بقلم:بشار طافش
مؤخراً صَرفتُ هذا الغياب الطويل وأنا أفكر بالتوقف عن الكتابة إليك يا حبيب عمري، غير أنني لم أسْطِع بالمرة، أحيانا وكعادتي الخرقاء الأبدية أشرع بالتفكير في قضايا مهمة وأرغب بشدة أن نتناولها معاً أنا وإياك ونحن نحتسي كأسا من الشاي الثقيل الذي كان يبرع في صنعه والدي الحبيب رحمه الله، وهذا من أضخم دوافعي التي تحركني للاستمرار في الكتابة إليك. في الحقيقة ليس هذا فقط، ربما أن هناك مَن هُم حولي ويملكون صدور رحبة وعقول نيِّرة كي يستمعوا إلى ترهاتي، لكني أستمتع أكثر وأنا أتخيل نفسي أتحدثُ إليك يا حبيبي، بل إني أعشق الحديث معك، وكم تمنيتُ يوماً بأن أتحدث معكما أنتما الاثنان في الواقع، كم أتمنى.
في الأعوام الأخيرة عشتُ هاجساً وكان يستحوذ على جزءٍ كبيرٍ من تلك الترهات المهمة التي لطالما مَلَأت عقلي وشَغَلَت فكري، فقرأتُ الكثير عنها وكتبتُ مقالات عدة تناولتُها فيها، ستجد بعضها على مدونتي الخاصة، حتى إنني تناقشت بشأنها مع زملاء مدونين يعيشون على الجهة الأخرى من عالمنا العربي وكان لهم رأي آخر استفزني كثيراً، صراحة لم تكن تشغلني مسألة إقناع المزيد والمزيد منهم بوجهة نظري، فأنا أعلم أن عدالة تلك القضية تسيطر على وجدان السواد الأعظم من البشرية مهما كان عِرقهم أو دينهم، لكن وجهة نظري بشأنها كانت مرعبة ووحشية بعض الشيء وكيف لا وهي تدور حول العقاب الإلهي الذي بات وشيكاً حسب رأيي جراء هذه القضية التي اكتسبت خطورتها حسب رأيي أيضا بسبب هذه المجاهرة الوقحة بهذه الأفعال والتشجيع عليها بشتى الطرق والوسائل، غير أن الكثير ممن ناقشتهم باتوا يعتبرون أن الله لا يجب أن يتدخل بقضايا مماثلة، وبعضهم يعتبره غير موجود أصلا، هم أنفسهم مَن تجدهم يستنكرون على الإسلاميين مثلا السعي نحو السلطة، لا أعلم لماذا هم أنفسهم ولا أعلم كذلك لماذا يستنكرون ما يستنكرون؟.
على كل حال عندما ضَرَبَت جائحة كورونا كما تعلم منتصف الشهر الثالث من هذه السنة، ربما أنني كنتُ أنا الوحيد على وجه الأرض الذي امتلأ قلبه فرحاً وابتهاجاً، فقد كنتُ أتوقع بأن يكون العقاب الإلهي أشد وأخطر وأضخم بكثير من كورونا هذه، لقد توقعتُ يوماً بأن يشق الله الأرض إلى نصفين كعقاب لنا ولن يكون قد أتى يوم القيامة بعدُ كعقاب أشد، صدقني أنني حين كنتُ أخلد إلى النوم أخيراً بُعيد الفجر أترقب صدور ذاك الصوت المرعب الذي سيسبق انشقاق الأرض إلى نصفين، غير أنها كانت كورونا في النهاية، وأنا أؤمن برحمة الله علينا وعلى البشرية جمعاء أن عاقَبَنا أخيراً بوباء فيروس كورونا رغم انتشار الشذوذ والشواذ والدعم الهائل لهما، تصور أنهم يُروِّجون الآن لفكرة لا ترقى إلى فكر الحيوانات حتى مؤداها بأن الإنسان الطبيعي والمتزن هو الذي يتقبل الشواذ بل ويدعمهم أيضا، والإنسان غير الطبيعي هو الذي ينبذهم.
من المؤكد بني أنك توافقني الرأي بأن أمثال هؤلاء البشر الشاذين وُجِدوا على الأرض أصلا منذ بدء الخليقة، ومنذ قوم لوط عليه السلام الذي خَسَفَ الله بهم الأرض ليس فقط نتيجة ممارستهم للشذوذ بل للمجاهرة به، ولن ينتهي أمثالهم حتى يرث الله الأرض ومَن عليها، لكن المشكلة الكبرى التي نعاني منها اليوم أن هؤلاء الشواذ باتوا يجاهرون بشذوذهم بكل وقاحة وبدأت تصدر القوانين التي تسمح لهم بالزواج فيما بينهم إن صح أن نسمي ذلك زواج أصلا، ونالوا دعما أمميا ودوليا هائلا حتى على مستوى الحكومات، لقد بات من يعارضهم اليوم أو يستنكر أفعالهم المشينة الشاذة متخلف وعنصري ومتحجر العقل ووحشي، تصور بني، أليس كورونا عقاب رحيم للبشرية؟
سأكتب لك في المرة القادمة عن متوالية التطبيع العربية المجانية مع دولة الكيان الصهيوني، وأرجو أن تفكر ملياً بهذا السؤال حتى موعدنا القادم، نحن رأينا كيف تغنى إعلام الصهاينة بالتطبيع الأخير مع تلك الدولة الخليجية، ورأينا قبل ذلك كيف طار بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان فرحاً بالمواطن السعودي الذي أعلن كم يحب نتنياهو وإسرائيل وحاخامات إسرائيل، بالأمس عشية ظهور صورة الأطفال الخليجيين البريئين وهم يضعون علم دولة الكيان الصهيوني على صدورهم لم يبق لا صحيفة ولا قناة إسرائيلية إلا وتحدثت عنهم وطار الشعب اليهودي هناك سعادة.
السؤال عزيزي، هذا يعني أن دولة الكيان وقادتها وشعبها يتَشَحتَفون على التطبيع معنا نحن العرب تَشَحتُفاً، لماذا لا نُجبرهم على تقديم التنازلات لنا مقابل التطبيع معهم إذا، لماذا نحن الذي يجب عليه دائما أن يقدم التنازلات لهم مقابل التطبيع معهم ونمنحهم إياه مجانا رغم أنهم يتوقون إليه توق التائه في الصحراء لشربة ماء، لماذا؟ فكر في الإجابة حتى نلتقي مجددا.
عن “الجزيرة نت”