يقلم: المحامي زياد أبو زياد
بينما تصدر بين الحين والآخر بيانات وتصريحات دولية تدين البناء في المستوطنات وتحذر من أن استمراره يعني الغاء حل الدولتين وجعل ذلك الحل مستحيل التحقيق فإننا لا نسمع ما يكفي من التحذيرات المماثلة فيما يتعلق باستمرار هدم منازل الفلسطينيين وتشريدهم. وأقول ما يكفي لأن هدم المنازل العربية بات أمرا روتينيا ً ومادة إخبارية تتناقلها وسائل الإعلام فقط دون أن يكون هناك الإهتمام الدولي الكافي بشأن ما يجري في هذا المجال.
هدم المنازل العربية
لقد قامت إسرائيل خلال الفترة من بداية عام 2006 حتى نهاية حزيران عام 2016 بهدم 1113 منزلا ً كان يقطنها أكثر من خمسة آلاف ومئتي مواطن أي ما يُعادل هدم قرية بكاملها وتشريد أهلها في العراء. كما لوحظ أن وتيرة الهدم قد ازدادت حدة خلال العام الحالي بحيث بلغ ما تم هدمه خلال النصف الأول من هذا العام ما يزيد عما تم هدمه خلال العام كله 2015 ، إذ تم خلال الستة أشهر الأولى من هذا العام هدم 168 منزلا بينما تم هدم 125 منزلا طيلة عام 2015.
ولا أريد أن يُفهم من كلامي أن تصريحات الإدانة والتحذيرات التي ترافقها هي أمر ذو نفع ولكنني أعتقد بأن هدم المنازل لا يُحظى بالإهتمام الكافي ضمن رؤية شمولية لهذا الهدم توضح السياسة والمنهج الذي يقوم عليه والهدف الذي يكمن وراءه والذي يندرج تماما في إطار تكريس الإحتلال والضم وإفشال أي جهد دولي لتحقيق تسوية سياسية تقوم على أساس إنهاء الإحتلال.
وعمليات الهدم هذه تتزامن وتسير بالتوازي مع عمليات البناء الإستيطاني النشطة في القدس العربية ومنطقة الأغوار ومستوطنات الضفة وبشكل يؤكد أن الهدف الإسرائيلي هو زيادة عدد المستوطنين اليهود الى أقصى حد ممكن من خلال الإغراءات والتسهيلات الإئتمانية والقروض والمنح والميزانيات الخاصة لدعم الإستيطان وبنفس الوقت تقليص عدد العرب إلى أدنى حد ممكن من خلال استمرار هدم منازلهم ومصادرة مواشيهم ومعداتهم الزراعية والتضييق عليهم لجعل حياتهم وحياة أسرهم وأطفالهم أمرا لا يُطاق.
بناء المنازل للمستوطنين اليهود
فالبناء في المستوطنات وفي مدينة القدس العربية المحتلة لم يتوقف بل هو في تصاعد وسباق مع الزمن. فقد تم في الأسبوع الماضي والأسابيع القليلة التي سبقته الإعلان عن إضافة 89 وحدة سكنية في الحي الإستيطاني جيلو جنوب القدس المقام على أراضي بيت جالا ، وإقرار مخطط هيكلي لإفساح المجال لبناء 770 وحدة سكنية من أصل 1241 وحدة على المنحدرات الشرقية باتجاه بيت جالا و 130 وحدة سكنية في الحي الإستيطاني هار حوماه المقام على جبل أبو غنيم من أراضي بيت ساحور و 68 وحدة سكنية في الحي الإستيطاني بسجات زئيف المقام على أراضي بلدتي حزما وعناتا و36 وحدة سكنية في الحي الإستيطاني نفيه يعقوب في بيت حنينا.
ومن متابعة أعمال الهدم التي تقوم بها إسرائيل من خلال ما يُسمى بالإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية وبلدية القدس في القدس العربية المحتلة يلاحظ أن الأنشطة الإستيطانية تقوم على أساس الإفتراض بأن ما يُسمى منطقة “ج” هي منطقة إسرائيلية والتعامل معها على أساس أنها مخصصة للإستيطان. وأن أعمال الهدم تتمركز في القدس العربية ومنطقة الأغوار وجنوب الخليل ومحافظة نابلس. ولا أقصد هنا أعمال الهدم التي تتم كإجراء انتقامي ضد من ينفذون عمليات ضد الإسرائيليين وإنما عمليات الهدم التي تتم عادة بحجة عدم الترخيص.
