بقلم: محمد النوباني
لعلني لا أبالغ ان قلت بأن فرنسا التي تبدو في الظاهر دولة مستقلة ذات سيادة هي في حقيقة الامر ليست كذلك بل خاضعة منذ قرابة ٢٠٠ عام، اي قبل ظهور الصهيونية السياسية في مؤتمر بازل عام ١٨٩٧،لسيطرة وتأثير لوبي يهودي يتمتع بنفوذ مالي وسياسي قوي ليس في فرنسا فحسب بل في عموم اوروبا ايضا.
وحتى لا اتهم بالمبالغة فزوجة الرئيس الفرنسي الحالي، ايماناويل ماكرون، ومستشارته التي لعبت دوراً مهماً في توفير الدعم المالي لحملته الانتخابية وبالتالي في ايصاله إلى قصر الإليزيه في الانتخابات الرئاسية السابقة عام ٢٠١٧ هي زوجته اليهودية بريجيت روتشيلد، وهو نفسه كان مصرفياً مغموراً يعمل في إحدى شركات ديفيد روتشيلد – رئيس مجموعة روتشيلد المالية.
آل روتشيلد لمن لا يعرف هم بارونات مال يهود يملكون قرابة ٧٥% من ثروة العالم كما تقول بعص المصادر ، وبفضل نفوذهم المالي الكبير وعلاقتهم الوثيقة مع الحركة الصهيونية فقد تمكنوا من إستصدار وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين في الثاني من تشرين الثاني عام ١٩١٧، وما زالوا يوظفون ثروتهم ونفوذهم السياسي لخدمة اسرائيل وسياساتها، وكسب التأييد لها بما في ذلك في فرنسا.
وقد لاحظ هذه الحقيقة الفيلسوف الألماني كارل ماركس منذ فترة حكم الملك لويس فيليب حيث كتب في مؤلفه ” المسالة اليهودية” الصادر عام ١٨٤٣: “اليهودي مثلا ، الذي لا يحسب له حساب، في فيينا، هو الذي يقرر بقوته المالية مصير المملكة كليا. ان اليهودي الذي قد يكون في اصغر الدول الالمانية، محروما من من الحقوق، هو الذي يقرر مصير اوروبا، وليس هذا حدثا منعزلا، فاليهودي تحرر على الطريقة اليهودية، ليس بان اصبح فقط سيد السوق المالية، وانما لان المال اصبح بواسطته وبفضله، قوة عالمية، والروح العملية اليهودية، اصبحت الروح العالمية للشعوب المسيحية”.
وطور هذه الفكرة بشكل اوضح الفيلسوف الألماني فريدرك انجلس حيث كتب في المؤلفات الكاملة” مصير فرنسا يحل ليس في مكتب تيوليدي وليس تحت اقواس قصر باروف وحتى ليس في اروقة مجلس النواب “الجمعية الوطنية”بل في سوق الاموال الباريسي ” البورصة”. والوزراء الحقيقيون ليسو ج. جيزو، ديو شاتبل يل ج. روتشيلد، فولد والمصرفيون الباريسيون “اليهود” الكبار ممن يحتلون المراكز العليا في المجتمع التي تجعلهم الممثلون المعروفون لطبقتهم، فهم يقودون الوزارات، والوزارات تتبنى بان ينجح هؤلاء في الانتخابات التشريعية، هؤلاء المخلصون للنظام القائم والذين يقبضون بين ايديهم على المصالح المهمة”.
ورغم ان مياها كثيرة جرت في النهر منذ ان كتبت هذه الكلمات الا أن التطورات التي حدثت بعد ذلك وصولا الى يومنا هذا عززت من صحتها واكدت عليها ، فمن فرنسا طالب نابليون بونابارت يهود العالم بعد فشله في احتلال مدينة عكا الفلسطينية علم١٧٩٩بالتوجه الى فلسطين لإقامة دولة لهم فيها. ومن فرنسا صدر وعد باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين في الرابع من حزيران عام ١٩١٧ اي قبل اصدار بريطانيا لوعد بلفور بعدة اشهر باسم “وعد كمبن” الذي كان يشغل انذاك منصب السكرتير العام لوزارة الخارجية الفرنسية. ولا يقلل من أهمية الدور الذي لعبته فرنسا
في تبني ورعاية المشروع الصهيوني ان بريطانيا هي التي استطاعت بحكم قوتها تجسيد ذلك المشروع الى كيان في ١٥ ايار ١٩٤٨، فقد عوضتها عن ذلك باشتراكها مع اسرائيل وبريطانيا في العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦ وفي تمكين اسرائيل من بناء مفاعل ديمونا النووي والحصول على مئات الرؤوس النووية وبتزويد الكيان الاسرائيلي بطائرات الميراج التي دمرت سلاح الجو المصري في حرب حزيران ١٩٦٧.
