إسرائيل وضم منطقة غور الأردن.. التداعيات والمتطلبات

4 مايو 2020آخر تحديث :
إسرائيل وضم منطقة غور الأردن.. التداعيات والمتطلبات
إسرائيل وضم منطقة غور الأردن.. التداعيات والمتطلبات

بقلم: اللواء محمد إبراهيم الدويري*

لست من أولئك الذين يراهنون على أن إسرائيل قد تُعيد حساباتها حول إمكانية ضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت من عدمه. ففي رأيي أن إسرائيل حسمت أمرها واتخذت قرارها بالضم، ولم يتبقَّ لها سوى البدء باتخاذ الإجراءات الرسمية لتنفيذ هذا القرار الذي يُعيد إلينا سيناريو ضم مدينة القدس الشرقية والجولان السورية بقرارات تراوحت بين أن تكون حزبية أو برلمانية أو حكومية، وكلها قرارات تم اتخاذها بين عامي 1967 و1980.

نقاط رئيسية

وفي هذا المجال، هناك خمس نقاط رئيسية من المهم الإشارة إليها:

النقطة الأولى: أن إسرائيل بدأت إجراءات الضم الفعلي لمنطقة غور الأردن (تمثل 30% من مساحة الضفة الغربية) منذ أن بدأت في تطبيق ما يُسمى بخطة آلون في أعقاب احتلالها الضفة الغربية عام 1967. وقامت منذ ذلك الحين بتهيئة هذه المنطقة عسكريًّا وأمنيًّا واستيطانيًّا وإداريًّا ليتسنّى ضم أجزاء منها على الأقل عندما تحين الظروف المناسبة لذلك.

النقطة الثانية: أن معظم أراضي الغور تقع داخل المنطقة التي تُسمى طبقًا لاتفاق أوسلو (بالمنطقة C) التي تخضع أمنيًّا وإداريًّا لإسرائيل، وهي تمثل حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية (تشير الإحصائيات المتوافرة إلى أن منطقة الغور يقطن في مدنها وبلدياتها الفلسطينية حوالي 70 ألف فلسطيني، في حين يتواجد بها حوالي 15 ألف مستوطن يقطنون 19 مستوطنة).

النقطة الثالثة: أن إسرائيل سعت بكافة الوسائل إلى منح هذه المنطقة أهمية أمنية متميزة من خلال ربطها بمنظومة الأمن القومي الإسرائيلي، وضرورة أن تكون تحت سيادتها الكاملة، بدعوى تأمين جبهتها الشرقية، وهو ما نجحت في أن تقنع به إدارة الرئيس “ترامب”.

النقطة الرابعة: أن هناك توافقًا إسرائيليًّا داخليًّا على أن منطقة الغور لا بد أن تكون لها وضعية خاصة في ظل أية تسوية سياسية مستقبلية. كما أن هناك إجماعًا داخل اليمين واليمين المتطرف والأحزاب الدينية على عدم التنازل عنها تحت أية ظروف أو حتى في ظل عملية سلام.

النقطة الخامسة: أن اللجنة الثنائية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة، الخاصة بترسيم الحدود وطبيعة المناطق التي ستضمها إسرائيل في الضفة الغربية، والتي تشكلت في أعقاب طرح خطة السلام الأمريكية في أكتوبر عام 2019، عقدت العديد من الاجتماعات الميدانية على الأرض في منطقة الغور، وتوصلت إلى رسم بعض الخرائط التي سيتم اعتمادها بشأن عملية الضم، وإن كان لم يتم الانتهاء من أعمال هذه اللجنة حتى الآن حيث تعطلت بسبب تفشي وباء كورونا.

اتفاق نتنياهو غانتس

وفي الوقت نفسه، من الضروري الوقوف عند تطورين في قمة الأهمية لتأكيد مدى جدية هذا التوجه الإسرائيلي:

التطور الأول: أن خطة السلام الأمريكية فتحت المجال أمام هذا الضم، حيث نصت في قسمها الرابع (الخاص بالحدود)، على أن غور الأردن –وهو أمر حاسم للأمن القومي الإسرائيلي– سيكون تحت السيادة الإسرائيلية، وسيتم دمج حوالي 97% من المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية في الأراضي الإسرائيلية المتجاورة (أي التي ستضمها إسرائيل من أراضي منطقة الغور). كما نصت الخطة في الملحق رقم 2 أ، فيما يتعلق بما أسمته الخرائط المفاهيمية، على أنه إذا انسحبت إسرائيل من غور الأردن فسوف تترتب على ذلك تبعات كبيرة على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط.

