بقلم : نبيل عمرو
نظرية الفلسطينيين بخصوص صفقة القرن تقوم على أساس أن نجاحها أو فشلها يتوقف على الموقف الفلسطيني منها، فإن وافقوا عليها تمر، وإن لم يوافقوا تفشل، لهذا ومنذ بدأ الحديث عنها وتوالت التسريبات والمقدمات الدالة عليها، تمحورت الرواية الفلسطينية حول حتمية فشلها، وتعززت بالتحفظ الجماعي حيالها من قبل دول العالم.
وأقاموا وزناً كبيراً للملاحظات السلبية التي أبداها الحزب الديمقراطي المشتقة من موقفه من إدارة ترمب وسياساتها وسلوكها الداخلي والخارجي.
صناع الصفقة المشتركة الأميركيون والإسرائيليون، كانوا متأكدين من أن الفلسطينيين لن يوافقوا وسيجرون معهم العرب والمسلمين والأوروبيين، وأخذوا ذلك بعين الاعتبار على مستوى النص وآليات التطبيق فحيدوا الرفض الفلسطيني وتجاوزوا التحفظ الدولي وأسند التطبيق على الأرض للإسرائيليين، وأسند التمويل للأميركيين الذين يملكون وسائل فعالة لتوفيره على أن ينفق بتناغم وثيق مع ما سيجري على الأرض خلال السنوات الأربع التي هي فترة اختبار للأداء الفلسطيني، فإن سارت الأمور وفق نص وروح وأهداف الصفقة المشتركة فالتمويل جاهز والإعلان عن دولة فلسطينية وفق المواصفات الإسرائيلية جاهز أيضاً، وفي هذه الحالة يكون القبول الفلسطيني مهماً في إلباس الخلاصة رداء الشرعية، أما إذا تواصل الرفض، وهذا هو المرجح، فسيكون التطبيق الإسرائيلي أحادي الجانب هو الذي تحقق بدون أن تورط إسرائيل نفسها في الاعتراف بدولة فلسطينية وسيكون بوسعها تبرير امتناعها بعدم وجود شريك تعترف بدولته. الأمر الأساس في اللعبة التي تمضي على هذا النحو هو الموضوع المالي والاقتصادي، وهنا يتعين على المعني بتحديد فرص مرور الصفقة أن يقرأ الواقع على الأرض.
أولاً، الانقسام الفلسطيني وكيفية تعامل كل طرف من طرفيه مع الصفقة أي مع إسرائيل والأميركيين تحديداً.
الطرف الغزي المحكوم بالأمر الواقع الذي بنته حركة «حماس» على مدى ثلاث عشرة سنة، فهو وإن كان ما يزال يتبنى شعار المقاومة وينفذه بأنشطة متعددة، فإن ما يجري عملياً هو السعي الحثيث وراء تسهيلات حياتية تضيق وتتسع وفق الرغبة الإسرائيلية، وهذا ما جعل ملف التهدئة وشروطها يتقدم كثيراً في التداول الفعلي عن ملف المصالحة، الذي يكاد يكون اختفى بالتقادم والاستحالة، وإذا ما فتح من جديد فلن يكون أمره مختلفاً عن مساره النمطي الذي أنتج فشلاً ذريعاً، لقد تم هذا المسار وعنوانه ومضمونه الحوار ثم الحوار ثم الحوار، ليس من أجل إنهاء الانقسام وإنما مواصلة للجري وراء إثبات كل طرف لعدم مسؤوليته المباشرة عنه، فصرنا أمام انقسام تكرس فعلاً على الأرض كانفصال لا حل له.
الأميركيون والإسرائيليون من جانبهم لا يعوّلون على أكثر من ذلك كممر لصفقتهم المشتركة، وإذا ما دققنا فيما جرى على الأرض من مقدمات وما تنطوي عليها من وعود فسنعرف بالضبط كيف أن صفقة القرن ستبدأ من هناك.
ثانياً، المال والاقتصاد، ليس مطلوباً حدوث انهيار اقتصادي ومالي لسلطتي غزة والضفة، فالضرر الناجم عن الانهيار بالنسبة لإسرائيل سيكون أعظم وأفدح؛ لذا فإن المطلوب هو أن يظل الوضع المالي والاقتصادي الفلسطيني تحت أسقف السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليه، ويراهن صناع الصفقة على أنه سيأتي الوقت التي تدرك فيه الجهات المانحة وبصورة نهائية حقيقة أن كل ما يقدم للفلسطينيين من دعم قل أو كثر فلن يكون له أي مزايا سياسية تتفق مع دوافع تقديمه، وهي بقاء مشروع الحل السياسي قيد العمل ولو بوتائر الحد الأدنى.
في زمن صفقة القرن انتقل المشروع السياسي الشرق أوسطي بفرعه الفلسطيني الإسرائيلي إلى مسار آخر، وهذا لا بد أن يؤثر سلباً حتى على الدعم الزهيد الذي يقدم للفلسطينيين مع تواصل انسداد آفاق «أوسلو» واستحالة فتحها، وقد يسمع الفلسطينيون من الدول المانحة قولاً صريحاً يفهم منه أنهم سيوقفون الدعم، وأسبابهم في ذلك كثيرة ومفهومة، فمن يواصل تقديم المال للإنفاق على بقايا مشروع يائس؟! وقد لا يقولون صراحة للفلسطينيين إن هنالك خمسين مليار دولار وعدتهم بها صفقة القرن فلم لا يسعون إليها.
حين يزول وباء «كورونا» ولا تزول معه الأزمة المالية الفلسطينية بل تتضاعف، فلن يضيع الأميركيون والإسرائيليون الفرصة التي يوفرها المأزق الاقتصادي الفلسطيني، لما يفكرون فيه كأحد أهم العوامل المساعدة لفرض الصفقة حتى لو لم يضع الفلسطينيون توقيعهم عليها.
الفلسطينيون من جانبهم فتحوا مفاوضات مالية واقتصادية مع الإسرائيليين، ويصرون على أنها غير سياسية، لا بد أن يواجهوا حالة معقدة ليس فقط بفعل ضعف الموارد وهبوطها إلى أدنى مستوى وإنما بفعل ما هو أدهى وأمر من ذلك، وهي السيطرة الإسرائيلية على معظم القنوات المالية التي تضخ الدم في شرايين الاقتصاد والحياة الفلسطينية، ورغم هول ما هم بصدده خصوصاً بفعل مضاعفات «كورونا» السلبية على مواردهم المالية، فإنهم، وهذا هو مأزق إضافي، سوف يواصلون عنادهم ورفضهم لصفقة القرن مهما كانت إغراءات وعقوبات الأميركيين والإسرائيليين؛ ذلك أنهم لا يقفون سياسياً أمام أزمة ككل الأزمات السابقة التي اعترضت مسار كفاحهم الوطني، بل إنهم يواجهون خطر تصفية لقضيتهم وهذا ما لن يتم التساهل فيه مهما كان العناء الاقتصادي ثقيلاً.