كتب/ نبيل عمرو
ابتهج بعض الفلسطينيين بالاطاحة بمرسي..
وحزن البعض الآخر.
الا ان الحقيقة الاعمق، لا تكمن في الابتهاج والحزن بل بتأثير ما حدث على الفلسطينيين جميعا.. واول مؤثر سلبي ، هو الفرز الاضافي الجديد ، فقد ظهر عندنا انصارٌ لمرسي رفعوا صورته في الاقصى، ليس كزعيم مصري مغلوب على امره بل كزعيم للامة يستحق ان يبذل الغالي والرخيص من اجل اعادته الى سدة الحكم ، حتى لو كان هذا الهدف يتطلب القيام بما لا يتصوره عقل، على حد قول الزعيم الاخواني المتهور ” صفوت حجازي”.
وظهر عندنا بالمقابل انصار السيسي، الذين وان لم يرفعوا صور الجنرال لا في الاقصى ولا في اي مكان اخر، الا انهم تنفسوا الصعداء لزوال حكم الاخوان في مصر، وراهنوا على ان ما حدث في مصر ربما يحدث في غزة، وفي حالة كهذه تتفوق الامنيات على الحسابات ، وتكون الاستنتاجات غير عملية وغير واقعية. فلا سيسي في غزة، ولا مليونيات تنادي بالتخلص من حكم حماس، حتى المليونية اليتيمة التي تجمعت للاحتفاء بذكرى الانطلاقة، جرى الاجهاز على آثارها منذ اليوم الاول، واندثر تأثيرها ولم يبق منها الا مطالبات اصحاب الحافلات باجرتهم التي لم تصلهم بعد.
الفرز الاضافي الجديد بعد الحدث المصري الكبير، اظهر معادلة فلسطينية غريبة ولو انها منطقية ، وهي ان طرفي النزاع على السلطة حماس وفتح، دخلا دائرة دفع الاثمان وليس حصد المزايا ولنتوسع قليلا في امر حماس.
منذ بداية الربيع العربي ، وعودة الغنوشي الى تونس وتسيد القرضاوي منصة الثوار في ميدان التحرير على حساب صانعي الثورة الاصليين من الشباب .. دخل في روع حماس، ان مرحلة حكم الاسلام السياسي للشرق الاوسط كله قد بدأت ، حتى ان الصديق الرصين والمعتدل خالد مشعل قال في تصريح علني، ” اينما يممت وجهك في عالمنا تجد قادة المسلمين يحكمون ، وسرد اسماء ودولا كثيرة .
استمر هذا الوهم سنة لا اكثر، وكانت النتيجة، انه خلال السنة لم تنعم حماس بمزايا سلطة الاسلاميين في تونس ومصر، ولم تنفع محاكاة بيت الشعر الذي قال :
هذا ابن عمي في “مصر” خليفة….. لو شئت ساقكموا الي قطينا
وبوسعنا الزيادة بالقول .. حتى خليفة المسلمين ” الانيق اردوغان” لم يفعل لرعايا الخلافة في غزة اكثر مما فعل غيره.. حتى سفينة مرمرة نعرف كيف انتهى امرها.
والان بعد الحدث المصري العميق والواسع والمؤثر، خرجت حماس من ” المولد المصري” باتهام شعبي بقتل الجنود الصائمين في رمضان الماضي. واتُهمت كذلك باشاعة الارهاب في سيناء.. واصبحت في نظر غالبية المصريين تشكيلا مطلوبا للقضاء .. ذلك بعد خسارتها سوريا بفعل الموقف العدائي المفاجئ من النظام. وخسارة حزب الله وايران بفعل الموقف ذاته، ودعونا ننتظر عقلا يقول المتهم بريء حتى تثبت ادانته. وفي واقع الامر فان حماس خسرت جميع الحلفاء، ولم يتبق لها الا رام الله التي كانت خسرت قبلها صندوق الاقتراع وغزة وما تزال تنسج بفعل الخيبة المتمادية على نول المصالحة وكأن شيئا لم يكن.
بالمقابل فان انصار السيسي عندنا ، وانا منهم بالطبع، يبدون كما لو انهم يشاهدون مسلسلا رمضانيا مشوقا ما ان تنتهي حلقة حتى يجري انتظار الحلقة التي تليها ، والجالس امام شاشات التلفزيون لا اثر له في الاحداث ، الا انه يقوم بدور من ينتظر النهايات السعيدة.
نحن انصار السيسي الذين نموه على موقفنا بالقول انا لا نتدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي او غير عربي، ووصل بنا الامر حد اننا لا نتدخل حتى في الامر الفلسطيني، فان عندنا ما ننتظره وما نراهن عليه .. انه العم كيري الذي ربما يأتي محملا بالهدايا ونحن على ابواب العيد .. لقد تأخر الرجل عنا حتى ان كثيرين منا دعوا في صلواتهم المستجابة في هذا الرمضان الفضيل ان يشفي الله زوجته من الوعكة التي المت بها ، لان كل يوم مرض لهذه السيدة الفاضلة، يعني فراغا يملأه وزير الاسكان الاسرائيلي بوحدات جديدة .. وعلى الارجح ان لا يخيب كيري آمال منتظريه، ويأتي، وعلى الاغلب ان يكون في جعبته شيء ما والا لن يعرف احد كيف سيكون شكل عيد الفطر هذا العام.
انه المأزق الذي يحيط بالفلسطينيين جميعا.. يطبق على صدر غزة وعلى صدر الضفة، وفي غزة يقاومون الحصار الجديد بالصمت والانكار وفي الضفة يقطعون الوقت بالامل والانتظار ، وفي كلتا الحالتين ودون ان يجترح احد ما مخرجا وطنيا لما نحن فيه، فان المأزق مستمر ومتعمق ، ومشاهدة المسلسلات الرمضانية وانتظار نهاياتها السعيدة امر لا يكفي ولا ينفع.