سلطت الحلقة الثالثة والعشرون من سلسلة «أصوات من طوباس» لوزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، أمس، الضوء على مزارع الأعشاب الطبية في بلدة طمون، والتي يقول مزارعون إنها هزمت مستوطنات الاحتلال بتوفيرها فرص عمل بديلة لعدد العائلات، وبدأت بتصدير منتجاتها إلى الأسواق العالمية، كحال سبع شركات زراعية تنتشر في المحافظة الشاسعة منذ سنوات حققت نجاحا كبيرا.
روائح عطرية
وأمسك العشريني إبراهيم بشارات، سكينه لاستخدامها في تقطيع رزمة من النباتات الطبية التي تفوح رائحتها العطرية داخل مركز للتعبئة في بلدة طمون الشفا غورية.
ويسرد هذا الشاب الذي يدرس المحاسبة في جامعة القدس المفتوحة، حكايته فيقول: «أوفق بين كتبي والعمل في هذه الشركة المحلية التي تخصص ما تزرعه للتصدير إلى خارج الوطن، وحين تشتد علي الامتحانات أخرج في إجازة».
ووفق بشارات، فإنه كشأن كثيرين من الشبان ممن هم في جيله، بمن فيهم شقيقه أسامة الذي يدرس التربية الخاصة في الجامعة ذاتها، كانوا لا يجدون عملا، أو يضطرون للحصول على فرص عمل في المستوطنات المقامة فوق أرضهم أو ينضمون إلى سوق البطالة.
ويضيف: «خططي بعد التخرج أن أبحث عن عمل، لكنني أنظر إلى سوق التشغيل، وأجد من سبقني كأحمد بشارات (24عاما)، والذي يحمل درجة الدبلوم في التمريض يعملون هنا ولا يكملون طريقهم إلى المستوطنات التي كان الشبان من جيلنا حتى سنوات قريبة يعملون فيها، وخاصة في مجال الأعشاب الطبية ذاته».
أما محمود بشارات، والذي تخرج من كلية هشام حجاوي، ويلبس اليوم زيا أخضر اللون ويغطي رأسه بقبعة بلاستيكية، فيقول: «أنا هنا في غرفة عمليات أفرز الأعشاب الطبية وأنسقها وأغلفها وأجهزها للتصدير، ولا أفكر كثيرا بشهادة أتمتة المكاتب، والتي حصلت عليها عام 2011، لأن سوق البطالة تلتهم من يندب حظه، والشهادة سلاح سنستخدمه في يوم ما».
«إنتاج فلسطيني»
في مكتب مجاور لمركز التعبئة، يمضي زهير وحكمت وخليل بشارات وقتا طويلا في متابعة شؤون مزرعتهم، ويحصون العبوات الجاهزة، ويلصقون عليها عبارة «إنتاج فلسطيني».
يقول خليل: «أسسنا شركة لإنتاج الأعشاب الطبية عام 2008، وأطلقنا عليها اسم بلدتنا ذاته، وجاءت الفكرة حين قررنا أن نتخلى عن العمل في المستوطنات والعودة إلى أرضنا».
واستنادا إلى بشارات، فإن الزراعات التقليدية كالبندورة والخيار في المنطقة تواجه العديد من المشاكل أبرزها تدني الأسعار وعدم وجود أسواق للتصدير الخارجي.
وبدأ الأخوان بشارات وصهرهم بزراعة أكثر من 20 نوعا من الأعشاب كالكسبرة والنعناع والزعتر الليموني والحميض وإكليل الجبل والجرجير والميرمية وبصل الثوم، بعد أن توقفوا عن العمل في مستوطنة «روعيه» المقامة على أراضي الأغوار، وصاروا اليوم يوظفون 25عاملا ينتشرون في 70دونما من الدفيئات الزراعية البلاستيكية.
التصدير
يقول حكمت: «كل ما ننتجه يشق طريقه إلى ألمانيا وروسيا والإمارات والولايات المتحدة بعد أن تنجح فحوص المحصول وتؤكد خلوها من الكيماويات السامة، ونظرا لتحكم الاحتلال بمنافذنا الحدودية، نضطر لبحث عن وسيط إسرائيلي، وبتنا اليوم نعتمد على أنفسنا وتواصلنا مع مصدرين أجانب».
ويتابع: «نتبع نظام الدورة الزراعية، ولدينا الكثير من المحاصيل، والأمر متعب وفيه العديد من المشاكل، لكن ذلك أفضل من أن نستمر في المستوطنات، أو نلقي بمحاصيلنا التقليدية في الشارع أو نبيعها بتراب المصاري».
