تنتهي في 31 أكتوبر المقبل الضمانات أو رسائل الحصانة التي تمنحها الحكومة الإٍسرائيلية للمصارف الإسرائيلية مقابل استمرار تعاملها مع المصارف الفلسطينية، ما يهدد بقطع العلاقات المصرفية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في حال عدم تجديد هذه الرسائل.
وكان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش هدد بعزل البنوك الفلسطينية عبر عدم تمديد الضمانات للبنوك الإسرائيلية المتعاملة معها ضد دعاوى قضائية محتملة، وذلك ضمن خطوات “عقابية” ضد السلطة الفلسطينية رداً على قرار دول أوروبية الاعتراف بدولة فلسطين.
وقد انتهت هذه الضمانات قبل عدة أشهر، ولكن بضغط من الحكومة الأمريكية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي تم تجديدها حتى 31 تشرين الإول/ أكتوبر المقبل. وفي حال نفذت إسرائيل تهديدها وقطعت أيّ روابط مع هذه البنوك، فإن هذا سيجعلها غير قادرة على الوفاء بكثير من المهام، بما في ذلك سداد المبالغ اللازمة لعمليات الاستيراد والتصدير التي يقوم بها الفلسطينيون في الضفة الغربية.
85 % من الصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل ومنها 55% من الواردات
وقال محافظ سلطة النقد الفلسطينية الدكتور فراس ملحم لـ”ے”: “إن نسبة الصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل تبلغ نحو 85% من إجمالي الصادرات، فيما تبلغ نسبة الواردات المباشرة نحو 55% من إجمالي الواردات، وتسدد قيمة هذه الصادرات والواردات من خلال العلاقة المصرفية المراسلة بين الجانبين.
وأضاف: إن المصارف الفلسطينية عملت منذ ترخيصها على تمرير وتنفيذ المدفوعات مع الجانب الإسرائيلي من خلال المصارف الإسرائيلية، وسهلت تنفيذ الصفقات التجارية، وتسديد أثمان السلع والخدمات التي يتم توريدها من السوق الإسرائيلية والسلع التي يتم تصديرها إلى الموردين الإسرائيليين، فيما نجحت المصارف في العامين الأخيرين في استقبال نسبة مهمة من أجور العمال الفلسطينيين الذين يعملون في إسرائيل عن طريق حوالات إلكترونية.
وأكد ملحم أنه منذ العام 2018، تطلب المصارف الإسرائيلية رسائل حصانة من الحكومة الإسرائيلية مقابل استمرار تعاملها مع المصارف الفلسطينية، مهددة الحكومة الإسرائيلية بقطع العلاقة المصرفية في حال عدم اصدار هذه الرسائل. وقد جرت العادة أن تعمل الحكومة الإسرائيلية على تجديد هذه الرسائل سنوياً؛ الأمر الذي أتاح استمرار العلاقات المراسلة بين الجانبين.
تداعيات على الاقتصاد الفلسطيني والحركة التجارية
وقال محافظ سلطة النقد: في بداية هذا العام، هدد وزير المالية الإسرائيلي بعدم تجديد هذه الرسائل في ضوء قرار الخزانة الأمريكية إدراج مجموعة من المستوطنين على قوائم الإرهاب (OFAC LIST)، فيما قامت الحكومة الإسرائيلية بتجديد الرسائل لغاية نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2024.
وأضاف: في حال أقدمت الحكومة الإسرائيلية على عدم تجديد هذه الرسائل، فمن المتوقع أن يكون لذلك عدة آثار وتداعيات على الاقتصاد الفلسطيني أهمها توقف قدرة التجار والشركات الفلسطينية على توريد السلع والخدمات الأساسية للسوق الفلسطينية وتسديد أثمانها من خلال النظام الرسمي (القطاع المصرفي)، ما يؤدي إلى نمو السوق غير الرسمي الذي يعتمد على الدفع النقدي في عمليات التجارة،
وأضاف: يكتنف الانتقال من النظام الرسمي للنظام غير الرسمي العديد من المخاطر والتحديات أهمها ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وعدم قدرة الحكومة على استيفاء الجمارك والضرائب على هذه السلع، ما سيؤثر على العائدات الضريبية، إضافة إلى المصاريف والمخاطر المرتفعة التي سيتحملها التجار الفلسطينيين في حال تنفيذ عمليات التجارة وتسديد اثمانها بالدفع النقدي.