التطور الثاني: أن الاتفاق الذي وقّعه كل من “نتنياهو” و”جانتس” يوم 20 أبريل بشأن تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة تضمن لأول مرة وبأسلوب غير مسبوق تحديد توقيت واضح للبدء في الإجراءات التشريعية والتنفيذية لضم ما أُطلق عليه في الاتفاق تعبير “فرض السيادة على المستوطنات ومناطق شاسعة في الضفة الغربية”، وذلك بالنص على بداية يوليو 2020 كتاريخ محدد لتنفيذ هذا الأمر وعرض الخطة الأمريكية. ونشير هنا إلى أن هذا الاتفاق الحكومي قد حظي بتأييد كل من الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب الدينية وحزب جانتس وكذا حزب العمل ذي التوجهات اليسارية.

ومن المنطقيّ هنا طرح السؤال التالي: هل هناك عقبات فعلية تَحُولُ دون قيام إسرائيل بعملية الضم؟

في رأيي أنه لا يوجد حتى الآن عائق حقيقي يحول دون اتمام هذا الإجراء، وذلك في ضوء العاملين الرئيسيين التاليين:

العامل الأول: تصميم وتمسك “نتنياهو” وامتلاكه الأغلبية اليمينية التي تمكنه من تمرير هذا القرار في الكنيست حتى لو اتجه “جانتس” إلى معارضة هذا القرار. ويمكن لـ”نتنياهو” أيضًا تمريره داخل الحكومة والمجلس الوزاري المصغر. وفي التقدير، أن “جانتس” الذي يهدف وبقوة إلى تولي منصب رئيس الوزراء في أكتوبر 2021 -في حالة تنفيذ التناوب- لن يستطيع المناورة حتى النهاية إذا أراد منع تمرير القرار الذي سبق أن وافق عليه، خاصة إذا أصرت واشنطن على تنفيذ خطتها، وبالتالي لن يرغب “جانتس” في الدخول في مواجهة خاسرة مع الإدارة الأمريكية

العامل الثاني: أن إجراء الضم -في حد ذاته- لا يتعارض في جوهره مع خطة السلام الأمريكية التي طرحها الرئيس “ترامب” بنفسه باعتبارها إنجازًا لإدارته، ووافق عليها كل من “نتنياهو” و”جانتس”، وبالتالي يمكن تنفيذ هذا الإجراء دفعة واحدة أو تدريجيًّا استنادًا إلى بنود هذه الخطة.

ومن المؤكد أن “نتنياهو” الذي نجح في أن يكتب لنفسه تاريخًا غير مسبوق في الحياة السياسية الإسرائيلية، واقتراب توليه رئاسة الوزراء للمرة الخامسة، فضلًا عن نجاحه في الهروب من خضوعه للمحاكمة أو السجن لاتهامه في العديد من قضايا الفساد؛ سوف يحرص على اتخاذ هذه الخطوة التي وعد بها ناخبيه خلال حملته الانتخابية التي حصل فيها حزبه على أكبر عدد من المقاعد (36 مقعدًا) حتى يسجل لنفسه أنه صاحب القرار الاستراتيجي الأهم في دعم منظومة الأمن القومي الإسرائيلي، وترسيم حدودها الشرقية بالشكل الذي يُحقق المصلحة الإسرائيلية أساسًا.

توضيحات أميركية

وفيما يتعلق بالموقف الأمريكي، فقد حاولت واشنطن مؤخرًا توضيح بعض المواقف في أعقاب إعلان اعتزام إسرائيل ضم منطقة الغور، حيث صدرت تصريحات من البيت الأبيض أشارت إلى ما يلي:

– أن الولايات المتحدة لم تُعطِ إسرائيل الضوء الأخضر حتى الآن فيما يتعلق بضم مناطق في الضفة الغربية.

– أن مسألة الضم مرتبطة بموافقة إسرائيل على التبني الكامل لخطة السلام الأمريكية بما في ذلك إقامة الدولة الفلسطينية.

