الضم باطل ولاغٍ قانونا لكن الواقع مؤلم!!

15 أبريل 2020آخر تحديث :
الضم باطل ولاغٍ قانونا لكن الواقع مؤلم!!
الضم باطل ولاغٍ قانونا لكن الواقع مؤلم!!

بقلم: المحامي إبراهيم شعبان

رغم المعاناة الشخصية لكل فرد من أبناء الشعب الفلسطيني من الكورونا ومضاعفاتها وخطورتها وكيفية ملاقاتها ومحاربتها، والخشية منها والقلق على مصابيها، إلا أن الهم الأكبر والمصيبة الأفدح حقيقة، تتمثل في تشريع إسرائيلي كنائسي مرتقب بمباركة أمريكية ترامبية، يقضي بضم وقضم جزءا كبيرا من الضفة الغربية والغور الفلسطيني إلى الدولة الإسرائيلية خلال هذا الصيف، حيث يغدو أمرا واقعا مريرا كما هو حال القدس وفلسطين.

رغم أن هذه الخطوة لا تدعو للقلق القانوني، فهي باطلة ولاغية ولا ترتب أية آثار قانونية وفق قواعد القانون الدولي العام، وستسقط في أي محفل قانوني أو نقاش قانوني، لكن القانون الدولي العام الذي صلينا وتبتلنا في محرابه سنوات طوال، بات بدون مخالب، وغدت جزاءاته ضربا من النصح والإرشاد وبالكاد تردع طفلا. بالمقابل وللأسف في الوقت ذاته خطوة كهذه من الناحية الواقعية، خطوة في غاية الإيلام والقسوة والأثر السيء على الشعب والسكان والإقليم. وبخاصة ما سبقها من خطوات مهدت لها بضم القدس والجولان عبر تشريعين إسرائيليين، ونقل السفارة الأمريكية للقدس ، والإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

تعلمنا ونظّرنا طيلة السنوات الماضية إلى أن الإحتلال الإسرائيلي لا يملك ذرة واحدة من ذرات السيادة الوطنية للشعب الفلسطيني على إقليمه المحتل. قلنا مرارا وتكرار أن الإسرائيليين يشكلون سلطة فعلية على الإقليم المحتل فهم ليسوا باصحاب السيادة الشرعية، وما هم إلا عابرو طريق وأصحاب قوة عسكرية تمارس سلطة فعلية على فلسطين المحتلة. قلنا أن القوة العسكرية لا تقيم حقا ولا ثمار للعدوان، ولا يكتسب إقليم ولا حيازته بالعدوان.

قلنا ونظّرنا وعلمنا قواعد القانون الدولي العام الصحيحة والصائبة والمتوارثة، الموجودة في كتب المؤلفين وأحكام القضاة ومرافعات المحامين والخبراء التي امتلأت بها رفوف المحاكم الدولية من نورمبورغ وطوكيو إلى محكمة العدل الدولية في عام 2004 في قرار الجدار. قرارات تعاقبت طيلة خمسة عقود من الزمن واحتشدت في قرارات مجلس الأمن وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة. بل امتدت لمنظمات عامة دولية حكومية مثل اليونسكو والإياتا والعمل الدولية والجامعة العربية. قرارات جف حبرها وغدت في الأرشيف.

بينّا وأوضحنا مرارا وتكرارا وما زلنا نكرر ونقرر أن إعلان بلفور عام 1917 إعلان باطل جملة وتفصيلا، وأن قرار الإنتداب عام 1922 غير صحيح وغير شرعي، وأن قرار التقسيم عام 1947 ليس من صلاحيات الأمم المتحدة، وأن قرار الهدنة بعد عام 1948 لا ينهي حالة العداء بل يوقف العمليات الحربية فقط، وأن حقوق الشعب الفلسطيني لا تتقادم ولا تسقط بمرور الزمن.

قلنا وما زلنا نؤكد أنه ليس هناك فراغ في السيادة الفلسطينية وإن لم يمارسها الشعب الفلسطيني، بل هي معلقة كامنة فيه مشروطة بزوال وانقشاع غيمة الإحتلال الإسرائيلية. فهو لم يتنازل عنها ولا يملك أحد أن يتنازل عنها مهما نظّروا لذلك وبرروا ذلك. ونفيا لكل المقولات المشككة في السيادة الفلسطينية الثابتة جاء اعتراف الجمعية العامة في عام 2013 بالدولة الفلسطينية كرد على تلك التخرصات والخزعبلات.

