الجريء في زمن الكورونا الأصفر

14 مارس 2020آخر تحديث :
الجريء في زمن الكورونا الأصفر
الجريء في زمن الكورونا الأصفر

وصفت الصحافة العالمية الرئيس الفلسطيني محمود عباس ( ابومازن) بالجريء، فهو اول رئيس دولة يعلن حالة الطوارئ بسبب تفشي فيروس الكورونا الذي تحول الى وباء عالمي وجائحة مشتعلة تجتاح دول العالم، انه قائد الشعب الفلسطيني المسكون بالايمان وبآية الرحمن “الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”.

منظمة الصحة العالمية اشادت بالاجراءات والخطوات والتدابير السريعة التي قامت بها السلطة الوطنية الفلسطينية في مكافحة هذا المرض الخطير ومنع انتشاره ووصفتها بأنها تفوق ما هو موصى به دولياً، لا سيما ان هناك دولا متقدمة علميا وطبياً تباطأت في اعلان حالة الطوارئ الا في وقت متأخر كانت فلسطين قد سبقتها.

دولة فسطين الواقعة تحت الاحتلال الاسرائيلي، المحاصرة والمفتتة جغرافيا وسكانيا بسبب الاستيطان والحواجز والشوارع الالتفافية، تتعرض للبطش الاسرائيلي يوميا من قتل واعتقالات ومداهمات وهدم بيوت ومصادرة اراضي، تتفوق بامكانياتها البسيطة على دول كثير في مواجهة وباء الكورونا، لان دولة فلسطين تملك الحلم لشعبها الآن وغداً، قوة الحلم هي هذا التحدي.

الجريء، هذا هو الشعب الفسطيني وقيادته، دائما في الامام، لسنا في الدور الاخير على مسرح الاحداث او في ما يسمى مؤامرة صفقة القرن كما يظنون، دائما نحن في الامام، نعلمكم ان ترونا وان تعرفونا وان تسمعونا، ان تلمسوا دمنا، نعلمكم كيف نحمي هويتنا وصحتنا في كل الازمات، في الحرب وفي السلم وفي الوباء، نرفع علمنا الفلسطيني في كل الرياح لتحيا الحياة.

الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، نتصدى لوباء الكورونا والهواء الاصفر كما نتصدى لقطعان المستوطنين، ندافع عن الملح في خبزنا، نعرف ان الحقيقة اقوى من المدفع مهما تغير نوع السلاح، هذه الارض لنا مقدسة حجراً حجراً، ولدنا فيها ونرجع منها واليها، نعيد اليها روحها لتضيء لنا ليالي الصلاة.

الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، مدينة الميلاد بيت لحم تقرع الاجراس، كل شخص يسير على خطى اليسوع عليه السلام، يشفي المرضى والجرحى ويزور الفقراء، يحرر يديه من مسامير الصليب، تلتحم اضلاع المدينة، الناس في الشوارع، تضامن من القلب الى القلب، الكبير والصغير، الطفل والشاب والمرأة، الراهب والراهبة والشيخ، الكنيسة والجامع، الاغنية والكتاب وحبة الدواء، الشعب في جبهة واحدة.. الحكومة والوزارات والاطباء والنقابات والاتحادات واللجان والشبيبة والمؤسسات والاجهزة الامنية والشرطية، المدن والمخيمات والقرى والحارات ووسائل الاعلام، يحملون الوطن فوق اكتافهم العالية.

الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، شعب يعلو فوق قدره ، شعب لا يتردد، المآذن تنادي على الصوامع، هذا يحمل جرات الاكسجين، وهذا يحمل الكمامات، وذاك ينقل الدواء والغذاء والمعقمات للمصابين، نحن حراس كل بيت وشرفة، فيا ايها الناس تعالوا الى بيت لحم، نحن نفتح نافذة في الامل وفي الحجر، رغم المحنة لم نقايض رغيف العدو بخبز الشجر.

الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، كل شخص تحول الى سيارة اسعاف، وفي مدينة بيت جالا تجد الجميع صاروا شفعاء يغرسون حرابهم في بطن الوحش، كل يحمل بسمة وشمعة يضاء نورها بالزيت والمحبة والبشارة والكبرياء.

الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، ما هذه الايام الفلسطينية؟ تجيء الشموس من كل الجهات، انظروا مدينة بيت لحم لها رائحة البخور والليمون والببونج والقزحة والزعتر والشفاء، انظروا رئة بيت لحم تتنفس، لا رعب ولا هلع، يخرج الناس منذ الفجر متوكلين على الله، يحميهم الرجاء والدعاء، رئة بيت لحم تتنفس تفيض وتقيض بالهواء.

الجريء هذا هو الشعب الفلسطيني، الكل يمشي بين رذاذ الكورونا، سنهزم هذا المرض اللعين، لا نخاف من الموت، سنسابق الوقت ونجترح المعجزة، وان كان لا بد من موت فليكن جميلا جميلا كما الحياة.

الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، يواجه بالكمامة الغاز المسيل للدموع الذي يقذفه جنود الاحتلال على المظاهرات السلمية، كما يواجه فيروس الكورونا ويودع الشهيد الطفل محمد حمايل في نابلس شهيد الجبل الذي اعدمته قوات الاحتلال، يواسي المرضى في المستشفيات، يجمع بأعجوبة بين الدنيا والآخرة.

الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، يصحوا فجرا ليجد المستوطنين الحاقدين قد اقتعلوا اشجار الزيتون من الحقول، لا بأس، نزرع الامل في النفوس، نسير بين الشظايا الكثيرة، نستمد من حبل صمودنا اسباب الحرية والنجاة.

الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، لا مسافات، نبضات تتدفق في نبضات، شرايين تتدفق في شرايين، لن يخنقنا السعال والكورونا والاحتلال، لن تتوقف الدقات، قلبنا كبير كهذا الوطن، يتسع لكل الحب والجمال وصوت الماء، تضيق بنا الطريق او لا تضيق سنستمر الى آخر الطريق.

الجريء، هذا هو الشعب الفلسطيني، يغزل من الفضاء عباءة له وينام تحت نجمته الوحيدة، وعليهم ان يصدقون بأننا الذين نروض المستحيل والمصائر بأرواحنا العنيدة، وعليهم ان يصدقون اننا اذا نطقنا اسم النهر في قافية يجري النهر في القصيدة، وعليهم ان يصدقونا اننا اذا اطلنا التأمل في وردة لا تزحزحنا العاصفة، الارض في آذار تلد الزهور من الصخور في حلتها الجديدة، لنا الحياة والسلام والعافية.

*عضو المجلس التشريعي، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين السابق