– أن الموافقة الأمريكية على الضم ستكون في إطار مسار شامل توافق فيه إسرائيل على التفاوض مع الفلسطينيين.

وفي تقديري أن هذه المواقف الأمريكية حتى وإن بدت مقبولة -إلى حدٍّ ما- من حيث الشكل، إلا أنها غير مؤثرة من حيث المضمون، ولا تمنع إسرائيل من الإقدام على هذه الخطوة، ولا تمثل لها إلزامًا قاطعًا بعدم ضم الأغوار، وسينتهي الأمر إلى موافقة واشنطن على الضم (المنصوص عليه بوضوح في خطتها) استنادًا إلى الذريعتين التاليتين:

الأولى: أن هذه المنطقة تُعتبر منطقة استراتيجية بالنسبة للأمن الإسرائيلي ومواجهة الإرهاب، وهي جزء من خطة سلام أمريكية شاملة تبناها الرئيس “دونالد ترمب” ويعتزم تنفيذها، وعلى الفلسطينيين القبول بها والحصول على ما تمنحه لهم الخطة من أراضٍ أو دولة طبقًا للمعايير والمحددات والتوقيتات الواردة في الخطة.

الثانية: وستستند إلى عدم وجود شريك فلسطيني في عملية السلام، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن السلطة الفلسطينية رفضت الخطة تمامًا، وأعلنت أنها لن تتعامل معها مستقبلًا، نظرًا لأنها مجحفة بالحقوق الفلسطينية. وبالتالي، ستقوم واشنطن بمنح إسرائيل الضوء الأخضر لبدء تنفيذ الخطة من جانب واحد، وفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن.

ولا يجب أن يفوتنا هنا حدوث متغير قد يبدو مهمًّا، وهو تصريحات المرشح الديمقراطي المحتمل للرئاسة الأمريكية “جو بايدن” حول معارضته للخطوة الإسرائيلية باعتبارها خطوة أحادية الجانب تعرقل عملية السلام وحل الدولتين.

وفي رأيي، فإن هذا الأمر سوف يكون له تأثير إيجابي لصالح “نتنياهو” الذي سيتحرك بشكل أقوى لإتمام عملية الضم تحسبًا لأية احتمالات بإمكانية فوز “بايدن” بالرئاسة الأمريكية في الانتخابات المزمعة نهاية العام الجاري، وهو ما قد يؤدي –في هذه الحالة- إلى إثارة عقبات حقيقية أمام وضع هذه الخطوة موضع التنفيذ.

وفي تقديرنا أن إسرائيل سوف تتعامل مع قضية الضم بطريقة متدرجة، حيث ستحرص في البداية على التنسيق مع واشنطن بشأن الخطة ككل طبقًا لما تم النص عليه، وتمشيًا مع مطلب البيت الأبيض مؤخرًا، وتعلن موافقة الحكومة الإسرائيلية الجديدة عليها. ثم ستدعو الفلسطينيين للتفاوض معها بناء على الخطة الأمريكية، وهي تدرك تمامًا رفض السلطة الفلسطينية مسبقًا لهذه الدعوة. وفي أعقاب ذلك ستتجه إسرائيل إلى إعلان ضم منطقة الأغوار التي سيتم تحديد معالمها بالتوافق الأمريكي الإسرائيلي فقط من خلال اللجنة المشتركة بينهما لترسيم الحدود في الضفة الغربية.

مطلوب تحرك عاجل

وفيما يتعلق بالتحركات العربية والدولية المبدئية تجاه الموقف الإسرائيلي، فلا شك أن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورة غير عادية يوم 30 أبريل واتخاذه القرار رقم 8522 الذي يتضمن 12 بندًا في مواجهة القرار الإسرائيلي والدعم الأمريكي يُعد خطوة جيدة. كما أن تقديم سفير الاتحاد الأوروبي وسفراء تسع دول أوروبية يوم 30 نيسان احتجاجًا رسميًّا لكل من “نتنياهو” و”جانتس” على خطط الحكومة الإسرائيلية بشأن ضم أجزاء من الضفة الغربية؛ يُعد أيضًا تحركًا إيجابيًّا يعكس طبيعة الموقف الأوروبي المؤيد للموقف الفلسطيني.