وحتى أننا نفينا السيادة الإلهية عن القدس وعن مسجدها وكنيستها، حتى لا تخدم هذه المقولة الإسرائيليين، ولأن هذاسيعتبر أثرا من آثار نظرية الحق الإلهي البائدة، ولأن هذا سيصب في مقولة ” الشعب المختار ” المزعومة. فهذه السيادة الدينية هي أمر معنوي أدبي لأن رب العزة يملك الأرض وما عليها، بينما السيادة الحقيقية ذات مفهوم قانوني وضعي رتبه وأوضحه مفكر فرنسي اسمه جان بودان.

ويوما رفضنا قرار تدويل مدينة القدس في عام 1947، ذلك أن التدويل يسقط سيادة الشعب الفلسطيني عن مدينتة وعاصمته الروحية. فهذا القرار ينكر على الشعب الفلسطيني بشقيه المسيحي والمسلم حقه في تقرير المصير، وحتى لا يكون مخلب قط في المدينة المقدسة. أولم نرفض قبلا حيازة أو ملكية أو أي حق عيني على حائط البراق لغير المسلمين الفلسطينيين، حتى أن يريطانيا العظمى سنت تشريعا قررت به ذلك الأمر بعد أن حسمته لجنة دولية أممية أرسلتها عصبة الأمم لفحص موضوع الدم البراقي.

اليوم بعد قرن من الزمان وأكثر على الخروج العثماني من فلسطين والغزو البريطاني الغاشم لفلسطين، وبعد سلسلة من القرارات الأممية، ونواح وعويل فلسطيني وعربي، وانتزاع شعب من وطنه وأرضه، وإغاثة وأونروا وتسول عالمي، وسكوت وصمت دوليين وإسلاميين، واستقلال القاصي والداني، وتحكم الشعوب بمصائرها وثرواتها، ونوم الإتحاد السويسري على تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، ورقاد صليب أحمر دولي في احضان الغرف المغلقة بدل صحوة مقدسية، نرى بأم أعيننا كثيرا من قيمنا وقواعدنا وأخلاقنا تتهاوى كورق الخريف، وتعبث بها جنرالات القوة العسكرية وتقذفها بعيدا في مهاوي النسيان.

فها هي القدس مضمومة من خمسة عقود ونيف، وها هم المقدسيون يعانون على كل الصعد الإسكانية والصحية والتعليمية والخدماتية. ومن مهازل القدر أنهم في وطنهم يعتبرون مقيمين بدل أن يكونوا مواطنين. وها هي الولايات الترامبية تعترف بالقدس عاصمة لهم ولم تكن كذلك يوما عبر التاريخ الطويل. وها هم يخططون لضم الضفة والأغوارفي غفلة من الزمن، ليغدو واقعا مريرا بطعم الحنظل ونحن لم نجد وسيلة لنفترق إلا واخترعناها بدل أن نتعلم من النموذج اللبناني . فمصالح نتنياهو الداهية المدافع عن ذاته، وترامب الساعية لإعادة انتخابه ،عاجلة ومتفقة على إتمام هذا الضم في أقرب فرصة ممكنة. ويومها وهو قريب لن ينفع الندم، وسيكون شبيها بما حدث قبل اعتراف ترامب بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقبلها ما دث لفلسطين برمتها، وكأن التاريخ يعيد نفسه خلال مدة قصيرة، فاتعظوا يا أولي الألباب.

يجب أن نسأل أنفسنا، ماذا جنينا من كل القرارات الدولية، ماذا أفدنا من كل قواعد القانون الدولي، ماذا قدمت لنا كل المنظمات الدولية والدول الكبرى، هل نرمي بها إلى القمامة وينتهي الأمر. الأمر ليس بهذه البساطة ولا بهذه السطحية ولا بهذا القدر من التشاؤم، فمثل هذه القواعد والقرارات يجب تفعيلها وبث الحياة فيها من جديد. والأهم أن لا ننام على صوت جعجعتها وأن لا نركن إليها كلية ولوحدها، فطاحونتها لا تطحن إن لم تسعف بعناصر القوة الأخرى. وأن لا نضع كل بيضنا في هذه السلة الدولية المخادعة فهذه خدعة العصر.

في هذه الظروف العصيبة التي يتعطل العقل والقلب فيها، يجب أن نجري حسابا مع النفس بعد قرن من الزمان الرديء. يجب أن نتعظ من سوءات الماضي وأن نركن إلى قوتنا الذاتية، إلى وحدتنا، إلى نضالنا، إلى صدقنا ونبذ الفساد فينا، إلى خطة مقاومة سلبية وإيجابية، إلى اقتصادنا وزراعتنا وأرضنا وبيوتنا فلن يحك جلدك غير ظفرك، وكفانا طرقا ذليلا لأبواب الأوروبيين والأمريكيين وغيرهم من الأعراب، فلم نأخذ من الطرق سوى الصدى فنصف رغيف من الخبز خير من فقدان الخبز!!!