاف من الإسرائيليين لاجئين في وطنهم”.
إخفاق متواصل
ويقول غولان في مقاله إن استمرار الحرب يكبّدنا أثماناً باهظة في صفوف المقاتلين والضباط، فجميع الأبحاث المختصة بعلم النفس العسكري تعترف بأن المقاتل يفقد جزءاً كبيراً من نسبة يقظته ووضوح أفكاره بعد 45 يوماً على وجوده تحت الضغط القتالي المتواصل. وبناءً عليه يستنتج القول عن نتنياهو إن ذنب السيد الذي فرّطَ بأمن إسرائيل هنا أكبر كثيراً من مسؤوليته المباشرة عمّا حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
متقاطعاً مع رؤية جنرالات إسرائيليين آخرين في الاحتياط، أبرزهم “نبي الغضب” يتسحاق بريك، يضيف غولان: “مسؤول عن إخفاق متواصل بسبب إطالة أمد الحرب من دون جدوى، وهو ما يتسبّب في إيذاء أهلية وجاهزية الجيش، ويمس بقدرة آلاف المقاتلين والضباط الإسرائيليين على القتال”.
طبقاً لغولان، فإنه يترتب على استمرار الحرب آثار خطِرة في القدرة المدنية الإسرائيلية على الصمود. ويقول إن شنّ حرب على الجبهة الشمالية، وإن حرباً مباشرة في مواجهة إيران، سيضعان مواطني إسرائيل في ظل تهديد مباشر وفوري بأحجام لم يسبق أن عاشها الإسرائيليون حتى اليوم، وفقط وقف إطلاق النار المستمر يسمح للمواطنين، وللسلطات المحلية، وهيئات الطوارئ المدنية، وسائر الجهات الخدماتية، بإمكان تحقيق إعادة الإعمار المادي وإعادة التأهيل النفسي المطلوبين.
جيش منهك
ويعتبر أن كل قائد يحترم نفسه يعرف مصطلح “اقتصاد الحرب”، واقتصاد الذخائر، ثم “اقتصاد قطع الغيار”، المشتق من اقتصاد الذخائر. ويضيف: “قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل، حتى الآن، مساعدات تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، والمصانع الحربية تعمل على مدار الساعة، وعلى الرغم من هذا كلّه، فإن هناك نقصاً في كل شيء. تحدثوا مع رجال الاحتياط الذين تعرفونهم شخصياً، لكي تعرفوا أن هناك نقصاً مقلقاً في أغراض ضرورية جداً في عتادهم. ويؤكد أن المفترض بالقائد، إذا كان يتمتع بالمسؤولية، أن يوقف الحرب في أول فرصة، ليعيد بناء الجيش الإسرائيلي، تحضيراً لتحديات المستقبل.
ويتابع: “قد تشكّل أشهر معدودة من الهدوء فارقاً هائلاً بين أن يكون لدينا جيش مؤهل، وأن يكون لدينا جيش منهك وغير مؤهل. لكن هذا الحديث يُشعر السيد الذي أهمل أمن إسرائيل بالملل”.
انتخابات الآن لتغيير القيادة
وحسب غولان، تتوفر طريقة آمنة ومسؤولة لوقف الحرب: “التوصل إلى صفقة تضمن تحرير المختطفين. هذه الصفقة مطروحة على الطاولة، ويمكن تحقيقها في فترة زمنية قصيرة نسبياً. أمّا خيار السيد (نتنياهو) الذي فرّطَ بأمن إسرائيل، المتمثل في تأجيل الصفقة والتسبّب بالتصعيد، فهو بمثابة شهادة لا تقبل التشكيك على مستوى الخطر الذي يمثله على أمن إسرائيل، والمصلحة النظامية والقومية.
ويختتم غولان بالقول: “هذا ما تحتاج إليه إسرائيل هنا، والآن: صفقة تبادُل، ووقف لإطلاق النار في الشمال والجنوب، وعودة اللاجئين (الإسرائيليين) إلى منازلهم، وإعادة تأهيل مدنية وعسكرية. إلى جانب أمر آخر صغير، يجب أن يتم الحسم داخل إسرائيل، سياسياً، هناك حاجة إلى إجراء انتخابات في أقرب فرصة، وانتخاب قيادة مسؤولة تتمتع بثقة الشعب. لدينا شعب رائع، وقيادة فظيعة. لقد آن الأوان لاستبدال القيادة، وهذا قد يحدث غداً صباحاً، إذا كنا عازمين بما يكفي على التخلص من حُكم السيد الذي يفرّط بأمن إسرائيل”.