ففي القدس أعمال هدم يومي لمنازل المواطنين تتمركز في منطقة بيت حنينا والعيساوية والمكبر وبلدة القدس القديمة. وأعمال الهدم هذه تتم عادة بحجة عدم الترخيص ولكنها تستهدف في الواقع منع التواصل الجغرافي بين الأحياء العربية وتكريس فصلها عن بعض والضغط والتضييق على المواطنين لحملهم على الرحيل عن المدينة.
أهداف الهدم والبناء الإستيطاني
واستمراراً في هذا المنهج فإن السياسة الإسرائيلية في غور الأردن تقوم على أساس تفريغ ، ولا أقول تطهير ، منطقة الأغوار من سكانها العرب وجعلها منطقة إسرائيلية يهودية بحتة وهذا ينسجم تماما بل ويُشكل إحياء ً للخطة المسماة مشروع ألون نسبة إلى وزير العمل في حكومة ليفي إشكول بعد حرب حزيران عام 1967 مباشرة والتي تقوم على أساس ضم غور الأردن لإسرائيل وحصر وجود الفلسطينيين في التجمعات السكانية الموجودة في قلب الضفة الغربية وتمكينهم من التواصل مع الأردن من خلال ممر يعبر من أريحا إلى الجسر.
ولذلك فإن الإستهداف الأول هو لمنطقتي القدس والأغوار حيث يتعرض العرب المقيمين هناك إلى سياسة منهجية لهدم بيوتهم ومنشآتهم الزراعية ومصادرة خزانات المياه ووسائل الإنارة الشمسية لأنهم ممنوعون من الربط بشبكة الكهرباء ومصادرة المركبات والآليات الزراعية واستمرار الضغط عليهم لتهجيرهم من منطقة الأغوار قسرا ً لدرجة أنه يتم منع الصليب الأحمر والإتحاد الأوروبي من تزويدهم بالخيام أو أية معدات حياتية تساعدهم على البقاء في أماكنهم.
ثم تلي ذلك منطقة جنوب الخليل التي يتم تفريغها من خلال المداهمات والمضايقات وأعمال الهدم والتشريد اليومي لطرد سكانها العرب وتخصيص أراضيهم للمستوطنات الإسرائيلية لتوسيع رقعتها وصولا إلى خلق امتداد جغرافي يربطها ببعض وصولا إلى كريات أربع والتجمع الإستيطاني المحيط بالخليل ، إضافة إلى استمرار التوسع الإستيطاني داخل المدينة بهدف تمزيق نسيجها الجغرافي والإجتماعي من خلال السيطرة على أجزاء واسعة من البلدة القديمة وخلق المزيد من البؤر الإستيطانية داخل أحيائها واستمرار تفشي مساحة هذه الأجزاء تمهيدا لابتلاع المدينة.
ومع أن هذا المقال يحاول وضع الأصبع على الأماكن التي تنشط أو تتمركز فيها عمليات الهدم الإسرائيلية وكشف السياسة التي تكمن وراءها ، فإن هذا لا يعني بأن أعمال الهدم تقتصر على هذه المناطق وإنما هي في حقيقة الأمر منتشرة على طول الأرض المحتلة وبتفاوت من منطقة لأخرى.
هذه السياسة التي تنتهجها إسرائيل في هدم المنازل العربية ومصادرة الأرض والمعدات والمنشآت الزراعية إنما هي الشق الآخر لسياسة بناء المستوطنات وتوسيع القائمة منها وخلق الوقائع على الأرض والتي تحول دون أي انسحاب مستقبلي وتقضي عمليا ً على أية فرصة للحل السياسي القائم على ما يسمونه حل الدولتين والذي لم يعد له وجود نتيجة لهذه السياسة.
وعليه فإن من الضروري أن يدرك العالم بان الخطر على مستقبل الحل السياسي يكمن في البناء الإستيطاني من جهة ، وهدم المنازل العربية من جهة أخرى ، وكلا الأمرين يشكل مخالفة وخرقا ً فاضحا لاتفاقية جنيف الرابعة يرقى إلى مستوى جرائم الحرب. erythromycin by mail.