أبناؤنا المبتعثون و «اليهود»

22 سبتمبر 2013آخر تحديث :
أبناؤنا المبتعثون و «اليهود»
أبناؤنا المبتعثون و «اليهود»

ثريا الشهري

الأحد ٢٢ سبتمبر ٢٠١٣

للباحثة اليمنية – المصرية الشريفة أبكار السقاف مؤلف أنجر منتصف الستينات عن جذور الصراع العربي- الإسرائيلي بعنوان: «إسرائيل والأرض الموعودة»، وجاء في ثناياه نبش للرابطة بين اليهودية والصهيونية، وفيه تقول أبكار بشيء من التصريف: «اليهودية كدين والصهيونية كحركة سياسية لا يختلفان. فاليهودية ليست كسائر الأديان، فهي لا تعبر عن طائفة دينية فحسب، وإنما عن حركة سياسية أيضاً، امتدت أصولها منذ البابليين من مملكة يهوذا. ومن هنا يجيء مفهوم الصهيونية كحركة يهودية تسعى بقواها وبما تستطيعه من وسائل إلى إعادة مملكة اليهودية، وبناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى للسيطرة على العالم وحكمه من القدس على يد ملك يهودي هو المسيح المنتظر».

أما لماذا نشأ في أذهان كثيرين أن الصهيونية شيء مختلف عن اليهودية؟ boots promo code.

يعزى ذلك – من وجهة نظر السقاف – إلى سببين: «لحرص مفكري اليهود منذ مستهل الدعوة الصهيونية على إخفاء نواياهم، والخلع على الصهيونية وأهدافها ومبادئها وبرامجها ثوباً إنسانياً عاماً، حيث إيهام الآخرين أن الهدف هو مدّ يد المساعدة إلى يهود العالم المضطهدين، والبحث لهم عن ملجأ يحيون ويمارسون فيه لغتهم وطقوسهم الدينية بحرية. وما فلسطين بالذات إلاّ لكونها منحة إلهية لبني إسرائيل. هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى فلخشية أن يكون لإعلان الحركة الصهيونية رد فعل ضد اليهود في بعض الدول الغربية التي اضطرت إلى التنكيل بهم نتيجة محاربتهم الاقتصادية، ما دعا الصهيونية إلى نفي كل صلة لها بمجموع يهود العالم، زعماً أن الصهيونية حركة مستقلة».

هذا ما كان من رأي الباحثة السقاف. غير أنه وللأمانة الموضوعية والتاريخية يلزم القول إن ليس كل من يدين باليهودية هو مع الفكرة الصهيونية، فعلى سبيل المثال هناك الحركة اليهودية الأرثوذكسية المعروفة باسم: «ناطوري كارتا» أو «حارس المدينة» بالعبرية، والتي منذ تأسيسها العام 1935 كانت ولا تزال من أشد المعارضين للصهيونية وإقامتها دولة إسرائيل. فلم ذلك؟

لإيمانها بأنه وبسبب خطايا اليهود، فلا يجب العمل على استرداد أرض إسرائيل بالقوة، ففيه مخالفة صريحة للإرادة الإلهية، وعلى اليهود البقاء في الشتات إلى أن يأتي المسيح ويجمعهم، ومن مظاهر عدم اعترافهم بدولة إسرائيل الامتناع عن دفع ضرائبها ولمس عملتها لحملها شعار الصهيونية، وعدم الاقتراب من حائط المبكى لتدنيسه بفعل الصهاينة. فهل وقفت المعارضة على الناطوريين؟ هذه أيضاً: لا!

فمن اليهود معارضون للصهيونية من منطلقات يسارية أو إنسانية بحتة، وهذه الفكرة برفض الإنجاز القسري بالتمكين في الأرض لها ما يقابلها لدى الشيعة أيضاً. فمن الشيعة من ليسوا مع الحزب السياسي الخميني الممثل لصاحب الزمان، وإن كان أغلب الشيعة الإثناعشريين من أنصار الخميني، غير أن قسماً منهم ليسوا بهذا الإيمان والمنحى. خذ عندك مثلاً التيار القديم وظهوره في أواخر النصف الأول من القرن الثالث الهجري والمعروف بـ«الشيخية»، وأتباعه المؤمنين أن أي سلطة زمانية هي اعتداء صريح على حق المهدي المنتظر الآتي لإقامة ملكه، ومن الشيخية انبثقت حركة «الكشفية» وفرقة «البابية» التي تفرّعت منها الحركة البهائية.

وهكذا لا تفهم الأمور على إطلاقها، ولكن على تدرّجها واختلاف مشاربها وتوجهاتها بعد تفنيدها، فمن المبتعثين السعوديين بأعدادهم الغفيرة والمنتشرين حول دول العالم، وبخاصة من تمركز منهم في الولايات المتحدة. من هؤلاء من لا يعرف حقيقة التصرف الأمثل والأنسب مع أصحاب الديانة اليهودية، فهل يزاملونهم أو يصدون عنهم لأنهم مع الصهاينة؟ هل يتعاونون معهم على الصعيد الدراسي أم يختارون غيرهم؟ ثم هل يملك الطالب رفاهية الاختيار؟ وكيف يفعل؟ هل يسأل زميله عن ديانته أولاً؟ أم يمشي في زمالته فإذا ما عرف أنه اليهودي قطع الصلة به وإلاّ وصم بالخيانة لعروبته وإسلامه؟ وغيرها من أسئلة جوهرية حائرة وملحة، وعوضاً عن توضيح أجوبتها من أصحاب الثقة والأمانة بحلول واقعية وليست طوباوية غير قابلة للتطبيق، وكيف أن مقياس معاملة الآخر تحددها أخلاقه ومدى احترامه لخصوصية الإنسان، ولنا في زواجنا من الكتابية والسيرة النبوية أعظم قدوة، عوضاً عن هذا كله لا يزال بعض علمائنا وشيوخنا يرفضون مبدأ الابتعاث من أساسه وإن تعاقبت عليه السنون. وكما المثل الشعبي: «قال سمّوك مسحّر.. قال خلص رمضان». وهذه حالنا، فأبناؤنا تسحّروا وفطروا وانتهوا من رمضانهم، وشيوخنا لا يزالوا يشككون في رؤية الهلال.