وبحسب حكمت، فإن العامل الواحد ينتج يوميا ما بين 15 ولغاية 20 كيلوغراما من بصل الثوم رفيع الأوراق، وتتضاعف الكمية في أصناف أخرى أكثر سهولة.
وترسم الشحنات دربها انطلاقا من الأغوار، نحو الداخل الفلسطيني لتصل وجهتها بعد ثلاثة أيام إلى بلاد بعيدة، فيما يسبق العاملون في المزرعة الشمس لقطف الأعشاب بعناية من الدفيئات، ثم يعودون أدراجهم إلى مركز التعبئة.
يقول عبد صالح يوسف «43عاما»، والذي تكسو وجهه لحية سوداء: «أعمل ثماني ساعات كل يوم، وسبق أن اشتغلت عشر سنوات في المستوطنات مقابل 60 شيكلا يوميا، أما اليوم فأنا أكثر سعادة لأنني أعمل في بلدي وليس في مكان سرق أرضنا».
ويزيد: «أجمل شيء أن أعلم أطفالي الخمسة الاعتماد على الذات، وأنا لا أترك بلدي للعمل في أي مكان بالدنيا، وأصعب ما يواجهني هو البصل الصغير الذي يحتاج لصبر وتعب حتى يجهز، لكن الجيد أننا نتناوب في المزرعة وهذا المكان على الأعمال السهلة والصعبة فيه».
ويتقن العاملون في مركز التعبئة شروط الأعشاب الطبية سريعا، فهي تحتاج إلى توحيد في أطوالها، وتنظيف من الأعشاب، وإزالة الزوائد.
يقول يوسف: «نلبس الزي الموحد، ونوحد أطوال النعناع مثلا بـ20سم، أما البصل فبين 18 ولغاية 25سم».
تكاليف باهظة
ويشكو الأخوة بشارات من التكاليف الباهظة التي تطوق أعناقهم وارتفاع أثمان المياه وتكرار موجات الصقيع والرياح التي تهدد بيوتهم البلاستيكية.
ويقول أحدهم: «كل شيء مرتفع الثمن، ونبيع كيلو النعناع الواحد إلى أوروبا بـ18شيكلا، ونعرف أنه يصل المستهلك هناك بأضعاف هذا السعر، لكن لا نستطيع التصدير بمفردنا، فالاحتلال يتحكم بمعابرنا كما ينهب أرضنا ومياهنا».
وتعمل في منطقة طوباس والأغوار، والتي اشتهرت بكونها بسلة غذاء فلسطين، سبع شركات في زراعة الأعشاب الطبية وتصديرها للخارج، بدأ بعضها في وقت مبكر، وتؤكد تقديرات محلية أن حجم الأراضي المزروعة بهذه الأصناف يتخطى حاجز الألف دونم.
إضاءة ليلية
ويروي حكمت: «بعض النباتات تحتاج إلى إضاءة ليلا مثل التراجون، وبعضها لا يقاوم البرد، وكلها تحتاج إلى الماء الذي يصل ثمن الكوب الواحد منه إلى خمسة شواقل، وتصل التكلفة طوال الموسم 1200 كوب، فيما ترتفع أثمان الأشتال والأسمدة والكيماويات وأجور العمال والنقل لسيولة كبيرة.
وينهي بشارات: «يكفي أننا نعمل في أرضنا، ولا ندعم إطالة عمر المستوطنات المقامة أيضا فوق أرضنا، ونشغل في مزرعتنا عائلات كثيرة».
وتعهد سالم بشارات، الدارس في جامعة القدس المفتوحة سنة رابعة تخصص اجتماعيات، مسؤولية حقل بصل الثوم، حيث قال: «هنا نتعلم ونؤدي امتحانات في الارتباط بالأرض ورعاية النباتات، وفي الجامعة نؤدي امتحانات».
ويسهم سالم في إعالة أسرته ذات الأفراد التسعة، ويفكر بتأسيس عمل خاص به في الزراعة، إن تعثر حصوله على وظيفة.
يقول والابتسامة تطوق وجهه: «من يتكبر على الأرض لا تعطيه، ومن يزرع يحصد، وهي تشبه الكتاب والامتحان فمن يدرس ينجح».
ألوان
بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية، عبد الباسط خلف، إلى أن سلسلة «أصوات من طوباس»، ستبدأ سنتها الثالثة بنقل أوجه الحياة المختلفة في المحافظة، ورصد قصص نجاح وصمود ومعاناة في بقعة ممتدة تنتشر على مساحة 402 كيلو متر مربع يسكنها نحو 60 ألف نسمة موزعين على نحو 30 تجمعا تواجه في معظمها الاستيطان والتهويد. order online pariet 20 mg.