عبد الحليم قنديل
ليس لدى قيادة الإخوان أي تفسير مقنع للمحنة التي أوصلوا إليها جماعة كبرى يزيد عمرها على خمسة وثمانين سنة، ثم انتهت إلى محنة ‘العزلة الشعبية’ بامتياز، والفشل المذهل في السياسة، وتعليق الإخفاق على شماعات من نوع هجمة الإعلام أو ‘الدولة العميقة’ في مصر، فهي قيادة لا تعرف buy minocycline. مصر على الإطلاق، وتصورت أنها قد تنجح في حكم بلد تجهل تاريخه وقواه الحية.
وبالطبع، فلسنا مع اضطهاد شخوص قيادة الإخوان، ولا التعسف في معاملتهم أمنيا، فالحرية لا تتجزأ، ولا بد في كل الأحوال من ضمان تحقيقات منصفة ومحاكمات عادلة في جرائم الحق العام، التي ارتكبت والتي جرت التغطية عليها لتزوير حقيقة ما جرى، أو دمغه بصفة ‘الانقلاب العسكري’ على شرعية موهومة كانت لمحمد مرسي المعزول بأمر أعظم وأضخم ثورة شعبية في التاريخ الإنساني بإطلاق عصوره، وقد نصحناهم مرارا فلم يلتفتوا، نصحنا مرسي بالتنــــحي بعد فقــــدان شرعيته كرئيس منتخب مع إصدار إعلانه المنكود في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، ونصحناه باللجوء إلى انتخابات رئاسية مبكرة حفظا لماء وجهـــه، لكن الرجل الذي ظلمته قيادته الإخوانية كان قليل الحيلة، واعتــصم مع قيادته بالإنكار والكبر، وتصور أن مصر هي ‘حارة حرنكش’، أو أنها قد ‘تأخونت’ وانتهت، ولم يدرك أبدا أن نفخة ريح الشعب المصري كافية لخلعه، وأن الجيش المصري لا يمكن أن ينفصل أبدا عن حس الشعب المصري، وأن مصر هي مقبرة الغزاة.
وما من إمكانية بعد المحنة لقيام تنظيم إخواني جديد إلا بشروط صارمة، أهمها ـ في ما نظن ـ أن يتصالح الإخوان مع مصريتهم، فالمصرية ليست مجرد سكن ولا جنسية، والوطنية المصرية ليست مجرد علم ونشيد، الوطنية المصرية عقيدة جامعة، وثوابتها مشتقة من جغرافيا عبقرية وتاريخ ضارب بجذوره إلى آلاف السنين، وقد غيرت مصر لغاتها وأديانها مرات، وعرفت عقيدة التوحيد قبل نزول أديان السماء، وظلت قادرة على امتصاص الأفكار، ومزجها بروحها العفوية المتفتحة، واكتساب التعريب بحاسة الأمن، قبل فتح عمرو بن العاص، أي أنها تعربت بعقائدها الأمنية قبل أن يتعرب لسانها مع اكتساب العقيدة الإسلامية، وهو ما يفسر طبيعة دور مصر الحاسم المركزي في صد غزوات التتار والمغول والصليبيين، فلم تكن مصر أبدا دارا لخلافة، بل كانت مصر في ذاتها هي الخلافة، وثلاثية الأمن والدين والعدل هي التي تحكم دورها، وتجعلها قادرة دوما على بث إشعاعها وبسط حمايتها ولعب دور المغناطيس الجذاب، وقد تتعرض مصر لدورات ضعف تطول احيانا، لكنها تعـــود فتنهض كقوة كاسحة، فمصر تبدو هادئة كصفحة النيل، لكنها في لحظة تتحول إلى بلد داهس كأقدام الفيل، وقد استهانت قيادة الإخوان بقوة مصر الكامنة، وتصوروا أن بوسعهم ‘ أخونة’ مصر، وبلغ الامر بمرشد سابق للإخوان أن قال ‘طظ في مصر’، كان مرشد ‘طظ في مصر’ ـ مهدى عاكف ـ مدرس ألعاب، وكان مرشد ‘أخونة مصر’ ـ محمد بديع ـ طبيبا بيطريا، لم يعرف أحدهما عن التاريخ المصري شيئا، وليس بوسعه أخذ الدروس والعظات، والاثنان من أبناء ‘غيتو’ إخواني تصور أن بوسعه غزو مصر. وبغرور تملكهم مع تفشى النفوذ الإخواني عبر أربعين سنة مضت من الانحطاط التاريخي.