ولعل اخطر ما في امر المساعدة الفرنسية المتواصلة لاسرائيل ان حكام الاليزيه لا زالوا على المستوى الايديولوجي يشكلون رأس حربة في دعم سياسات ومواقف اسرائيل والغرب المعادية للعرب والمسلمين. ففي فرنسا مسموح ان يتطاول الانسان على كل الاديان وفي مقدمتها الدين الاسلامي كما هو مسموح بالتطاول على كل الانبياء بمن فيهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وسيدنا عيسى عليه السلام، ولكن من غير المسموح بالتطاول على الصهيونية واعتبارها شكلا من اشكال العنصرية او التشكيك بأعداد ضحايا ما المحرقة النازية( الهولوكوست) حيث سيكون بانتظار المشكك قانون ( جيسو فابيوس) الصادر في في ١٣ تموز١٩٩٠ الذي يجرم المشكك بعقوبة السجن والغرامة. وبالتزامن مع الازمة البنيوية التي يمر بها النظام الرأسمالي الفرنسي جراء عدم التوزيع العادل للثروة وسياسات العولمة والليبرالية المتوحشة التي هب كادحو فرنسا لمواجهتها من خلال حركة السترات الصفراء المستمرة فان نظام الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون بدأ مؤخرا باللجوء الى صهاينة فرنسا وبالتالي لإسرائيل ومن خلالها الى الولايات المتحدة الامريكية لمساعدته في التغلب على الازمة التي يعاني منها.
وقد لاحظ المتابعون للشأن الفرنسي أن ايمانويل ماكرون ذهب شوطاً بعيداً في تبني المواقف الاسرائيلية اكثر من غيره من الرؤساء الفرنسيين الذين تعاقبوا على الاليزية حيث آعتبر ان معاداة الصهيونية اصبحت رمزا جديدا للمعاداة، متناسيا حقيقتين مهمتين الاولى اعترفت بها اسرائيل نفسها عندما اقرت قانون القومية مؤخرا بانها دولة لليهود وليس لكل سكانها، والثانية بان العرب المعادين للصهيونية هم ساميون ولا يمكن للمرء ان يعادي نفسه.
وفي ذات السياق اعلن وزير الخارجية، كريستوف كاستانير، في آذار ٢٠١٩ حل اربع جمعيات “تضفي الشرعية على الجهاد المسلح بشكل منتظم، في فرنسا، سواء من خلال الجلسات الدينية او نصوص توضح تصرف المؤمنين ومستخدمي الانترنت” وهي “مركز الزهراء فرنسا” و” اتحاد الشيعة في فرنسا” و” الحزب المعادي للصهيونية”و” نيلي فرانس ماريان”.
وقد كان واضحاً وتحديداً بعد بدء مظاهرات السترات الزرقاء التي انطلقت احتجاجاً على تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في فرنسا في عهد ماكرون وتدني شعبيته بسبب ذلك إلى الحضيض بأن السبيل الوحيد امامه لمواجهة الوضع الناشئ هو افتعال صراع مع مسلمي فرنسا والعالم لصرف انظار كادحي فرنسا عن السبب الحقيقي لمشاكلهم ممثلا بالرأسمالية الفرنسية المتوحشة والهائهم بخطر داخلي وخارجي مزعوم يهدد وجودهم وهو الخطر الاسلامي او ما يعرف بـ(الإسلاموفوبيا).
ولتحقيق هذا الهدف الذي يخدم ماكرون من ناحية انتخابية ويخدم هيمنة صديقته إسرائيل على المنطقة العربية فقد ايد قيام مجلة (شارلي ايبدو) نشر الرسوم التي تسخر من النبي محمد صلى الله عليه وسلم وشن هجوماً على الاسلام معتبراً انه يمر بأزمة وهو يعلم علم اليقين بأن ذلك سوف يؤدي إلى سفك دماء بريئة، وهذا ما حصل بالفعل.
إذن آل روتشيلد هم حكام فرنسا الحقيقيون، فهل اتضحت الصورة؟!.