حقيقة الصراع في فلسطين الآن

21 يونيو 2021آخر تحديث :
حقيقة الصراع في فلسطين الآن
حقيقة الصراع في فلسطين الآن

بقلم: العميد أحمد عيسى*

تكشف عدم مقدرة مكونات النظام السياسي الفلسطيني على معالجة حالة انقسام النظام السياسي والمجتمع الفلسطيني، لا سيما بعد أن نجح الشعب في لملمة شتاته واستعادة معنى الوطن من داخله، كما بدا للقاصي والداني خلال انتفاضة الأقصى ومعركة القدس الأخيرة، أن هناك مسافة ليست صغيرة بين الشعب وباقي المكونات السياسية في إدراك حقيقة الصراع في فلسطين، الأمر الذي يضع عدم نجاح هذه الأخيرة على توحيد النظام السياسي ضمن احتمالات ثلاثة: العمد، أو الخطأ، أو الجهل.
وبينما تبقى النتيجة واحدة للاحتمالات الثلاثة، وهي ابتعاد الشعب والنظام عن الطريق الصواب نحو المستقبل المنشود، فإن معالجة ما فسد تختلف من حالة إلى أُخرى، فمتجاهلو حقيقة الصراع عمداً يؤتمون ويعاقبون، والمتجاهلون جهلاً يُستتابون ويحتوون ويقادون ولا يقودون، أما المتجاهلون خطأً فيبصرون، ليعودوا عن خطئهم ويضبطوا سلوكهم وسياساتهم ورؤيتهم لذاتهم ولوطنهم وللآخرين من حولهم وفق معطيات حقيقة الصراع.
في الواقع، استفزاز الحالة التي نحن عليها للغالبية العظمى من الشعب الذي لا يزال مهموماً بكل جوارحه بوطن اسمه فلسطين، دفعني في هذه المقالة للبحث عن مشهدٍ ما في التاريخ، أو معنى ما في منطق، أو حكمة ما في مبدأ، لعلها تُعين على تفكيك استعصاءات الواقع وتكون مفتاحاً على فهم ما يجري، ومعرفة لماذا يجري على هذا النحو؟
وفي هذا الشأن، قد وجدت ما أبحث عنه في كتاب المثقف وخبير الاستراتيجية والإدارة المصري مصطفي حجازي الموسوم بعنوان “حجر رشيد.. الخروج الآمن لمصر”، الذي أعدت قراءة البابين الأول والثاني منه خصيصاً لهذا الغرض، وأعترف هنا أنني قد اقتبست بعضاً من مفرداته، وأحياناً بعضاً من جمله، علاوة على اقتباسي المنهجية التي وظفها في تأريخ ما جرى في مصر خلال موجة ما عُرف بالربيع العربي، وذلك للتشابه بين المصريين في تلك اللحظة والفلسطينيين الآن في بحثهم وحيرتهم عن السبل التي تضمن لهم صناعة المستقبل الذي ينشدون.
وأراد حجازي في كتابه أن يشرك القارئ المصري والعربي معه في تأريخ تلك الأحداث ليضع بين يديه في النهاية ملامح صورة كاملة عن كيفية صناعة المستقبل، لإيمان الكاتب أن مشاركة القارئ في صناعة مستقبله منوطة بقدر وعيه بما جرى؟ ولماذا جرى؟ أكثر من معرفته بكيف جرى؟ الأمر الذي يسهل على الشعب، أو القارئ في هذه الحالة، فهم حقيقة الصراع، فضلاً عن فهم طبيعة أطراف الصراع وكيف تصرف كل منهم في حدث بعينه في سياق الصراع نحو المستقبل.
فحقيقة الصراع في فلسطين ليست أبداً صراعاً على تغيير طبيعة نظام سياسي، لإحلال نظام سقط بآخر قد جاء، أو صراعاً بين أيدلوجيات قد جاء موعد أن ترث إحداها الأخرى، أو صراعاً بين منظمات ترى إحداها أنها أجدر من غيرها على تولي القيادة والاستئتار بها من منطلق أنها تحتكر امتلاك الصواب، فالصراع في فلسطين الآن يدور على عقول الفلسطينيين ووجدانهم بعد أن اعتقد العدو المستعمر أنه سيطر على أرضهم وممتلكاتهم، وصرفه إلى غير ذلك هو إهدار لطاقة المجتمع وإجهاد للأمل في التغيير، وربما إجهاض له.
نعم هو صراع على مستقبل الفلسطينيين ليس في فلسطين وحسب، بل وعلى دورهم في محيطهم الإقليمي والعالمي ودورهم الإنساني، ودقة تعريف الفلسطينيين للصراع الدائر في فلسطين وعليها الآن مرهونة بدقة إجابتهم عن أسئلة أربعة تكمن فيها ملامح كل صراع إنساني يبتغي التقدم والترقي.
ويدور أول هذه الأسئلة حول من هو فاعل التغيير والإصلاح الآن، بمعنى آخر من هم الفلسطينيون الذين قُدر عليهم أن يحملوا مسؤولية التغيير والإصلاح في هذه اللحظة من التاريخ؟ من هم المجسدون للصراع على الأرض؟ ماذا حدث لهم؟ أو ماذا أُحدث بهم على مدار سنين وشهور شكلت عقولهم ووجدانهم وعلاقتهم بمجتمعهم ووطنهم وكل من حولهم؟
نزعم أن هذه السنين قد تركت ندوباً وجروحاً في نفوس الفلسطينيين، ينبغي أن نعيها وندركها لتكون معيناً ومفتاحاً يساعدنا على تحديد من هؤلاء الفاعلون وحتى المشاهدون والمدعون على ساحة فلسطين الآن؟
وثاني هذه الأسئلة: ماهي البيئة الاستراتيجية (الدولية والإقليمية والمحلية) التي يجري فيها صراع فلسطين من أجل مستقبلها؟
وثالث هذه الأسئلة: ما هو تعريف النصر في هذا الصراع من أجل المستقبل؟
وآخر تلك الأسئلة: ما هي أدوات الفعل المحرز للنصر؟ وهو السؤال الملح الدائم، ماذا نفعل؟ وكيف نفعل؟ ولماذا نفعل؟
وفي معرض الإجابة عن تلك الأسئلة ستتكشف محنة الفلسطينيين الآن… وهي محنة تتجاوزهم لأنها قَدَر المنطقة العربية برمتها، وهي في أصلها محنة “العقل”، ولكن تجلياتها كثيرة ومركبة، منها محنة “الهوية”، ومنها محنة “الأهلية”! ولكن بقدر ما سنرى ملامح محنتنا الآن، فلسطينيةً أكانت أم عربية، كما يقول حجازي في كتابه، يبقى الأمل في تجاوزها بمقدار عمق فهمنا إياها، وهذا ما نرجوه أملاً وعملاً.