وفي رأيي أنه بالتوازي مع هذه المواقف الإيجابية فإن الأمر أصبح يتطلب تحركات عاجلة أكثر تأثيرًا. وفي هذا المجال، يمكن النظر في ستة تحركات مقترحة أو إجراءات عاجلة (ثلاثة على المستوى الدولي، وثلاثة على المستوى الفلسطيني والعربي)، وذلك على النحو التالي:

المستوى الدولي

أولًا- على المستوى الدولي:

1- الدعوة لعقد اجتماع عاجل (افتراضي) لمجلس الأمن في أقرب توقيت ممكن لبحث مسألة ضم الأغوار وتداعياتها، ولا مانع في أن يتم بلورة مشروع قرار يُطرح للتصويت إذا كان ذلك متاحًا. وبالرغم من أن واشنطن سوف تستخدم حق الفيتو لمنع إصدار أي قرار ضد إسرائيل، إلا أن الجانب الإيجابي هنا يتمثل في منح هذا الموضوع الزخم الدولي المطلوب، وأن يكون ذلك بمثابة عامل ضغط أو إحراج لإسرائيل ومن يؤيدها.

2- طرح رؤية عربية فلسطينية موحدة ومتفق عليها بشأن التسوية السياسية الشاملة والعادلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة (اجتماع افتراضي) حتى تحظى هذه الرؤية بقبول دولي كبير (متوقع تأييد أكثر من 150 دولة)، وهو ما سيدعم التحرك العربي لتجميع الزخم الدولي المطلوب.

3- إبلاغ الولايات المتحدة (بصورة رسمية) أن القرار الإسرائيلي في حالة اتخاذه سوف تكون له تداعياته على الأمن والاستقرار في المنطقة، ومن شأنه أن يؤدي إلى إثارة قلاقل وتوترات داخل الضفة الغربية من الصعب أن يسيطر عليها أحد، وقد يصل الأمر إلى تداعيات أمنية أكثر على مستوى المنطقة كلها. كما أن هذا القرار قد يؤدي إلى مزيدٍ من إضعاف السلطة الفلسطينية، وبالتالي تغيير كامل في طبيعة المعادلة السياسية الفلسطينية. ومن ثم ينبغي أن يتم الضغط الأمريكي على إسرائيل لإلغاء هذا القرار أو على الأقل تأجيله لفترة غير محددة حتى يمكن تهيئة المجال نحو البدء في عملية سلام مقبولة من الجميع.

فلسطينيا وعربيا

ثانيًا- على المستويين الفلسطيني والعربي:

1- من الضروري أن تظل هذه القضية حاضرة في كافة التحركات العربية والفلسطينية على أعلى المستويات، ومنحها الأولوية في كل ما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية، مع إعطائها التركيز الإعلامي المطلوب.

2- لا بد أن يمتلك العرب والفلسطينيون البديل الملائم أو المشروع السياسي لعدم ترك الساحة خالية أمام خطة السلام الأمريكية وحدها التي تعتمد عليها إسرائيل في عملية الضم، لا سيما أن الرهان الأمريكي الإسرائيلي يتركز على عامل الرفض الفلسطيني للخطة. مع ضرورة إظهار أن هناك شريكًا فلسطينيًّا مدعومًا عربيًّا يقبل بدء التفاوض من خلال رؤية شاملة للحل العادل للقضية بما يحقق الأمن والاستقرار لجميع دول المنطقة بما فيها إسرائيل.

3- أهمية أن تكون هناك حسابات فلسطينية دقيقة بشأن طبيعة الوضع الداخلي الفلسطيني خلال المرحلة المقبلة، وذلك بالتنسيق مع الدول العربية الرئيسية، وتحديد الخطوات التي سوف تنتهجها السلطة الفلسطينية في حالة اتخاذ إسرائيل قرار الضم فعليًّا. ويمكن في هذا الإطار بحث العديد من القضايا أهمها: طبيعة العلاقة الفلسطينية مع إسرائيل في كافة المجالات ارتباطًا بمحدِّدات اتفاقات أوسلو، ووضعية السلطة الفلسطينية مستقبلًا وهل ستستمر في إطارها السابق نفسه، وعناصر القوة التي من شأنها أن تدعم الوضع الفلسطيني الداخلي.