كتب \ المحامي زياد ابو زياد
أستغرب التصريحات التي صدرت عن بعض المسؤولين الفلسطينيين الذين حذروا من أن هدف التسهيلات الاسرائيلية للفلسطينيين بشأن الدخول إلى القدس هو هدف إقتصادي ، وأذكر في هذا السياق تصريحات مماثلة في هذه المناسبة من العام الماضي والتي كانت بمثابة دعوة مبطنة ضد إعطاء التصاريح على نطاق واسع بحجة أنه سيكون لها أثر سلبي على الاقتصاد الفلسطيني لان معظم الذين يحصلون على التصاريح يتوجهون للشراء من إسرائيل.
ومن أجل أن لا يتحول هذا الموقف إلى سياسة ، ومن أجل وضع الامور في سياقها الصحيح فقد رأيت أن لا بد من التحدث بصراحة ٍ في هذا الامر.
بداية كانت الحدود بين الضفة والقطاع وإسرائيل مفتوحة على مصراعيها حتى الثامن والعشرين من آذار 1993 حين فُرض الاغلاق لاول مرة إثر عملية انتحارية أو استشهادية ، وتحول منذ ذلك الحين إلى سياسة تم تصعيدها ومأسستها وتضييق خناقها وفقا ً لوتيرة تلك العمليات إلى أن تحولت إلى سياسة وواقع واكتشف الاحتلال أنه يستطيع بواسطتها الانفراد بأهلنا في القدس والاستيطان بحرية في المناطق التي ضمّها داخل الجدار ، والعمل في نفس الوقت ، ومن خلال منع عمالنا من العمل داخل إسرائيل ، على إرغامهم للتوجه للعمل في بناء وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وقد اضطروا لذلك تحت ضغط الحاجة للقمة العيش وعجز السلطة الفلسطينية عن تقديم بديل لهم يكفيهم عناء العمل في المستوطنات.
ولقد أدى الاغلاق ومنع الوصول إلى القدس إلى تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي في القدس وبدأت تبرز ظواهر إجتماعية وإقتصادية جديدة لا مجال للتوسع في شرحها في هذا المقال إضافة إلى الفراغ السياسي. ، ومن أبرز هذه الظواهر الاجتماعية هو توجه الفلسطينيين بالقدس نحو الداخل الاسرائيلي ، وتوجه عرب الداخل نحوهم ، فبدأ أشقاؤنا من العرب المقيمين داخل الخط الاخضر ويحملون الجنسية ألاسرائيلية يحلون محل فلسطينيي الضفة ، وشمل ذلك المجال الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي كالزواج ، بينما تحول الكثير من الشبان المقدسيين وخاصة العمال للعمل في المدن الاسرائيلية في العمق الاسرائيلي. ويمكن القول بأن هذه العملية قد أدت إلى تسريع ربط ودمج شريحة كبيرة جدا من فلسطينيي القدس في العمق الاسرائيلي ، في حين انتقل بعض أصحاب رؤوس الاموال المقدسيين للاستثمارفي الضفة الغربية وخاصة مدينة رام الله وانتشرت ظاهرة إقدام المقدسيين على شراء الاراضي وبناء المساكن في الضفة وخاصة ً مدينة أريحا ، مما زاد في تفاقم تدهور الوضع الاقتصادي في مدينة القدس . وإذا ما أضفنا إلى هذه الظاهرة مشكلة الضرائب الباهظة التي تُفرض على سكان القدس بشتى الذرائع ، فإننا نستطيع أن نتصور كيف يمكن أن يؤدي تهجير رؤوس الاموال من القدس للضفة واستمرار الحصار والاغلاق على القدس وتجفيفها من الداخل ، إلى تهجير للناس بعد رؤوس الاموال وهذا هو الخطر بعينه.
إن جولة قصيرة في أسواق البلدة القديمة وخاصة باب السلسلة تكشف أن عشرات المحلات قد أغلقت أبوابها بسبب الضرائب ، وأن العديد من أصحابها يتعرضون يوميا ً للضغط من أحل دفع الضرائب أو الغرامات أو كلاهما من جهة ، وإلى الاغراءات الخيالية لاقناعهم ببيع محالهم ، دون نجاح ملحوظ حتى الآن ، من جهة أخرى .
