م يتوقع أحد ، ومع سرعة إنتشار رعب كورونا ، أن تكون فلسطين من الدول السباقة بإجراءاتها رغم قلة امكانياتها ، في مواجهة وباء فيروس حصد الاف الارواح البشرية في دول مستقلة مستقرة متقدمة ومتطورة!
دولة فلسطين المحتلة، التي تعاني ويلات الاحتلال والاستيطان ولا تملك ادنى مقومات الاستقلال والسيادة ولديها من الهموم والأثقال السياسية والاقتصادية والأمنية ما يكفي ، تنهض من تحت ركام التهديدات والتحديات بإرادة ووعي ومسؤولية غير متوقعة، فقد تفاجأ كثيرون من الساسة والقادة ومسؤولو منظمات دولية برزمة القرارات الجريئة التي إتخذتها القيادة الفلسطينية ممثلة بفخامة الاخ الرئيس محمود عباس ودولة رئيس الوزراء الأخ الدكتور محمد إشتية. القيادة الفلسطينية بمحدودية إمكانياتها وسعة رباطة جأشها ووعيها وحنكتها ، فرضت بكل هدوء وعقلانية حالة من إعلان الطواريء المدروسة والقادرة على ايفاء الغرض بحماية صحة المواطن الفلسطيني وتحقيق الاستقرار المجتمعي في بلد لا يملك أبسط أدوات السيطرة البرية او الجوية او حتى المائية .
لقد أثبتت القيادة الفلسطينية أن أنجح وسائل الدفاع والحماية في مواجهة الأزمات لا تكمن بامتلاك الاسلحة والجيوش والطائرات والامكانيات الهائلة من التحكم والسيطرة والغطرسة، بل إن سلاح بسيط تصنعه الارادة وعزيمة الصمود والمواجهة قادر أن يحقق الكثير ويصنع المستحيل .
حالة إعلان الطواريء وبرغم من إفتقارها الشديد لمعززات العمل المادية ولوجيستيات التغلب على حجم التهديدات المتوقعة، رسخت وحدة الموقف الوطني بأجمل صوره وعبرت عن حجم الوعي والمسؤولية لدى ابناء الشعب الفلسطيني واثبتت بالقول والفعل ان لدينا القدرة على مواجهة الازمات والتحديات وادارتها بكل حرص وشجاعه.
الرئاسة وقراراتها وتوجيهاتها جنبا الى جنب مع الحكومة ومكوناتها واجراءاتها رسمتا لوحة رائعة عكست بروعتها حالة التكاتف والتكامل وابرزت جمالية الانسان الفلسطيني ، الذي يحمل رسالة وطنية وانسانية سامية ويناضل من اجل العيش بأمن واستقرار وسلام .
الروح الميدانية النشطة التي تمتع بها أركان الحكومة والتي قادها شخصيا دولة رئيس الوزراء وطاقم القيادة في لجنة الطواريء العليا ولجان المحافظات تركت آثارا ايجابية ملموسة وزرعت الثقة في نفوس المواطنين وعززت العمل بروح الفريق الواحد ، وهنا لا بد من توجيه التحية والتقدير لجماهير شعبنا في كل المحافظات التي تأقلمت وإستجابت لاعلان حالة الطواريء بكل قبول وارتياح كما نثمن عاليا الديناميكية التي قاد من خلالها دولة رئيس الوزراء ولا زال يقود ادارة الازمة جنبا الى جنب مع وزراء حكومته والمحافظين ورؤساء البلديات وقادة الاجهزة الأمنية وضباطها الذين يواصلون الليل بالنهار لرفع الخطر والبلاء عن ابناء شعبهم .
حالة التفاعل والانسجام في العمل والتكاتف والتعاون الاخوى لدى كل مكونات شعبنا واطيافه الدينية الاسلامية والمسيحية ومؤسساته ونقاباته في كل المحافظات وتحديدا في محافظة بيت لحم ، حالة نعتز ونفتخر بها ونرفع القبعات احتراما لها ولكل من ساهم بالوصول اليها .
الأمر الآخر الذي أود الإشارة اليه هو ظهور الناطق الاعلامي للحكومة الاخ ابراهيم ملحم اليومي والمنتظم امام شعبنا ونقله للمعلومة الدقيقة في لحظتها ، والذي عكس صورة متقدمة في ادارة الازمة إعلاميا والتي من خلالها استطعنا اغلاق الابواب امام الشائعات وشيوع الفوضى والبلبله .
هذه الازمة وضعتنا ، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، أمام تحدي واختبار صعب ، واعتقد ان اداء الحكومة والاجهزة الامنية جميعها ورغم شح الموارد والامكانيات قد ارتقى الى مستوى التحدي .
ولكون أن الأزمة لا زالت في بدايتها ، حسبما يتم تداوله رسميا في إعلام الدول والحكومات ، فإن المطلوب منا هو المزيد من الالتفاف حول قيادتنا وحكومتنا واجهزتنا الامنية مع الاستمرار بالمحافظة على رباطة الجأش والصمود في وجه المحن ، وأن نضاعف من قدراتنا على توجيه وارشاد الجمهور واسناد المواطنين ، وهذا ركن اساسي في التخفيف من وطأة ما ينتظرنا وربما ينتظر البشرية.