ولم يدركوا أن لحظة الفوات العقلي والوجداني للمصريين لن تستمر طويلا، وأن إفاقة المصريين من غيبوبة الأربعين سنة بدأت متدرجة عقب الموجة الأولى للثورة الجارية في 25 يناير 2011، وأن صدمة الحكم الإخواني العابر سوف تكمل عملية الإفاقة من الغيبوبة. هكذا صحت مصر على وقع خطر ‘الأخونة’، التي لم تجد زادا تسترشد به سوى اختيارات الانحطاط الموروثة عن زمن مبارك، وإعادة انتاج المأساة نفسها، وبكفاءة متدنية وشبه منعدمة، وبروح تكويش واستحواذ على مفاتيح المال والسلطة، وبتصور عظيم البؤس، تخيل أنه يمكن ابتلاع مصر في بطن جماعة، وكان الفشل حتميا، ثم كان العزل وجوبيا، ولم يقتصر على عزل رئيس فاشل، بل تطور إلى عـــزل شعبي كاسح لجماعة وصلت إلى أرذل العمر، ووصلت قيادتها إلى الضعف والعجز العقلي والوجداني، ومن دون أن تدرك أن ‘أخونة مصر’ مستحيلة، وأنه لا أمل للجماعة في البقاء بغير ” وتطليق أوهام الأخونة إلى الأبد.
نعم، الإخوان في محنة غير مسبوقة في طبيعتها، وكل تضحيات أجيالهم تذهب هدرا، ولا فرصة للخروج من المحنة بالعناد والكبر والإنكار، أو طلب معونة أمريكا وإسرائيل، على نحو ما فعلت قيادة الإخوان، فكل ذلك مما يرديهم أكثر في المحنة والخطيئة، ويزيد في عزلتهم عن المصريين الذين ينفرون الآن من مجرد ذكر كلمة ‘ إخواني’، قيادة الاخوان لا تريد لشبابها أن يلتفتوا إلى العلة الحقيقية في ما جرى ويجري، ولا أن يعرفوا مصدر الخطر الذي دمر شعبية كانت للإخوان، فمصدر الخطر هو القيادة الأعظم بؤسا في تاريخ الجماعة، التي تريد أن تذبح شباب الإخوان على مذبح مطامعها وامتيازاتها، فلشباب الإخوان أن يسألوا أنفسهم قبل غيرهم، وأن يفكروا لأنفسهم قبل أن يفكر لهم أحد، ولو تساءلوا لعرفوا أصل العلة في الفشل، لو تساءلوا عن اسم الرجل الأقوى في قيادة الإخوان لوجدوا أنه خيرت الشاطر، ولو تساءلوا عن مؤهلاته لعرفوا أنه ليس فقيها ولا مفكرا ولا سياسيا ولا كاتبا ولا خطيبا مفوها، وانه رجل بيزنس ولو تأملوا في هذه الحقيقة المعروفة مليا لعرفوا كيف تنظر لهم قيادة الإخوان، التي تدفعهم للموت طلبا للاستشهاد الزائف، ومن دون أن يستشهد رجال القيادة، لا هم ولا الأبناء والبنات ولا الحواريون، فالقيادة في واد آخر مشغولة، ومراكز القوة في الجماعة هي نفسها مراكز البزنس وهؤلاء ـ من جماعة البزنس ـ ينفقون الفتات، ويتعاملون كمقاولى أنفار مع شباب الإخوان، ويدفعونهم إلى الموت حفظا لمصالح وامتيازات ومليارات هي من عروض الدنيا لا من مقاصد الدين، وهنا بيت الداء بامتياز في محنة شباب الإخوان، وما من دواء للداء بغير خلع السمع وطاعة النفوس لقيادة الفلوس .
‘ كاتب مصري