التأثير على قدرة شحن فائض الشيكل إلى البنوك الإسرائيلية
وتابع ملحم: “مصرفياً فإن التهديد بقطع العلاقات المصرفية سيؤثر على قدرة المصارف الفلسطينية على شحن فائض الشيكل إلى البنوك الإسرائيلية، ويحد من قدرتها على استبدال النقد التالف، إضافة إلى الإشكالات ذات العلاقة بتنفيذ المعاملات داخلياً بعملة الشيكل. ومن المهم الإشارة إلى أن التعامل مع العملات الأخرى غير الشيكل لن يتأثر، وبالتالي ما نشر عن انهيار القطاع المصرفي في حال توقف العلاقة المصرفية مبالغ فيه وليس في محله”.
وأكد أن سلطة النقد والمصارف العاملة في فلسطين تعمل على وضع الحلول المناسبة للحد من الآثار السلبية في حال قيام الحكومة الإسرائيلية بعدم تجديد رسائل الحصانة، ما سيؤدي الى قطع العلاقة المصرفية بين الجانبين، فيما ستستمر العلاقة المصرفية المراسلة مع العالم دون أي تأثيرات، حيث يتمتع الجهاز المصرفي الفلسطيني بشبكة واسعة من البنوك المراسلة العالمية والتي يمكن من خلالها تنفيذ المعاملات المالية والمصرفية بمختلف العملات لضمان استمرار توريد السلع والخدمات الاساسية للسوق الفلسطيني.
وختم محافظ سلطة النقد حديثه بالتأكيد على أنه لن يكون للقرار الإسرائيلي أيّ تبعات على أموال المودعين، وأن هذا القرار إن تم اتخاذه فلن يهدد أيّاً من المصارف العاملة في فلسطين.
المجتمع الدولي يعارض انهيار السلطة الفلسطينية
وأعرب الأكاديمي والخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم عن شكوكه إزاء تنفيذ قرار وزير المالية سموتريتش، مشيراً إلى العواقب الاقتصادية الخطيرة التي قد تلحق بالسلطة وإسرائيل نتيجة هذه الخطوة، إلى جانب موقف المجتمع الدولي المعارض لانهيار السلطة الفلسطينية، وإلحاق الأذى بالقطاع المصرفي الفلسطيني باعتباره أحد الأعمدة الأساسية الحيوية في بقاء الاقتصاد الفلسطيني وعمله في الحد الادني.
وقال عبد الكريم لـ”ے”: “لديّ شكوك بأن سموتريتش سيُقدم على هذه الخطوة فعلاً مع نهاية شهر أكتوبر لأسباب مرتبطة بالموقف الدولي والمجتمع الدولي والأضرار الاقتصادية التي قد تلحق بإسرائيل والفلسطينيين”.
أخطر التبعات ستكون على القطاعين التجاري والمصرفي
وأوضح عبد الكريم أنه في حال تم تنفيذ هذا التهديد، فإن التبعات ستكون واضحة على القطاعين التجاري والمصرفي، وأن هناك إرباكاً كبيراً سيحدث في التسويات المصرفية الناتجة عن الصفقات التجارية أو الخدمات التي تم تبادلها بين الجانبين، حيث لن تتمكن البنوك الفلسطينية من الاستفادة من قنوات التسوية المصرفية الإسرائيلية.
وأضاف: “لن تجد البنوك الإسرائيلية تمثيلاً للبنوك الفلسطينية في المقاصّة الإسرائيلية، ما سيؤدي إلى الحذر في التعاملات التجارية على جانبي الخط الأخضر في موضوع التجارة والصفقات”.
بدائل لكل السيناريوهات المحتملة
وأشار عبد الكريم إلى أن البنوك الفلسطينية قد عملت بالفعل على وضع بدائل لهذه السيناريوهات المحتملة.