ولا شك بأن هذا الواقع الذي تعيشه القدس يتطلب سياسة واعية منفتحة تضع في الاعتبار الاول كيفية فك الحصار والطوق عن القدس بمعزل عن العملية السياسية من أجل إعادة اللُحمة بين أبنائها وأهلهم في الضفة الغربية ، فلا يكفي أن يتغنى البعض بأن القدس هي العاصمة الابدية للدولة الفلسطينية العتيدة ثم يشتاطون غيظا ً حين تقرر سلطات الاحتلال تقديم بعض التسهيلات والسماح لعدد أكبر من الفلسطينيين بالوصول إلى القدس لاداء صلاة الجمعة !.
ومن السذاجة المزرية أن يقول البعض أن هدف إسرائيل من تسهيل دخول الفلسطينيين إلى القدس هو من أجل أن يشتروا البضاعة الاسرائيلية أو أن الدافع وراء التسهيلات الاسرائيلية هو دافع إقتصادي. فالجميع يعرف بأن إسرائيل لا يمكن أن تقبل بأية مجازفة تعرض أمنها للخطر من أجل كسب إقتصادي ، ناهيك عن أن أسواق الضفة تغص بالمنتجات الاسرائيلية بما في ذلك منتجات المستوطنات المهربة إليها من شتى الاشكال والانواع سواء المواد الغذائية أو الاستهلاكية الاخرى ، والتي تُدر على إسرائيل أكثر من اثني عشر مليار شيكل سنويا ً ! وإذا كان أمثال هؤلاء المعارضين للتسهيلات والتصاريح يشفقون على الاقتصاد الفلسطيني من المزاحمة الاسرائيلية فإن عليهم أن ينظروا تحت أنوفهم وينظروا في الاسواق حيث يعيشون والبضائع التي يستهلكون قبل أن يتحدثوا عن أبعد من ذلك. medicine online order.
أمس الاول كان المسجد الاقصى زاخرا ً بالمصلين الذين قُدر عددهم بأكثر من مئتي ألف مصل الذين نجحت مديرية الاوقاف الاسلامية في حُسن استقبالهم حيث تم إدخال التحسينات كالمظلات والنظام والخدمات لاستقبالهم وتوفير كل الوسائل لراحتهم .وكانت القدس هي القدس التي عهدناها في الماضي ، وكان التواجد الفلسطيني فيها رسالة للعالم أجمع بأن القدس الشرقية هي مدينة عربية فلسطينية وبطلان أي إدعاء آخر.
وإذا كان البعض من قياداتنا _ وما أكثرها _ حريص على القدس والمسجد الاقصى فإن عليه أن يضم صوته إلى أصوات المطالبين بالمزيد من التسهيلات ورفع القيود عن الوصول إلى القدس ليصبح الامر طبيعيا ً وعاديا ً وغير مستهجن بعد أن اعتاد الكثيرون وخاصة الاجيال الشابة على العيش بدون القدس ، إذ نجحت سياسة الجدار والاغلاق في إبعاد القدس عن وعيهم العملي اليومي فلا أحد منهم ينهض في الصباح يُفكر بالذهاب إلى القدس.
ولا بد من النظر بإيجابية إلى التسهيلات وتوسيع نطاق دائرة المسموح لهم بالدخول إلى القدس والتي انعكست في تسهيل عملية الدخول من المعابر وحضور الشرطة الفلسطينية عند بعضها وفي التواجد المكثف للمواطنين في القدس والاقصى.
ومع ذلك فإن استمرار منع ذوي الفئات العمرية الشابة من الدخول إلى القدس يجعل ذلك الانجاز قاصرا ً وغير كاف ٍ بالمرة ، وعلى السلطات الاسرائيلية أن تفهم بأن الوصول إلى القدس العربية والمسجد الاقصى هو حق ٌ وليس منّة ، وأن عليها أن ترفع القيود عن دخول الشبان من جميع الاعمار إلى القدس لان مثل هذا الامر يُعزز الجهود لتخفيف الاحتقان وتهيئة الاجواء لاية مبادرة لزحزحة الازمة السياسية نحو الانفراج.
وفي المقابل ، وإذا افترضنا بأن لا مجال لزحزحة الازمة وتحقيق مثل هذا الانفراج السياسي ، فإن على الجميع أن يُدرك بأننا نحن والاسرائيليين باقون في هذا المركب لامد طويلٍ للغاية ، وأن تحمل مشاق هذا البقاء المشترك وجعله قابلا للاحتمال والتحمل يتطلب المزيد من التهدئة وتسهيل شؤون حياة الناس على كافة الاصعدة لا تعقيدها ودفعها نحو الانفجار…