أجواء متفائلة في الهواء… وتشاؤم على الأرض
يشار إلى أن طاقماً أمنياً إسرائيلياً سيغادر اليوم إلى القاهرة، في محاولة لتسوية الخلاف حول محور صلاح الدين (محور فيلادلفيا)، فيما تشكك تسريبات في الصحافة العبرية بجدوى هذا اللقاء مع الوسطاء، لأن نتنياهو مَنحَ الطاقم الأمني تفويضاً محدوداً، ما دفع المحلل البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع للقول إن زيارة الوفد الإسرائيلي، اليوم الإثنين، عبثية وفارغة.
في التزامن، يلتقي وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، في زيارته العاشرة للمنطقة، نتنياهو وغالانت، في محاولة لإقناع الأول بتليين موقفه والتعاون من أجل إتمام صفقة.
وقبيل وصوله البلاد، أشاع الجانبُ الأمريكي أجواء إيجابية متفائلة حيال احتمالات الصفقة، دون أن يكون لها مبرر حقيقي على أرض الواقع، ويبدو أن هذا جزءٌ من تكتيك تفاوضي يراهن على تساوق وتفاعل الأطراف مع الرؤية الأمريكية المقترحة المبنية على فكرة إنتاج الحلو من الحامض، “الليمونادا من الليمون”، وفق ترجيحات مراقبين إسرائيليين.
لكن الولايات المتحدة، التي تواصل دعم إسرائيل بكل المستويات، لا تبدو معنية بإجبار نتنياهو على وقف الحرب لحسابات سياسية وانتخابية داخلية وخارجية، ما يُمَكِّن الأخير من مواصلة الاستخفاف بالرئيس بايدن الذي تميل شمسه للمغيب واستغلاله. ومن غير المستبعد أن البيت الأبيض يدرك أن نتنياهو يواصل تعطيل مساعي الصفقة لكسب الوقت و”تبريد” إيران و“حزب الله” على أمل منعهما من الضربة الثأرية، علاوة على الرغبة بتمرير المؤتمر الديموقراطي دون ضجة واحتجاجات واسعة من قبل التقدميين والمناهضين للحرب، وذلك من خلال إشاعة أجواء من التفاؤل الكاذب. وهذا الواقع المزيف دفع مصدراً أمنياً كبيراً للقول لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، أمس، إن هذه التسريبات الكاذبة عن تقدّم في المداولات جريمة بحق عائلات المخطوفين.
“حماس” ترفض
على خلفية ذلك وغيره، بادرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للتوضيح، أمس، أنها ترفض الصيغة الأمريكية الجديدة، المختلفة تماماً عن صيغة تَوافَقَ عليها الجميعُ في الثاني من تموز الماضي على أساس بيان بايدن في 27 أيار الماضي، معتبرة أن المقترح الأمريكي الجديد يتبنّى رؤية إسرائيل ويفتح المفاوضات من جديد، بدلاً من طرح خطة تنفيذية لما تمّ التوافق عليه.
لكن سهام الاتّهام تُوجَّه لنتنياهو من جهات إسرائيلية تواصل التأكيد على مثابرته في تعطيل صفقة بإدخاله شروطاً جديدة لإدامة الحرب والاحتلال، وتفتيش الغزيين العائدين لشمال القطاع.
وقد نقلت قنوات التلفزة الإسرائيلية، أمس، عن مصادر أمنية عليا قولها إن نتنياهو قد وَبّخَ الطاقم المفاوض، خلال اجتماع متوتر في الليلة الماضية، رافضاً تأكيدهم عدم وجود قيمة أمنية للسيطرة على محور فيلادلفيا، مثلما نقلت عنهم غضبهم على مواصلة نتنياهو التهرّب من الصفقة.
وهذا دفع غالانت لمطالبة نتنياهو بعقد اجتماع للكابنيت لاتخاذ قرارات، لأننا “على مفترق طرق إستراتيجي، فبدون صفقة ربما نتدهور لحرب إقليمية”.
وبذلك يتماثل مع غولان وجنرالات آخرين في الاحتياط، ومع المؤسسة الأمنية والدولة العميقة، وكافّتهم يرون بضرورة وقف الحرب وإحراز صفقة، لعدة عوامل ترتبط بمصالح إسرائيل العليا.