وأضاف: أحد هذه البدائل يشمل استخدام البنوك المراسلة الأوروبية لتسهيل التحويلات المالية بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية، كما أن البنوك الفلسطينية لديها القدرة على التعامل مع العملات الأجنبية الأخرى مثل الدولار واليورو، ما يمكنها من الاستمرار في المعاملات الدولية.
وقال عبد الكريم: بالرغم من الأضرار المتوقعة، لا أعتقد أن الاقتصاد الفلسطيني سيصاب بشلل أو سيعزل النظام المصرفي عن العالم لأن البنوك الفلسطينية بإمكانها أن ترسل وتستقبل الحوالات المالية بالعملات الاجنبية.
وأعرب د. عبد الكريم عن اعتقاده أن هذه الأزمة قد تشكل فرصة للفلسطينيين لإعادة تقييم علاقاتهم الاقتصادية مع إسرائيل.
وأضاف: إن تقليل الاعتماد على الاقتصاد الإسرائيلي قد يدفع الفلسطينيين للبحث عن بدائل، مثل تعزيز الإنتاج الزراعي والصناعي المحلي أو تشبيك العلاقات التجارية مع دول أُخرى خارج إسرائيل.
ويرى عبد الكريم أن هذا الخيار قد يكون مفيداً للفلسطينيين على المدى الطويل.
سموتريتش يسعى لابتزاز السلطة
بدوره، أكد الدكتور معاوية القواسمي، أمين سر جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين، أن قرار التعامل مع البنوك الإسرائيلية كان موجوداً منذ أكثر من عشرين عاماً، حيث كانت دائماً وزارة المالية الاسرائيلية ترسل رسائل للبنوك الإسرائيلية كخطاب ضمان، وذلك بعدم تعرضها للمقاضاة في المحاكم الاسرائيلية.
وقال القواسمي لـ”ے”: إن وزير المالية الاسرائيلي سموتريتش يسعى لابتزاز السلطة الوطنية الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني من خلال عدم تجديد هذه الضمانة التي ترسلها للبنوك الإسرائيلية، مؤكداً أن هذه الضمانات انتهت قبل عدة أشهر، ولكن بضغط من الحكومة الأمريكية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي تم تجديدها حتى 31 تشرين الأول/ أكتوبر.
وأوضح القواسمي أن أحد الشروط كان فحص مدى التزام البنوك الفلسطينية بقواعد الامتثال ومنع غسيل الأموال، حيث تم إجراء تقييم من البنك الدولي الذي أظهر أن البنوك الفلسطينية تعد الأفضل على مستوى المنطقة.
تعقيد أمور الكهرباء والمياه والضرائب وتبادل السلع
وأشار القواسمي إلى أن عدم تجديد الضمان سيؤثر سلباً على العلاقة الاقتصادية بين إسرائيل وفلسطين، ما سيؤدي إلى تعقيد الأمور المتعلقة بالكهرباء والمياه والضرائب وتبادل السلع بين الطرفين.
كما شدد القواسمي على أن هذا القرار يعد ورقة من أوراق الابتزاز، معبراً عن قلقه من أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية قد تقدم على أي خطوة.
وعلى الرغم من ذلك، أعرب عن اعتقاده أن المجتمع الدولي والأمريكان سوف يضغطون للحيلولة دون تنفيذ هذا القرار.
وحذر القواسمي من أن وقوع هذا الأمر سيؤدي إلى أزمة اقتصادية كبيرة، تؤثر على كافة القطاعات الاقتصادية والبنوك الفلسطينية.
آثار اقتصادية إيجابية
من جانبه، قال المستشار المالي والمصري محمد سلامة لـ”ے”: إن التخوف في حال ما نفذ سموتريتش تهديداته وأوقفت البنوك الاسرائيلية تعاملها مع البنوك الفلسطينية أن تتبع البنوك الاوروبية والأمريكية الإجراء الإسرائيلي وتوقف التعامل مع البنوك الفلسطينية بذريعة وقف تعامل البنوك الإسرائيلية مع البنوك الفلسطينية، وبذلك يصبح هناك تحدٍّ كبير في التعامل بالدولار كعملة لتمويل التجارة الخارجية سواء مع إسرائيل أو غيرها.
