عن وباء كورونا كـ”سر حربي”…
تصاغر الدول العظمى والخوف العربي من الحقيقة!
بقلم: طلال سلمان*
اختفت الأخبار السياسية ومعها التحليلات وتصريحات كبار المسؤولين في مختلف انحاء العالم، وتركزت انظار الناس واهتماماتهم وأحاديثهم على اخبار اجتياحات وباء كورونا لدنياهم، مغرباً ومشرقاً، جنوبا وشمالاً، وصولاً إلى الجزر البعيدة في أعماق البحار.
انطوى الناس رجالاً ونساء في بيوتهم وقد احتضنوا اطفالهم وفتيانهم وفتياتهم بخوف يفوق ما عرفوه في حياتهم خلال الحروب او انتشار الأوبئة التي باتت معروفة واسباب علاجها، كالسل والتهاب المفاصل وحتى السرطان الذي استولد من ذاته انواعاً مختلفة تتدرج خطورة حتى القتل.
لم يكن من ملجأ الا العلم.. وكما كانت الصين أول دولة ضربها هذا الوباء الذي لا يرحم، فإنها كانت أول دولة اجتهد علماؤها على ايجاد الدواء الشافي لهذا الوباء الخطير الذي أفلت شبح الموت على الناس جميعا على اختلاف جنسياتهم واعمارهم والمناخ السائد في البلاد المختلفة.
لم تنفع تبجحات الرئيس الاميركي، دونالد ترامب، و”تغريداته” اليومية متعددة الاغراض والاهداف في تمرير ادعائه أن الصين قد “ابتدعت هذا الوباء لأغراض سياسية”، اذ لم تلبث جراثيم كورونا أن انتشرت في أربع رياح الارض، مع “تمييز” الولايات المتحدة بعدد الاصابات في ولاياتها المختلفة بحيث تفوقت على الصين وسائر انحاء اوروبا المثقلة بالمرض ذاته، بأعداد المصابين والمتوفين فيها.
بلمحة بصر انتشر هذا الوباء في اربع رياح الارض، موقعا في دول اوروبا الغربية (ايطاليا واسبانيا وفرنسا ثم السويد وسويسرا وبريطانيا) ما يزيد عن مليون اصابة وعشرات آلاف الوفيات..
وكان طبيعيا أن تصل هذه الجرثومة القاتلة إلى البلاد العربية (ولو على خفر، او مع التجاهل الرسمي في البدايات، ثم الاعتراف تدريجيا وبضغط من الواقع المعاش) خصوصاً وان الدول جميعاً قد اعترفت بأعداد الاصابات وصار الإنكار تهمة على طريقة “كاد المريب أن يقول خذوني.”
***
اعترف لبنان، بداية، وأخذت وزارة الصحة تنشر، وعبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، جداول يومية معززة بإحصائيات موثقة رسمياً عن اعداد المصابين والمصابات بهذا الداء الوبيل، واعداد المتوفين به (وهو قليل نسبياً إلى اعداد المصابين التي ما تزال حتى اللحظة دون الالف).
وكالعادة في مثل هذه الحالة، تكتمت معظم الدول العربية على انتشار هذا الوباء فيها، ثم اضطرت إلى مباشرة الاعتراف – على استحياء – بأعداد المصابين.. وهي، إن كانت صادقة، اقل بما لا يقاس من الاصابات في اوروبا عموما، ولا سيما في الولايات المتحدة الاميركية، ناهيك عن الصين.
يذكر في هذا المجال أن رئيس الصين، شي جين بينغ، ذات المليار وثلثمائة مليون نسمة، قد ذهب بنفسه إلى مدينة ووهان، مع الاعلان ولأول مرة عن انتشار هذا الوباء فيها، مع التعهد بمكافحته… ولقد كان، ففي أقل من شهر تم الاعلان عن نظافة الصين من الوباء الذي لا يرحم.
أما في واشنطن، فقد عمد الرئيس الاميركي، دونالد ترامب، إلى الانكار، ثم فضحه انتشار الوباء بطريقة مريعة، خاصة في نيويورك، ثم تنقل بين الولايات فضرب فيلادلفيا وفلوريدا وتكساس الخ.. وقد تسارعت الاصابات حتى تجاوزت نصف مليون إصابة، بينما تعاظمت الوفيات حتى زادت عن عشرين ألفا.
وفي محاولة عبثية وانكار معيب ادعى ترامب أن جرثومة كورونا قد وصلت الى الولايات المتحدة عبر “طائرة” قادمة من الصين. (وكانت تلك نكتة سمجة)… ثم عاد هذا الرئيس المهووس بإطلاق التصريحات الهوجاء، يطلب من الصين أن تساعده في تزويد بلاده بما توصلت اليه من اسباب العلاج، مع التأكيد على أن العلماء الاميركيين يقتربون من الوصول إلى اسرار الشفاء.
***
بعيداً عن الاخبار المزعجة عن هذا الوباء القاتل، لا بد من تسجيل بعض الملاحظات حول آداء معظم الدول العربية في التعاطي مع هذه “الجائحة” التي لا ترحم كبيراً او صغيراً، رجلاً كان ام امرأة:
• اولى هذه الملاحظات تتصل بمدى احترام أهل النظام العربي لشعوبهم. فالوباء ليس سراً حربيا، يمنع كشفه حتى لا يفيد منه الاعداء.
• ثاني هذه الملاحظات أن أكبر دول العالم وأقواها ( الصين والولايات المتحدة، وروسيا ، ودول اوروبا على اختلاف انظمتها وميولها) قد انتبهت إلى حقيقة أن واجبها يفرض عليها أن تصارح شعبها بالحقيقة، التي لا هي تملكها وليس من حقها أن تحجر عليها، اقله من اجل أن ينتبه الشعب ويستعد ويعمل على توفير اسباب العلاج.
• إن اخبار الوباء قد عمت فوصلت إلى اسماع الناس في اربع رياح الارض، خصوصا وانها تهم وتعني كل الناس في القارات الخمس- والتستر عليها مستحيل بداية، ثم ان التكتم يكشف عن احتقار الحاكم لشعبه ( الذي ما يزال في نظره “رعية” له أن يبلغها بما يراه مناسبا، و”بما لا يتسبب” في نشر الذعر في المجتمع وكأنه يكفي انه يعرف، او كأنه يستطيع منع المعلومات عن شعبه)، وله أن يكتم عنه كل ما يعتبره من اسرار الدولة، ولا يجوز أن يعرف به الناس حتى لا يخافوا .. وكأن المعرفة تخيف أكثر من الجهل، بل التجهيل المقصود.
• إن دول الخليج بعنوان السعودية قد تكتمت في البداية على هذا الوباء ثم اضطرت إلى الاعلان عنه، خصوصا وقد سبقتها الكويت، بشجاعة إلى الاعلان عن الاصابات والوفيات، وكذلك الامارات، وقطر التي تصدرت اللائحة بأعداد مرضاها والوفيات.
***
يقال: ان لكل عصر أوبئته وأمراضه.
ويقال: درهم وقاية خير من قنطار علاج.
فاحفظوا أنفسكم، من أجل اطفالكم، من أجل من تحبون، وقبل وبعد من أجل أوطانكم.
حماكم الله حيثما كنتم .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*رئيس تحرير “السفير” اللبنانية
ينشر بالتزامن مع جريدة “الشروق” المصرية