ورأى سلامة أن الخطورة تكمن في تحول الاقتصاد الفلسطيني إلى اقتصاد نقدي، وهذا سيقوض التقدم الذي حققه القطاع المصرفي في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وسيعيق تحويلات الأموال من فلسطين وإليها، مشيراً إلى أن الضفة الغربية عاشت تجربة التعامل النقدي قبل عودة بنك القاهرة عمان خلال ثمانينيات القرن الماضي.
وأكد أن هناك آثاراً اقتصادية إيجابية قد تنتج من هذا الإجراء، أهمها تراجع التبادل التجاري مع إسرائيل والاستغناء عن استهلاك السلع الإسرائيلية، وترشيد استهلاك الكثير من السلع، ما يصب في مصلحة الاقتصاد الفلسطيني، خاصة أن مثل هذا الإجراء سيوقف تدفق حركة السلع والخدمات من دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى الأراضي الفلسطينية، ما سيدفع للبحث عن بدائل، إما محلياً أو عن طريق دول الجوار.
تراجع التعامل بعملة الشيكل تدريجياً
وأشار سلامة إلى أن مثل هذا الإجراء سيدفع إلى تراجع التعامل بالشيكل الإسرائيلي تدريجياً، وهذا يصب في مصلحة الاقتصاد الفلسطيني من خلال إيجاد بديل نقدي للشيكل، إما بإصدار عملة محلية أو من خلال اعتماد الدينار أو الدولار كعملة بديلة.
وقال: من الواضح أن مثل هذ الإجراء سيعيق حركة المال الخاصة بالسلطة، خاصة تحويل أموال المقاصة لحسابات السلطة، وسيجبر السلطة على إعادة هيكلة حساباتها كالرواتب والضرائب والجمارك ومدفوعات الكهرباء والمياه والبترول من الشيكل إلى عملات أُخرى.
وخلص سلامة إلى القول: “في النتيجة مثل هذا القرار، الذي أستبعد اتخاذه، لو حدث، سيُربك النظام المالي والاقتصاد الفلسطيني لفترة، إلا أن السلطة الوطنية والاقتصاد الفلسطيني سيتجاوزان هذا الإرباك بإيجاد حلول بديلة لها نتائج إيجابية على المديَين المتوسط والبعيد.
وأكد سلامة أن لهذه الخطوة آثاراً سلبية على إسرائيل قد لا تقل عن الأضرار التي ستنتج عنها في الجانب الفلسطيني، ومثل هذه الخطوة تعني إلغاء بروتوكول باريس الاقتصادي، ما يستدعي موقفاً دولياً سيكلف إسرائيل الكثير، خاصة أن ما يُطرح من سلام اقتصادي محتمل، يتعارض مع مثل هذا السلوك لهذا المستوطن الفاشي سموتريتش.
العلاقة النقدية يديرها بنك إسرائيل
وقال رجا الخالدي، مدير عام معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية “ماس”، لـ”ے”: “بغض النظر عن خطورة التهديدات المتجددة، فإنها ربما ما تزال في سياق المناورات السياسية الإسرائيلية لتحقيق مساومات جديدة فيما يتعلق بالاستيطان وعملية إعادة احتلال الضفة الغربية وجعلها كلها بمثابة مناطق ج”.
وأضاف الخالدي: “ما يطالب به وزير المالية الإسرائيلي مقابل عدم تنفيذ تهديده، من تدقيق مالي في سلطة النقد، يعد انتهاكاً فاضحاً لاتفاقية باريس، خاصة أن العلاقة النقدية يديرها بنك إسرائيل، وليس وزير المالية”.
وقال: “إنه مطلب مضحك، إذ إنه معروف دولياً أن النظام المصرفي الفلسطيني مدقق، وخالٍ من أيّ مخاطر لوجود تدفقات نقدية غير شرعية”.
وخلص الخالدي للقول: “في كل الأحوال لا بد من الاستعداد للأسوأ، ولذلك يقوم “ماس” بإعداد دراسة خاصة بالعقوبات المالية والنقدية الإسرائيلية، وعواقبها المحتملة، وسبل التصدي لها”.